1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

البابا بندكتس السادس عشر: "على الجميع تعبئة القوى من أجل السلام" (1)

دويتشه فيله١٤ أغسطس ٢٠٠٦

في أول مقابلة صحافية خص بها البابا بندكتس السادس عشر دويتشه فيله واربع قنوات تلفزيونية أخرى شدد الحبر الأعظم على أهمية الإيمان في عصر العولمة ودعا إلى العمل على إحلال السلام في الشرق الاوسط.

https://p.dw.com/p/8wYj
البابا: من يؤمن لن يكون وحيداصورة من: picture-alliance/ dpa

دويتشه فيله: أيها الأب الأقدس. ستزورون ألمانيا في شهر سبتمبر وتحديدا منطقة بافيرا. "البابا يحنّ لوطنه"، هذا ما قاله معاونو البابا خلال مرحلة التحضير للزيارة. ما هي المواضيع التي ستتطرقون إليها خلال الزيارة؟ وهل يدخل مفهوم "الوطن" في إطار القيم التي تريدون اقتراحها بشكل خاص؟

البابا بندكتس السادس عشر: بدون شك. الهدف من الزيارة هو رغبتي في رؤية تلك المناطق مرة أخرى والأشخاص الذين ترعرعت وسطهم والذين اهتموا بتهيئتي وتعليمي وأريد أن أشكرهم، وطبعا أريد توجيه رسالة تذهب أبعد من أرضي وفقا لخدمتي كخليفة بطرس. سأتطرق إلى المسائل التي استوحيتها من الاحتفالات الليتورجية. أما الموضوع الأساسي فهو أنه علينا أن نكتشف الله ولكن لا إلها أيا كان إنما الله الذي له وجه بشري لأننا عندما نرى يسوع المسيح إنما نرى الله. وانطلاقا من هذه النقطة علينا أن نجد الوسائل للالتقاء في العائلة وبين الأجيال ثم بين الثقافات والشعوب أيضا، والدروب لتحقيق المصالحة والتعايش السلمي في هذا العالم وتلك التي تقود نحو المستقبل. لم أختر بالتالي مواضيع خاصة لأن الليتورجية تقودني للتعبير عن رسالة الإيمان الأساسية والتي تندرج بالطبع في الأحداث الراهنة حيث نرغب قبل كل شيء في تحقيق التعاون بين الشعوب وسبل المصالحة والسلام.

بصفتكم حبرا أعظم فأنتم مسئولون عن الكنيسة في العالم كله. وطبعا فإن زيارتكم تستقطب الاهتمام نحو وضع الكاثوليك في ألمانيا. يتفق المراقبون على أن الأجواء حسنة وذلك أيضا بفضل انتخابكم. مع ذلك تبقى المشاكل القديمة. فعلى سبيل المثال: ينخفض عدد الذين يؤدون واجباتهم الدينية وعدد العمادات ولا سيما نقص التأثير على الحياة الاجتماعية. كيف ترون الوضع الراهن للكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا؟

البابا بندكتس السادس عشر: أقول قبل كل شيء إن ألمانيا هي للغرب، ولو بلون خاص بها، وفي العالم الغربي اليوم نشهد موجة مأسوية من الإشراقية الجديدة والعلمنة بغض النظر عن التسمية. أن يؤمن المرء اليوم أضحى أمرا أكثر صعوبة لأن العالم الذي نتواجد فيه مصنوع من قبلنا حيث الله، إذا صح التعبير، لا يظهر بشكل مباشر. لم نعد نشرب اليوم من الينبوع بل من الوعاء الذي يُقدَم لنا مليئا. لقد صنع البشر بأنفسهم العالم وأضحى من الصعب أن يجد الإنسان الله وراء هذا العالم. وليس هذا الأمر خاصا بألمانيا لكنه يحصل في العالم كله وبخاصة في الغرب. ومن جهة أخرى فإن الغرب يتأثر اليوم وبقوة بثقافات أخرى، حيث العامل الديني الأصيل أكثر قوة، وهي ثقافات تنظر بهلع إلى البرودة تجاه الله في الغرب. إن حضور المقدس في الثقافات الأخرى، ولو ظهر بطرق مختلفة، يمس من جديد العالم الغربي، لا بل يمسنا، نحن المتواجدين في ملتقى ثقافات كثيرة. مع ذلك، تنطلق من عمق الإنسان في الغرب وفي ألمانيا أيضا الحاجة إلى شيء "أعظم وأكبر". نرى في الشبيبة رغبة في البحث عن "الأكثر"، نرى أن ظاهرة الدين ـ كما يقال ـ تعود من جديد بطريقة أو بأخرى حتى ولو تعلق الأمر بمحاولة بحث غالبا ما تكون غير محددة. مع ذلك فإن الكنيسة حاضرة من جديد لتقدم الإيمان كجواب. أعتقد أن هذه الزيارة، شأن الزيارة إلى كولونيا، ستكون سانحة كي يعي الجميع أن الإيمان أمر جميل وأن فرح جماعة كبيرة يحتوي على قوة تخفي وراءها شيئا هاما وبالتالي هناك، إلى جانب حركات البحث الجديدة، منافذ جديدة على الإيمان تقودنا الواحد نحو الآخر وهي إيجابية بالنسبة للمجتمع.

أيها الأب الأقدس. لسنة خلت كنتم في كولونيا مع الشبيبة. وأعتقد أنكم اختبرتم كون الشبيبة جاهزة للقبول مثلما حصل معكم إذ رحبت الشبيبة بكم بكل سرور. هل تحملون معكم، في هذه الزيارة المقبلة، رسالة خاصة إلى الشبيبة؟

البابا بندكتس السادس عشر: أقول قبل كل شيء إني سعيد لغاية بوجود شبان وشابات راغبين في البقاء معا في الإيمان ويريدون أن يقوموا بعمل جيد. استعداد الشبيبة لفعل الخير قوي جدا. يكفي التفكير بمختلف أشكال التطوع. إن الالتزام في الخطوط الأولى من أجل الإسهام في التجاوب مع احتياجات العالم أمر عظيم. وبالتالي فإن الحافز الأول قد يكون التشجيع على القيام بهذا العمل: سيروا إلى الأمام! ابحثوا عن فرص عمل الخير! العالم بحاجة إلى هذه الإرادة. إنه بحاجة إلى هذا الالتزام! ثم هناك كلمة أخرى: شجاعة القرارات النهائية! تملك الشبيبة سخاء كبيرا ولكن، وأمام المجازفة بالالتزام مدى الحياة، أكان في الزواج أم في الكهنوت، يشعر المرء بالخوف. العالم يتحرك بشكل مأسوي: بإمكاني الآن أن أدير حياتي على الرغم من الأحداث المستقبلية غير المحسوبة. وبقرار نهائي لا أقيد حريتي ولا أحرم نفسي من حرية التحرك؟ إيقاظ الشجاعة بالجرأة على اتخاذ قرارات نهائية هي، في الواقع، الوحيدة التي تسمح بالنمو وبالسير إلى الأمام وبلوغ شيء عظيم في الحياة، ولا تدمر الحرية لا بل تعطيها الاتجاه الصحيح. المجازفة بهذا، بهذه القفزة ـ إنْ صح التعبير ـ في نهاية المطاف وبالتالي قبول الحياة بشكل كامل، هذا ما يسعدني أن أنقله.

أيها الأب الأقدس، سؤال عن وضع السياسة الخارجية. في الأسابيع القليلة الأخيرة تقلص الأمل بإحلال السلام في الشرق الأوسط. ما هي برأيكم الإمكانات المطروحة أمام الكرسي الرسولي نظرا إلى الوضع الراهن؟ ما التأثير الإيجابي الذي بإمكانكم ممارسته على الوضع والتطورات في الشرق الأوسط؟

البابا بندكتس السادس عشر: بالطبع ليس لدينا أي إمكانية سياسية، ونحن لا نريد أي سلطة سياسية إنما نريد أن نتوجه إلى المسيحيين وإلى جميع الذين يشعرون، بطريقة أو بأخرى، بأنهم يقاسمون كلمة الكرسي الرسولي كي تجند جميع القوى التي تقر بأن الحرب هي الحل الأسوأ للجميع، لأنها لا تحمل خيرا لأحد، وحتى للمنتصرين. نحن نعرف هذا الأمر خير معرفة في أوروبا من جراء الحربين العالميتين. إن ما يحتاج إليه الجميع هو السلام. وهناك جماعة مسيحية قوية في لبنان، وهناك مسيحيون بين العرب، وهناك مسيحيون في إسرائيل، فليلتزم مسيحيو العالم كله من أجل هذه البلدان العزيزة على الجميع. نريد تعبئة هذه القوى: وعلى السياسيين أن يجدوا السبل كي يحصل هذا في أقرب وقت ممكن وبخاصة بشكل دائم.

أيها الأب الأقدس. بصفتكم أسقف روما وخليفة بطرس. كيف تظهر خدمة بطرس بشكل ملائم في عالم اليوم؟ وكيف ترون علاقة التوتر والتوازن بين أولوية البابا من جهة والشركة بين الأساقفة من جهة أخرى؟

البابا بندكتس السادس عشر: بالطبع هناك علاقة توتر وتوازن، وأقول إنه يجب أن تكون مثل هذه العلاقة. على التعددية والوحدة أن تجدا من جديد علاقتهما المتبادلة. وعلى هذه العلاقة أن تندرج بطريقة جديدة في تبدل الأوضاع في العالم. لدينا اليوم تعددية الثقافات، حيث أوروبا لم تعد الطرف الوحيد الحاسم، فيما الجماعات المسيحية في مختلف القارات بدأت باستعادة ثقلها ولونها. علينا أن نتعلم من جديد هذا الانصهار بين مختلف العناصر. ولهذا بالذات لجأنا إلى وسائل عديدة: شأن ما يسمى "بزيارات الأساقفة التقليدية للأعتاب الرسولية"، وهي وسيلة كانت قائمة دائما، ولقد ازدادت اليوم بهدف التحاور مع مختلف محافل الكرسي الرسولي ومعي أيضا. إني أتكلم شخصيا مع كل أسقف. تكلمت مع جميع أساقفة أفريقيا تقريبا ومع كثيرين في آسيا. والآن سيأتي دور أساقفة أوروبا الوسطى، ألمانيا، سويسرا، وفي هذه اللقاءات حيث المركز والخارج يلتقيان معا في تبادل صادق، تنمو العلاقة المتبادلة السليمة في هذا التوتر المتوازن. لدينا وسائل أخرى أيضا شأن السينودس والكونسيستوار، الذي سأعقده بشكل انتظامي لمناقشة، حتى بدون جدول أعمال ضخم، المشاكل الراهنة وإيجاد الحلول. نعلم جيدا من جهة أولى أن البابا ليس ملكا مطلقا ولكن عليه ـ إنْ صح التعبير ـ أن يشخِّص الشمولية عبر الإنصات إلى المسيح. هناك وعي بضرورة وجود محفل موحِّد يضمن أيضا استقلال القوى السياسية، وشعور مسيحي لا يفرط في البحث عن هويته داخل المشاعر القومية. هناك حاجة إلى هذا الوعي أي وجود محفل أعلى وأوسع يولِّد الوحدة في الاندماج الديناميكي للكل، ومن جهة أخرى، يقبل وينمي التعددية. وإن هذا الوعي قوي جدا. لهذا أعتقد أن هناك تلاحما حميما مع الخدمة البطرسية التي تعبر عن ذاتها عبر الإرادة في إنماء هذا الوعي أكثر فأكثر بشكل يتجاوب فيه مع مشيئة الرب وحاجات الأزمنة.

ألمانيا كأرض الإصلاح ميزتها بشكل خاص العلاقات بين مختلف الطوائف. العلاقات المسكونية واقع حساس يلقى دائما صعابا جديدة. ما هي الاحتمالات بتحسين العلاقة مع الكنيسة الإنجيلية، أو بالأحرى ما هي الصعاب التي ترونها على هذا الطريق؟

البابا بندكتس السادس عشر: من الأهمية بمكان أولا القول إن الكنيسة الإنجيلية تتميز باختلاف كبير. في ألمانيا لدينا ثلاث جماعات رئيسية: اللوثيران، الكنائس المصلَحة، اتحاد البروسيان. وهناك اليوم كنائس أخرى حرة، وفي داخل الكنائس التقليدية هناك حركات مثل "الكنيسة المعترَفَة" الخ... . إنها مجموعة متعددة الأصوات علينا أن نتحاور معها بحثا عن الوحدة مع احترام تعددية الأصوات وأن نتعاون معها. أعتقد أن الأمر المهم في مجتمعنا اليوم أن يهتم الجميع بتحديد الاتجاهات الخلقية الرئيسية وترجمتها عمليا وبالتالي ضمان التركيبة الخلقية للمجتمع والتي بدونها لا يمكنه أن يحقق الأهداف السياسية وهي العدالة للجميع والتعايش الحقيقي والسلام. وأعتقد أيضا أنه تم تحقيق الكثير في هذا الاتجاه إذ نتفق معا على الأساس المسيحي المشترك حيال التحديات الأدبية الكبرى. وبالطبع لا بد من الشهادة لله في عالم، يجد صعابا في التقرب من الله، كما قلنا سابقا، وفي رؤية الله في صورة يسوع المسيح البشرية، وفي تمكين البشر من دخول تلك الينابيع التي بدونها تفقد الأخلاقية مرجعيتها لتصبح عقيمة، وكذلك أيضا منحهم الفرح لأننا لسنا منعزلين في هذا العالم. بهذه الطريقة فقط يولد الفرح أمام عظمة الإنسان الذي ليس وليدا غير ناجح للتطور إنما صورة لله. علينا أن نسير على هذين الصعيدين ـ إنْ صح التعبير ـ أي المراجع الخلقية الكبرى ومن ثم، وانطلاقا من الداخل باتجاه هذه المراجع، حضور الله، إله ملموس. وإذا ما فعلنا هذا، ولا سيما إذا حاولنا في تجمعاتنا البشرية تحاشي عيش الإيمان بشكل فردي إنما انطلاقا من أسسه الأصيلة، عندئذ ربما لن نصل قريبا إلى أشكال تعبير ظاهرية للوحدة، ولكننا سننضج نحو وحدة باطنية قد تقود بنا يوما ما، وإن شاء الله، نحو أشكال وحدة ظاهرية.

موضوع العائلة. لشهر خلا تقريبا كنتم، يا صاحب القداسة، في فالنسيا لمناسبة اللقاء العالمي للعائلات. من أنصت بانتباه ـ كما حاولنا أن نفعل هذا في إذاعة الفاتيكان ـ لاحظ أنكم لم تلفظوا أبدا كلمة "الزيجات بين المثليين"، لم تتحدثوا أبدا عن الإجهاض ولا عن وسائل منع الحمل. قال مراقبون يقظون: أمر هام! ما من شك أن نيتكم هي إعلان الإيمان ولا التنقل في بلدان العالم "كرسول الأخلاقية". ما هو تعليقكم؟

بالطبع نعم. لا بد من القول أولا إنه كان لدي عشرون دقيقة للكلام مرتين. ومن لديه مثل هذا الوقت القليل لا يمكنه أن ينهي حديثه بالقول لا. علينا أولا أن نعرف ماذا نريد. أليس هذا صحيحا؟ المسيحية والكثلكة ليست مجموعة من المحرمات إنما خيار إيجابي. ومن الأهمية بمكان إعادة النظر فيها من جديد لأن هذا الإدراك اختفى اليوم تقريبا. سمعنا الكثير عن أشياء غير مسموح بها يجب قولها الآن: لدينا فكرة إيجابية نطرحها، أن الرجل والمرأة صُنعا الواحد من أجل الآخر، وأن سلم الترتيب ـ إن صح التعبير ـ: الجنس والحب، إنما يشير إلى أبعاد الحب، وعلى هذا الطريق ينمو أولا الزواج كلقاء بين الرجل والمرأة ويكون مليئا بالسعادة والبركة، ثم العائلة التي تضمن التواصل بين الأجيال وحيث تتصالح الأجيال في ما بينها وحيث بإمكان الثقافات أن تلتقي فيها. من الأهمية بمكان إذا أن نسطر ما نريد. ثم بإمكاننا بعدها أن نرى لماذا لا نريد شيئا ما. لا بد من الرؤية أولا ثم التأمل في كون الرجل والمرأة صُنعا الواحد من أجل الآخر كي تستمر البشرية في البقاء ليس ابتكارا كاثوليكيا: جميع الثقافات تدرك هذا الأمر. في ما يتعلق بالإجهاض فهو لا يدخل في الوصية السادسة إنما في الخامسة:"لا تقتل!". وهذا أمر بديهي يحملنا على التأكيد دائما على أن الكائن البشري يولد من أحشاء الأم ويبقى كائنا بشريا حتى لحظة وفاته. لا بد من احترام الإنسان دائما كإنسان. ويتضح هذا الأمر إذا أشرنا أولا إلى الناحية الإيجابية.

* الترجمة كما وردت من دوائر الفاتيكان دون أي تغيير عليها.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد