تحليل: هل تنجح الحكومة المصرية في مواجهة مشكلة نقص الأغذية؟
٨ يونيو ٢٠٢٢في آخر الجهود الرامية إلى ضمان الأمن الغذائي في مصر أفادت وكالة رويتر للأنباء أن البلاد تستعد للحصول على أكثر من 600 مليون دولار من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي لتحسين نظام صوامع الحبوب ودعم مشتريات القمح الحكومية. يأتي ذلك في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة المصرية مكافحة التبعات الخطيرة للحرب في أوكرانيا وقبلها تبعات جائحة كورونا على أسعار الأغذية التي تشهد ارتفاعات جنونية دون توقف. ولعل خير مثال على ذلك تضاعف أسعار القمح من 260 إلى أكثر من 480 دولار للطن الواحد في غضون أقل من 4 أشهر. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الكثير من الأغذية في وقت ارتفع فيه معدل التضخم إلى أكثر من 9 بالمائة خلال الشهرين الماضيين.
ضرر فادح بنحو 25 مليار دولار
تعد مصر من بين الدول الأكثر تأثرا بتبعات الحرب في أوكرانيا على أسعار الأغذية كونها أكبر مستورد للقمح في العالم. وتستورد البلاد أكثر من 10 ملايين طن، سنويا من القمح أي نصف احتياجاتها منه لتأمين رغيف الخبز الحيوية لأكثر من 100 مليون مصري. وكان استيراد ما يزيد على 80 بالمائة منه يتم من روسيا وأوكرانيا عبر مرافئ البحر الأسود. غيرن أن تعطل طرق الإمداد عبر البحر ولجوء الكثير من الدول إلى وضع قيود على صادرات الحبوب وأغذية أخرى أثار مخاوف كبيرة من نقص الأغذية قبل حلول العام الجاري، لاسيما وأن بلدانا كثيرة كالهند وضعت قيودا على صادرات الحبوب. وقدر رئيس الوزراء المصري مصطفى المدبولي الأثر المباشر للحرب على الموازنة المصرية بأكثر من 7 مليارات دولار سنويا. أما الأثر غير المباشر فقدره بأكثر من 18 مليار دولار سنويا، ليستنتج أن مصر " في منتصف أسوأ أزمة منذ مائة عام".
مليارات إضافية لاستيراد الأغذية
تشكل واردات القمح والزيوت النباتية والذرة والفول واللحوم العمود الفقري لواردات الأغذية التي تشكل 15 بالمائة من مجمل قيمة واردات مصر التي وصلت إلى نحو 74 مليار دولار العام الماضي 2021. ويتم استيراد القسم الأكبر منها من روسيا وأوكرانيا، ومن تبعات الحرب بين البلدين أن زيادة أسعار بعض الأغذية ومضاعفة أسعار بعضها تتطلب تأمين حوالي عشرة مليارات دولار لتغطية التكاليف الإضافية لأستيرادها وخاصة القمح منها. ونظرا لصعوبة تأمين مبلغ كهذا بسرعة تواكب تطور الأسعار تطرق الحكومة المصرية في الوقت الحالي مختلف الأبواب في محاولة لتوفيرها عن طريق الاقتراض المحلي والأجنبي. غير أن هناك عوائق كثيرة من بينها على سبيل المثال لا الحصر نزوح استثمارات أجنبية كبيرة من البلاد تقدر قيمتها بنحو 20 مليار دولار. وهناك خدمة الديون الخارجية العالية التي تصل إلى نحو 16 مليار دولار خلال عامي 2022 و 2023. وتقدر قيمة الدين الخارجي المصري بأكثر من 120 مليار دولار أواخر العام الماضي. ولولا زيادة الصادرات من الغاز المسال وإيرادات قناة السويس لكان المبلغ أكبر منذ ذلك بعدة مليارات إضافية.
أهمية الدعم الخليجي؟
ورغم أن الدعم الخليجي عن طريق المنح والقروض والمساعدات يخفف من الأزمة المالية وعجز الموازنة ويساعد الحكومة على الاستمرار بالالتزام في دعم السلع الأساسية والوفاء بأقساط الدين الخارجي، فإن هذا الدعم لايكفي لتمويل واردات السلع الغذائية المتزايدة على ضوء الزيادة في عدد السكان. وتفيد أخرى التطورات على هذا الصعيد بأن السعودية أودعت في مارس/ آذار الماضي 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري لدعم سيولته من العملات الصعبة. وبشكل عام فإن مصر وباقي الدول التي اعتمدت خلال السنوات الماضية على القروض الخارجية تواجه مشاكل متزايدة في الحصول على أموال المانحين والمستثمرين بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.
هل ينقذ القطاع الخاص الوضع؟
مع تزايد هذه الصعوبات يبدو أن الحكومة وجدت ضالتها في خصخصة ما يزيد على 40 من مؤسسات القطاع العام للحصول على 40 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 2022 وحتى 2026. غير أن السؤال المطروح هو، هل تنجح خطط الخصحصة هذه بشكل جيد أم سيكون مصيرها النجاح المحدود والمتواضع أو الفشل كسابقاتها لأسباب من بينها الفساد والمحسوبيات وعزوف القطاع الخاص عن المؤسسات التي لا تأتي بأرباح عالية؟ لكن حتى لو نجحت هذه الخطط فإن تحقيق الهدف منها مرتبط بزيادة الاستثمارات في مشاريع إنتاج زراعات غذائية مستدامة بدلا من التركيز المبالغ فيه على المشاريع العملاقة التي يكلف الواحد منها عشرات مليارات الدولارات كالعاصمة الإدارية الجديدة بتكلفة 60 مليار دولار ومحطة طاقة نووية بتكلفة 25 مليار دولار.
هل ينجح التوجه الجديد؟
تدل تصريحات المسؤولين المصريين المعنيين الأخيرة على تقوية دعائم التوجه نحو سياسات استثمار جديدة على ضوء تبعات الحرب في أوكرانيا. ويقضي هذا التوجه بزيادة رقعة الأراضي الزراعية بنحو 2.5 مليون فدان لزيادة المساحات المزورعة بالقمح والمحاصيل الأخرى إلى 12.5 مليون فدان. كما يقضي باستثمار ما يزيد على 50 مليار دولار للموارد المائية الإضافية من خلال محطات معالجة المياه العادمة واستغلال المياه الباطنية بحلول عام 2037.
وهناك تواجه للتعاون مع الدول العربية والأفريقية في مجال الزراعة أيضا. على سبيل المثال ذكرت وسائل إعلام مصرية أن مصر اتفقت مع الأردن والإمارات على مشاريع مشترمة لزراعة القمح والشعير والذرة. أما الهدف من كل المشاريع المذكورة أعلاه فهو الاقتراب من تحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي على صعيد السلع الاستراتيجية كالقمح والفول والذرة. السؤال المطروح الآن، هل تنجح الحكومة المصرية في جذب الاستثمارات اللازمة لذلك في ظل المديونية العالية وتردد المانحين والمستثمرين ؟ الأمر المؤكد هنا أن عدم النجاح يهدد بوقوع مجاعات وثورات خبز تحدد مصير الحكومة نفسها. الجدير ذكره هنا أن هناك الكثير من نجاحات السنوات الماضية التي يمكن البناء عليها. ومن بينها على سبيل المثال تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضار ومضاعفة إنتاج القمح ليصل إلى أكثر من 8 ملايين طن سنويا.
ابراهيم محمد