1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

البابا بندكتس السادس عشر: "على الجميع تعبئة القوى من أجل السلام " (2)

دويتشه فيله١٤ أغسطس ٢٠٠٦

في أول مقابلة صحافية خص بها البابا بندكتس السادس عشر دويتشه فيله اضافة الى أربع قنوات تلفزيونية أخرى شدد الحبر الأعظم على أهمية الإيمان في عصر العولمة ودعا إلى العمل على إحلال السلام في الشرق الاوسط.

https://p.dw.com/p/8wYw
صورة من: picture-alliance/ dpa

أيها الأب الأقدس، يرتبط سؤالي بمعنى ما بسؤال الأب فون غيمينغين. ينتظر المؤمنون في العالم كله من الكنيسة الكاثوليكية أجوبة على المعضلات الشاملة الملحة شأن الإيدز وكثافة السكان. لماذا تصر الكنيسة الكاثوليكية على الناحية الأدبية بدل الإصرار على محاولات إيجاد حلول عملية لهذه المشاكل الرئيسية بالنسبة للبشرية وعلى سبيل المثال في القارة الأفريقية؟

البابا بندكتس السادس عشر: هذه هي المشكلة: نصر حقا على الناحية الأدبية؟ أقول ـ اقتناعا مني بضرورة الحوار مع الأساقفة الأفارقة ـ إن المسالة الأساسية، إذا ما شئنا تحقيق خطوات إلى الأمام في هذا المجال، اسمها التربية والتهيئة. فالتقدم قد يكون تقدما حقيقيا إذا كان في خدمة الكائن البشري وإذا نما الكائن البشري ذاته، ولا أعني نمو معرفته التقنية فقط إنما أيضا قدراته الأدبية. أعتقد أن المشكلة الحقيقية للوضع التاريخي الراهن هي الخلل بين النمو السريع لمعرفتنا التقنية ونمو قدراتنا الأدبية التي لم تنمو بشكل متكافىء. ولهذا فإن تهيئة الشخص البشري هي الوصفة الحقيقية والمدخل الرئيسي وبالتالي فهي دربنا. ولهذه التهيئة بُعدان. بالطبع علينا قبل كل شيء اكتساب المعرفة والقدرات والتكنولوجيا كما يقال اليوم. وفي هذا الاتجاه قدَّمت الكثير أوروبا، وفي العقود الأخيرة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا أمر بالغ الأهمية. ولكن إذا انتشرت التكنولوجيا فقط وإذا تعلم البشر فقط كيفية تصنيع الآلات واستخدامها وكيفية استخدام وسائل منع الحمل فلا عجب أن نجد أنفسنا في نهاية المطاف أمام الحروب والأوبئة شأن الإيدز. نحن نحتاج إلى بُعدين: لا بد في الآن معا من تهيئة القلوب ـ إذا سُمح لي بالتعبير بهذه الطريقة ـ بشكل يكون فيه للشخص البشري أهداف فيتعلم كيف يستخدم التقنية بطريقة سليمة. وهذا ما نسعى إلى القيام به. في أفريقيا كلها وفي بلدان آسيوية أخرى لدينا شبكة كبيرة من المدارس، من مختلف المستويات، حيث بالإمكان التعلم واكتساب معرفة حقيقية وقدرات مهنية وبالتالي البلوغ إلى الاكتفاء الذاتي والحرية. في هذه المدارس نسعى إلى تهيئة أشخاص بشر وليس فقط تلقينهم التكنولوجيا، أشخاص يريدون أن يتصالحوا في ما بينهم يعرفون أنه علينا أن نبني ولا أن ندمر، أشخاص تكون لهم أهداف ضرورية للعيش. إن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في بقاع مختلفة في أفريقيا مثالية. وشكَّل الأساقفة، مع المسلمين، لجانا مشتركة بهدف إحلال السلام في حالات النزاع. إلى جانب هذه الشبكة من المدارس والتهيئة البشرية هناك شبكة من المستشفيات ومراكز الإعانة تصل بشكل متفرع إلى القرى النائية. وفي أماكن أخرى كثيرة، وبعد الدمار الذي خلفته الحروب، فإن الكنيسة هي القوة الوحيدة التي بقيت متماسكة. وهذا هو واقع حقيقي! وحيث يعالج المصابون بداء الإيدز توفر الكنيسة التربية التي تساعد على إقامة علاقات متزنة مع الآخرين. لذا أعتقد أنه لا بد من تصحيح الصورة التي تدعي أننا نزرع حولنا رفضا وحسب. في أفريقيا نعمل كثيرا حيث تندمج أبعاد التهيئة ما يساعد على تخطي العنف والأوبئة أيضا بما فيها المالاريا والسل.

أيها الأب الأقدس، المسيحية منتشرة في مختلف أرجاء العالم انطلاقا من أوروبا. يعتقد كثيرون أن مستقبل الكنيسة يوجد في القارات الأخرى. أهل هذا صحيح؟ أو بكلمات أخرى، ما هو مستقبل المسيحية في أوروبا حيث يبدو أنها آخذة بالتحول إلى مسألة خاصة وانحصرت بأقلية؟

البابا بندكتس السادس عشر: بداية أريد أن أقول إن المسيحية نشأت في الشرق حيث نمت لفترة طويلة لتنتشر في آسيا أكثر مما نفكر به نحن اليوم بعد التبدلات التي أدخلها الإسلام. ولهذا السبب بالذات انتقل محورها بشكل ملموس إلى الغرب وأوروبا؛ ونحن فخورون من كون أوروبا نمَّت المسيحية في ما بعد في أبعادها الفكرية والثقافية. ولكن من الضرورة بمكان التذكير بمسيحيي الشرق، وهم أقلية هامة نظرا إلى الظروف التي يتواجدون فيها، لأن هناك خطر أن يهاجروا. وهنا أيضا خطر أن تبقى هذه الأماكن حيث توجد أصول المسيحية بدون مسيحيين وبالتالي علينا أن نساعدهم على البقاء. نأتي الآن إلى سؤالك. لقد أصبحت أوروبا بالطبع مركز المسيحية وحركتها الإرسالية. واليوم تنخرط القارات والثقافات الأخرى بنفس المعيار في معزوفة تاريخ العالم. ما ينمي أصوات الكنيسة وهذا أمر حسن. ومن المفيد أن يعبِّر كل طرف عن هويته: أفريقيا، آسيا وأمريكا وبشكل خاص أمريكا اللاتينية. والكل طبعا وصلتهم ليس فقط المسيحية إنما أيضا رسالة هذا العالم التي تحمل إلى القارات الأخرى ما اختبرناه بأنفسنا. يقول أساقفة العالم كله: لا زلنا بحاجة إلى أوروبا حتى ولو كانت أوروبا جزءا فقط من شيء أكبر. نحمل كل المسؤولية المتأتية من خبراتنا، من علم اللاهوت الذي نما هنا، من خبرتنا الليتورجية، من تقاليدنا وكذلك أيضا من خبراتنا المسكونية. وكل هذا شديد الأهمية بالنسبة للقارات الأخرى. ولهذا علينا أن نتحاشى القول: نحن أقلية. علينا أن نحافظ على عددنا الصغير! ولكن علينا أيضا أن نبقي على حيويتنا حية ونفتح علاقات تبادل كي تقصدنا قوى جديدة. هناك اليوم كهنة هنود وأفارقة في أوروبا، وفي كندا أيضا، حيث يعمل كهنة أفارقة كثيرون. هناك عطاء وقبول بشكل متبادل. ولكن إذا تلقينا أكثر في المستقبل فعلينا أن نواصل العطاء بشجاعة وحيوية متنامية.

إنه موضوع تطرقنا إليه بمعنى ما. أيها الأب الأقدس، المجتمعات الحديثة لا تستوحي قراراتها الحاسمة بشأن السياسة والعلم من القيم المسيحية والكنيسة ـ ونعرف هذا من التحقيقات ـ إذ إن الكنيسة تُعتبر صوتا مؤنبا وبالأحرى كابحا. ألا ترون أن على الكنيسة الخروج من هذا الموقف الدفاعي واعتماد تصرف أكثر إيجابية بشأن بناء المستقبل؟

البابا بندكتس السادس عشر: أقول إنه علينا أن نؤكد على الإيجابيات التي نريدها. وعلينا أن نفعل هذا في حوار الثقافات والديانات لأن القارة الأفريقية، كما قلت سابقا، والروح الأفريقي والروح الآسيوي يعاني من برودة عقلانيتنا. من الأهمية بمكان أن يدركوا أن لدينا أيضا أشياء أخرى. ومن الأهمية المتبادلة أيضا أن يدرك عالمنا المعلمن أن الإيمان المسيحي ليس مانعا إنما جسر للحوار مع العوالم الأخرى. وليس من العدل التفكير بأن الثقافة العقلانية البحتة، بفضل طابعها المتسامح، لها تقارب أسهل من الديانات الأخرى إذ ينقصها في جزء كبير منها "العنصر الديني" وبالتالي نقطة الالتقاء التي منها ونحوها يريد الآخرون إقامة علاقات. ولذا علينا لا بل بإمكاننا التأكيد، نظرا للترابط الثقافي الجديد الذي نعيشه، على أن العقلانية البحتة المنفصلة عن الله ليست كافية ولا بد من عقلانية أوسع تضع الله بتجانس مع العقل وتعي بأن الإيمان المسيحي الذي نما في أوروبا هو وسيلة أيضا لتوافق بين العقل والثقافة لدمجهما بشكل تفاعلي في رؤية موحَّدة وسهلة الإدراك. وبهذا المعنى أعتقد أن أمامنا مهمة كبيرة وهي التأكيد على أن هذه الكلمة، التي نملكها، ليست ـ إذا صح التعبير ـ من التاريخ الماضي إنما هي ضرورية اليوم بشكل خاص.

أيها الأب الأقدس، لنتكلم عن زياراتكم. أنتم في الفاتيكان، وربما البقاء بعيدا عن الناس ومنفصلا عن العالم قد يتطلب تضحية منكم، حتى في هذه الأجواء الجميلة في كاستل غندولفو. بعد فترة قليلة سيناهز عمركم الثمانين عاما، هل تفكرون، بمساعدة الله، بالقيام برحلات كثيرة؟ هل لديكم فكرة إلى أين؟ إلى الأرض المقدسة، البرازيل؟

البابا بندكتس السادس عشر: لست وحدي. طبعا هناك السور الذي يجعل الدخول صعبا، ولكن هناك "العائلة البابوية"، وكل يوم هناك زيارات، وبخاصة عندما أكون في روما. يأتي الأساقفة وأشخاص آخرون وهناك زيارات رسمية وأخرى لشخصيات تريد الكلام معي شخصيا وليس فقط في ما يتعلق بالمسائل السياسية. هناك لقاءات عديدة أشكر الله عليها. ومن الضرورة أن يكون مقر خليفة بطرس مكان التقاء، أليس من الصحيح هذا؟ منذ عهد البابا يوحنا الثالث والعشرين تغيرت الاتجاهات بمعنى أن الأحبار الأعظمين بدأوا بالقيام بزيارات. علي أن أقول إني لست قويا كي أضع في الأجندة رحلات كثيرة، لكني أريد التوجه حيث هناك حاجة لتوجيه رسالة تتجاوب مع رغبة معينة، طبعا "بالجرعة" التي يُسمح لي بها. سيعقد السنة القادمة لقاء في البرازيل لمجلس أساقفة أمريكا اللاتينية، وأعتقد أن حضوري هناك يشكل خطوة هامة في إطار الأحداث التي تعيشها أمريكا اللاتينية بهدف تقوية الرجاء الحي في تلك المنطقة. بعدها أريد زيارة الأرض المقدسة، وآمل بأن أقوم بهذه الزيارة في فترة سلام، والباقي في أيدي العناية الإلهية.

أسمح لنفسي بالإصرار. النمساويون أيضا ينطقون بالألمانية وينتظرونكم في ماريازيل.

البابا بندكتس السادس عشر: أجل، لقد تم الاتفاق. لقد قطعت عهدا بشكل فيه القليل من الحذر. إنه مكان طالما أعجبني. نعم، سأعود إلى النمسا. طبعا لقد أصبح وعدا، وسوف أفي به.

سؤال: أواصل إصراري. أنا أرافقكم كل أربعاء لمناسبة المقابلة العامة التي يحضرها خمسون ألف شخص. إنها مناسبة متعبة للغاية. هل تقاومون العناء؟

البابا بندكتس السادس عشر: أجل، الرب القدير يعطيني القوة اللازمة. ولدى رؤية الترحيب الودي تتملكني الشجاعة.

أيها الأب الأقدس، قلتم منذ قليل إنكم قطعتم عهدا بشكل فيه القليل من الحذر. هذا يعني أنكم لا تتخلون عن عفويتكم على الرغم من ارتباطاتكم؟

البابا بندكتس السادس عشر: على كل حال، أحاول وحسب. فعلى الرغم من الأجندات والارتباطات المحددة أسعى للقيام بأمور شخصية.

* الترجمة كما وردت من دوائر الفاتيكان دون أي تغيير عليها.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد