1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"سقوط" باخموت.. بوتين يتجرع مرارة "انتصار" بطعم الهزيمة!

٢٦ مايو ٢٠٢٣

رغم إعلان روسيا سيطرتها على باخموت وتأخر الهجوم الأوكراني، أظهرت كييف قدرة كبيرة على المناورة وإرباك الروس، كما أظهر ذلك الهجوم المباغت على بيلغورود تكتيكا جديدا قد يبعثر خطط الكرملين وفق خبراء ألمان وأوروبيين.

https://p.dw.com/p/4Rrip
مشهد من قلب مدينة باخموت الأوكرانية (21 مايو 2023)
مشهد من قلب مدينة باخموت الأوكرانية (21 مايو 2023)صورة من: UKRAINIAN ARMED FORCES/REUTERS

أعلنت مجموعة "فاغنر" الروسية شبه العسكرية سقوط مدينة باخموت في شرق أوكرانيا،، بعد ما يقارب عشرة أشهر من القتال العنيف. ولم يعد الأوكرانيون يسيطرون إلا على عدد قليل من الجيوب في جنوب غرب المدينة. باخموت باتت مرادفًا ورمزا للإرادة الأوكرانية الصلبة في الدفاع عن الوطن. بل وخلقت هذه المعركة زخما جديدا من التضامن الدولي الإضافي مع كييف، فيما دفعت موسكو ثمنا باهظا، من حيث الخسائر البشرية والعسكرية ومن حيث الهبة التي من المفروض أن يتمتع بها أحد أكبر جيوش العالم. باخموت التي كان يسكنها قبل الحرب سبعون ألف نسمة، تحولت اليوم إلى مدينة أشباح تشهد على أهوال الحرب.

وفي رأي العديد من الخبراء العسكريين، كان يُعتقد إلى وقت قريب، أن هذا النوع من المعارك التي يُقتل فيها المئات من الجنود يوميًا، هو شيء من الماضي. غير أن باخموت أظهرت أن هذا الاعتقاد خاطئ وأن وجه الحرب لا يزال داميا وقبيحا رغم التقدم لتكنولوجي الهائل في في القرن الحادي والعشرين. وبهذا الصدد، علقت صحيفة بوبليكو البرتغالية (25 مايو/ أيار 2023) وكتبت "باخموت هي نموذج حرب لا نهاية لها في الأفق. فعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية المتدنية للمدينة (من وجهة نظر عسكرية)، ركزت كل من روسيا وأوكرانيا جهودهما الحربية على هذه المدينة، وكأن نتيجة الصراع برمته تعتمد عليها. تبدو السيطرة الروسية اليوم رمزية ولا يمكن للروس الحديث عن انتصار مشابه لوصولهم إلى برلين عام 1945".

انسحاب "فاغنر".. وغموض الهجوم المضاد

بدأت مجموعة فاغنرالروسية عمليا تسليم مواقعها في باخموت إلى القوات النظامية (25 مايو/ أيار). وفي وقت أكدت فيه موسكو أن الإنجاز العسكري في باخموت سيفتح أمامها الطريق للتقدم نحو منطقة دونباس الصناعية، تعتبر كييف أن معركة باخموت أجبرت الجيش الروسي على تكبد خسائر فادحة وعلى إضعاف خطوطه الدفاعية في مواقع أخرى. وتزامن هذا التطور مع نشر موسكو أسلحة نووية تكتيكية في روسيا البيضاء، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991. وتزامنا مع ذلك أكدت واشنطن عزمها الإعلان عن مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا تصل قيمتها إلى 300 مليون دولار تتألف أساسا من الذخيرة. وبلغت تعهدات واشنطن لكييف منذ الغزو أكثر من 35 مليار دولار، فيما يقول الكرملين أن الحلفاء الغربيين يخوضون في الواقع حربا بالوكالة ضد روسيا.

من جهتها، تخطط كييف لشن هجوم مضاد كبير لاستعادة أراضيها التي استولى عليها الروس، خصوصا بعد حصولها على أسلحة حديثة قدمتها لها القوى الغربية. وبهذا الصدد كتبت صحيفة الغارديان البريطانية (24 مايو/ أيار) معلقة "بينما يأمل البعض في الولايات المتحدة وأوروبا أن يؤدي الهجوم المضاد (الأوكراني المتوقع) إلى محادثات بشأن وقف إطلاق النار، فإن روسيا لا تبدي أي اهتمام بأي مخرج (..) وأوكرانيا لا تعتقد - لأسباب مفهومة للغاية - أن عدوها سوف يحترم الاتفاقية. ومهما سيحدث في الأسابيع المقبلة، فقد تحدث مواجهة دموية طويلة الأمد. إن حرب الاستنزاف لا تستنزف القوات المسلحة فحسب، بل تستنزف أيضًا الأشخاص الذين يعانون من الفقر ونقص الطاقة على الجبهة الداخلية. في المناطق التي تمت استعادتها، ستكون هناك منازل مدمرة وآمال مدمرة ستصيب المدنيين بالصدمة. أوكرانيا بحاجة إلى هجوم مضاد لاستعادة الشعور بالزخم على الصعيدين الداخلي والدبلوماسي، ولكن من المرجح أن تكون مجرد مرحلة أخرى في صراع طويل الأمد".

باخموت ـ بين النصر والإذلال

يعتبر إعلان السيطرة على باخموت فرصة سانحة للرئيس فلاديمير بوتين لتقديم الأمر كانتصار للرأي العام الروسي الذي سئم من الأخبار المحبطة القادمة من الجبهة طوال الأشهر الماضية. غير أن الكل بات يعلم أن "انتصار باخموت" لم يتحقق في مدن كبرى مثل خيرسون أو خاركيف، ناهيك عن كييف.  لذلك تبدو غنيمة باخموت ضئيلة جدا بالنسبة لأحد أكبر جيوش العالم. وهناك من المنتقدين من يرى في هذا الإنجاز، إذلالا في الواقع، للجيش الروسي الذي كان يسعى لبسط سيطرته على منطقة دونباس بالكامل.

"وبهذا الصدد نقلت صحيفة "فرانكفورتر روندشاو" الألمانية (25 مايو/ أيار)، عن ناقد بوتين الشهير، إيغور جيركين في رسالة له على "تليغرام" قوله "لقد عادت باخموت إلى الوطن (..) هذا أمر لا يثيرني، بالنظر إلى الخسائر والموارد المهدرة والوقت الضائع والفهم الأولي للعقم الاستراتيجي لهذه العملية". واعتبر جيريكين أن الأمر ليس انتصارًا، بل حمام دم. واستطرد أنه للأسف ليست دماء من خططوا ووجهوا تلك الهجمات، وإنما هي دماء "جنود وضباط الجبهة والمعبئين والمتطوعين".

بيلغورود كادت تنسي "انتصار" باخموت

أظهرت العملية الجريئة التي نفذت في عمق الأراضي الروسية في منطقة بيلغورود، صورة مدمرة للجيش الروسي، فعلى مدى يومين، تسللت مجموعتان من المقاتلين، يعتقد أنهم روس متشددون، خلف خطوط الجيش الروسي. وكان على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراقبة الوضع عاجزا كيف فقد السيطرة على الوضع على مدى يومين، في وقت كان يسعى فيه للاحتفاء بـ "السيطرة" على باخموت. هذا الهجوم قد يغير بشكل جذري مجرى الحرب، لكنه قد يخلق بلا شك قلقا عميقا لدى المسؤولين الروس. الهجوم الجريء أظهر بشكل استعراضي بعضا من نقاط ضعف أحد أكبر الجيوش في العالم، وقدرته بالكاد على حماية حدوده التي تمتد على طول 1500 كيلومتر مع أوكرانيا.

وبهذا الشأن كتبت صحيفة "إل موندو" الإسبانية (24 مايو/ أيار) أن "هجوم بيلغورود فتح جبهة جديدة ضد بوتين، ما يكشف عن ضعف روسيا وعجز جيشها عن حماية أراضيها. وهو ما يفاقم بدوره الضعف الذي أظهرته قوات موسكو في الجبهة، حيث توجد في موقع دفاعي منذ شهور ولم تحرز أي تقدم باستثناء الاستيلاء على باخموت. (...) أما الاقتحام العسكري في بيلغورود، الذي أدى إلى إخلاء تسع قرى، فشكل ضربة معنوية أذلّت بوتين. مع عبور الحرب للحدود، فقد اقتربت أكثر فأكثر من الحياة اليومية للروس، الذين يشعرون بقلق متزايد من انتشار مثل هذه الهجمات في جميع أنحاء البلاد".

تكتيك حربي أوكراني جديد؟

قد يتحول الهجوم على بيلغورود إلى أداة تكتيكية ذكية في يد أوكرانيا. صحيح أن المتسللين من "فيلق الحرية الروسي" وفيلق "الحرية لروسيا" لم يحققوا إنجازا عسكريا يمكن الاحتفاظ به على المدى الطويل، لكنهم سجلوا نقاطا كبيرة في لعبة كر وفر قد تستنزف أعصاب الروس. ورغم أن كييف تنفي رسميا علاقتها بالحادث، إلا أنه من الواضح أن عملية كهذه ما كان لها أن تتم دون تنسيق مع الجيش الأوكراني. ثم هناك بالضرورة جهة ما قامت بتسليح المتسللين ودعمتهم لوجستيا. غير أن الأهم هو أن هذه المجموعات الغامضة هي أداة في يد جهاز المخابرات العسكرية الأوكرانية، يمكنها تحريكها في أي وقت لبث الرعب والارتباك في صفوف الجيش الروسي.

شبكة الإعلام الألمانية (25 مايو/ أيار) كتبت "الهجوم على بيلغورود من قبل مجموعة تخريبية موالية لأوكرانيا، هو مثال حي على كيفية إدارة المعركة بشكل ذكي. فجأة لا أحد يتحدث عن احتلال روسيا لباخموت"، فيما ذهبت صحيفة "ليدوف نوفيني" التشيكية المحافظة (25 مايو/ أيار) إلى القول "من اللافت أن التكنولوجيا العسكرية الأمريكية استخدمت أيضًا في الهجوم (..). هناك مخاوف من أن موسكو يمكن أن تستخدم هذا الأمر كذريعة لمزيد من التصعيد للصراع. لقد حدث ذلك بالفعل، ولم تتفاعل روسيا بشكل واضح، وبالتالي لم يعد هناك أي سبب لمنع استخدام التكنولوجيا الغربية لهذا الغرض. إن الإذن بمهاجمة روسيا سيسمح لأوكرانيا بشل القواعد اللوجستية الروسية في روسيا وربما بقطع هجوما كبير على خطوط الإمداد لشبه جزيرة القرم المحتلة".

حسن زنيند

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد