1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الرصافة مدينة عريقة في ثوب جديد

محمود يعقوب١٨ سبتمبر ٢٠٠٦

الرصافة هي احد المدن السياحية الهامة في سوريا، واحد اكبر مراكز التنقيب الأثري. المركز الألماني للآثار يساهم في الكشف عن كنوز المدينة الأثرية من خلال عمليات التنقيب والترميم التي يقوم بها هناك.

https://p.dw.com/p/96fe
صورة لأحد كنائس مدينة الرصافةصورة من: picture-alliance / akg-images / Hedda Eid

في شمال سوريا على بعد 50 كم جنوب غرب الرقة و 25 كم من نهر الفرات تقع مدينة الرصافة. كان أول ذكر لاسم المدينة في التاريخ في مطلع القرن الأول الميلادي كأحد مراكز التحصين والدفاع الرومانية ضد هجمات الفرس، لكن المدينة اكتسبت بعدا جديدا بعد ان ارتبط اسمها باسم القديس سيرجيوس، وهو احد الجنود الرومان الذي قتل أثناء الاضطهاد المسيحي في عام 300 بعد الميلاد عند اعتناقه للديانة المسيحية، ولقد أصبح ضريح القديس سيرجيوس مركزا هاما للحج المسيحي أثناء القرن الخامس والسادس الميلادي، لتتحول المدينة (والتي سميت بعدها باسمه "سيرجيوبوليس") إلى أسقفية مسيحية كبيرة تحتوي على عديد من الكنائس (بازيليكا) هي الأكبر على الإطلاق في منطقة الشرق.

مدينة الرصافة في العصر الإسلامي

Omayaden-Moschee in Damaskus in Syrien
المسجد الاموي في دمشق صرح كبير للاثار الاسلاميةصورة من: dpa

بعد الفتح الإسلامي اختيرت المدينة من قبل الخليفة هشام بن عبد الملك لتكون منتجعا صيفيا، حيث قام ببناء قصرين ملكيين إضافة الى مسجد كبير يقع بالقرب من الكنيسة الكبرى الخاصة بالقديس سيرجيوس. بعد وقت قصير من سقوط الدولة الأموية لم يعد القصر الملكي مأهولا، لكن المسجد ظل مستخدما حتى منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، وكذلك كان الحال بالنسبة لكنيسة سيرجيوس الذي ظلت محتفظة بدورها كمدينة للحج المسيحي حتى ذلك الوقت تقريبا، إلا أن سكان الرصافة كانوا قد تركوا المدينة وهاجروها تماما في ( 1258/ 60 ) قبل أن تتعرض المدينة للغزو والتدمير من قبل التتار.

ان آثار مدينة الرصافة هي مثال فريد للالتقاء الفن المسيحي الإسلامي في أجمل صوره، حيث يعكس القصر الملكي لهشام بن عبد الملك -على سبيل المثال- مدى تأثر الفن الإسلامي المبكر بطرز وأشكال الفن البيزنطي. لذلك تعد المدينة تجسيد لهذا الطراز الذي ظل لوقت طويل غير معروف لعلماء الآثار وتاريخ الفن.

اهتمامات المركز الألماني للآثار بمدينة الرصافة

Syrien - Damaskus - Sajjida Rukajja Moschee Tourismus
سوريا تزخر بالكثير من الاثار الاسلامية العريقةصورة من: picture-alliance/ dpa/dpaweb

حظيت مدينة الرصافة منذ البداية باهتمام المركز الألماني للآثار، حيث بدا المركز حفائره في المنطقة في عام 1952، لتكون الرصافة أول مدينة في سوريا يقوم المركز بالتنقيب فيها. يرجع اهتمام المركز الألماني للآثار بهذه المدينة في المقام الأول إلى معرفته المسبقة بأهمية الرصافة كمركز ديني مسيحي، لكن عمليات التنقيب كشفت النقاب عن الأهمية السياسية للمدينة في العصر الإسلامي. إن مدينة الرصافة قد دخلت حيز التنقيبات التقنية منذ عام 1975 منذ ان تولى عالم الآثار تيلو اولبيرت رئاسة التنقيب في هذه المنطقة ليتم الكشف عن ثلاث كنائس في المنطقة إضافة إلى سور المدينة، وكلها تعكس طرز العمارة المسيحية في العصر البيزنطي المبكر. وعثرت البعثة الالمانية أيضا على كنز مخبأ يخص الكنيسة يرجع الى أوائل القرن الثالث عشر، ترجع أهمية الكنز المكتشف ليس فقط لإثبات استمرار الحج المسيحي للمنطقة حتى هذه الفترة بل أيضا الى إيضاح مدي تأثر وارتباط صناعة الحلي والمجوهرات في الشرق بشكل هذه الصناعة في الغرب ابان الحملات الصليبية.

ومنذ عام 2000 أخذ المركز الألماني للآثار على عاتقه مهمة حفظ وترميم آثار المدينة، إلا أن عجز المركز عن تحمل أعباء هذا المشروع قد حال دون خروجه إلى مجال التطبيق لعدة سنوات. ولقد تمكن المركز من خلال حملات دعائية ثقافية في ألمانيا إلى لفت النظر لأهمية هذا المشروع حتى تم توفير التمويل اللازم له. في خريف عام 2004 بدأ المركز أولى خطوات الترميم في الحائط الجنوبي للكنيسة الكبرى والذي يبلغ طوله 45 م وارتفاعه 15 م. ان عمليات الترميم تلك تتم في إطار فني مشترك مع هيئة الآثار السورية، حيث يشارك في المشروع مجموعة من عمال الترميم السوريين المتخصصين إضافة الى عدد من العمال العاديين الذين تم استقطابهم من القرى المجاورة للموقع.

أنشطة جديدة

Basilika, Syrien, Basilika
الكنيسة الكبرى في الرصافة والتي تم ترميمها من قبل المركز الالماني للاثارصورة من: picture-alliance/dpa

في حوار تليفوني مع عالمة الآثار الألمانية دوروته زاك، المشرفة على عمليات التنقيب والترميم، أخبرتنا أن المركز قد بدأ منذ نوفمبر 2005 عمليات حفائر جديدة في المنطقة المحيطة بالكنيسة والمسجد الكبير. إضافة إلى هذا فقد تم التركيز بشكل كبير على دراسة وتحليل سور المدينة من الناحية الأثرية، حيث تم الاستدلال من خلال شكل بناء السور على ترميمات أجريت في السور في عصر هشام بن عبد الملك، إضافة إلى ترميمات أخرى تعود إلى العصور الوسطي. وقالت زاك إن هذه الدراسات تساعد بشكل كبير على معرفة شكل المنطقة وتطورها عمرانيا في العصور المختلفة. في الوقت ذاته يحاول المركز فتح مزارات جديدة في المنطقة للزيارة بعد عمل مجموعة من كتيبات تبين للقارئ والزائر طبيعة وشكل المنطقة في العصر المسيحي والإسلامي.

المركز الألماني للآثار يحرص بشكل واضح على إكساب فريق العمل المهارات اللازمة لخروج المشروع بالشكل المطلوب، الأمر الذي يستوجب عمل دورات تدريبية لجميع العاملين وبخاصة للعمال العاديين. لذلك فإن عمليات التنقيب التي أشرفت عليها العالمة زاك في سنين سابقة والتي تركزت عند مسجد هشام بن عبد الملك، تم الاستعانة بالكثير من العمال البسطاء والذين يسكنون في المنطقة.

ختاما تؤتكد العالمة زاك على أن مجريات العمل لم تتأثر على الإطلاق بالأحداث السياسية في المنطقة، فالعمل الأثري يتم بشكل عادي وبدون أي تغيير، وأعربت عن أملها في ألا تتغير طبيعة الأمور حتى تتمكن البعثة من مواصلة عملها في المنطقة.