في يوم تنحي مبارك ـ جامعات مصر تعلن العصيان المدني
١٠ فبراير ٢٠١٢كريم خزام، طالب بالجامعة الألمانية بالقاهرة، مثله مثل كثيرين من الشباب، استيقظ صباح يوم الأربعاء الأول من شهر فبراير ليرتدي ثوبه الأحمر ويذهب في رحلة لم يعلم أنه لن يستخدم فيها تذكرة العودة. كان في طريقه إلى بورسعيد، المدينة "الباسلة" كما يحب أهلها أن يسموها، فقط ليشجع فريقه النادي الأهلي في مباراته أمام فريق المدينة. لكن هذه المباراة شهدت إحدى أكبر "المجازر" في تاريخ كرة القدم. فمع صافرة النهاية اندفعت حشود كبيرة من مدرجات جماهير النادي المصري البورسعيدي، تجاه لاعبي وجماهير النادي الأهلي بغرض الفتك بهم. ورغم أن القدر كان رحيماً باللاعبين إلا أن هذا الهجوم البربري، و الذي صحبه ارتخاء يراه البعض تواطؤاً من الأمن، أسال دماء خزام وعشرات من زملائه.
هذا اليوم وإن كان ظاهرياً يعكس شكلاً فظاً من أشكال التعصب الكروي، إلا أن معظم شباب الثورة يرون فيه بعداً سياسيا أكثر منه رياضياً. إذ يرى البعض فيه "خطة من المجلس العسكري لتوجيه صفعة قوية لشباب ألتراس النادي الأهلي". فهؤلاء الشباب في صدام دائم مع الشرطة والمجلس من خلال المظاهرات والمشاحنات. في حين يرى آخرون أنه مجرد تقاعس من المجلس عن أداء واجبه في الحفاظ على أرواح المصريين.
"أحداث بورسعيد القشة التي قصمت ظهر البعير"
وقد كانت تلك الحادثة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لشباب مصر بعد أن فاض بهم الكيل من الانفلات الأمني والمواجهات مع أصحاب البدل الرسمية. و جاء الرد على تلك الأحداث من اتحاد طلاب مصر، الذي أصدر بياناً بدأ بعبارة "نفد صبرنا". و جاء في نص البيان أنه بصفته ممثلاً شرعياً لأكثر من ثلاث ونصف مليون طالب جامعي، يعلن تحميله المسؤلية للمجلس العسكري عن غياب الأمن بداية من تكرار عمليات الخطف وحتي أحداث بورسعيد الأخيرة. وطالب الاتحاد بالتسليم الفوري للسلطة لجهة مدنية منتخبة قبل أن يختم بيانه بكلمات الهتاف الشهير "يسقط يسقط حكم العسكر". وسرعان ما احتدت اللهجة في بيانات أخرى صدرت عن اتحادات طلبة الجامعات الـ 30 مطالبة بالعصيان المدني.
"سنذهب إلى الجامعة يوم السبت ولن نحضر المحاضرات". هذا ما قاله مصطفى عبد اللطيف، الطالب بالسنة النهائية بكلية الهندسة بجامعة عين شمس وأحد الداعين للعصيان المدني. وأضاف عبد اللطيف في حوار مع دي دبليو عربية قائلا: "ممكن أن يقول لي أحدهم أننا بهذه الطريقة نخرب البلد وجوابي سيكون: هي أصلاً خربانة".
عبد اللطيف دائم المشاركة في مسيرات طلاب جامعته التي انطلقت أكثر من مرة نحو وزارة الدفاع. تلك المسيرات لم تسفر في حينها عن شيء لكنه عبر عن أمله بأن يأتي هذا التصعيد بفائدة قائلاً: "لا أظن أن المجلس سيترك السلطة لكنها خطوة تقربنا من الهدف وممكن بسببها يقدموا بعض التنازلات".
توحدت تلك الجامعات على الدعوة ولكن مظاهرها قد تختلف من جامعة إلى أخرى. فبينما سيكتفي طلبة بعض الجامعات بعدم الحضور نهائياً إلى الحرم الجامعي أو الحضور وعدم دخول المحاضرات، قررت أخريات أساليب مختلفة كارتداء جميع الطلاب اللون الأسود أو إقامة دروس توعية بفائدة الإضراب.
الجامعات الحكومية أكثر مشاركة
ويوضح يحيى سليمان، الطالب كلية الهندسة بجامعة السادس من أكتوبر الخاصة أن "ذلك يعتمد على طبيعة الكلية أو الجامعة. الجامعات الخاصة عامة لا تضم الكثير من الناشطين بعكس الجامعات الحكومية التي فيها مساحة حرية".
ويرى سليمان أن الجامعات الخاصة لا تستطيع أن تساهم بنفس الفاعلية في العمل السياسي مثل نظيراتها الحكومية حيث أنها تفتقر إلى "البيئة الصالحة التي قد تتقبل هذه الآراء" على حد تعبيره. و أضاف سليمان أن "اتحاد الطلبة داخل الكلية لا يستطيع أن يجبر مجلس الكلية على أن ينكس العلم أو يوقف الدراسة لأيام كما حصل في كلية هندسة جامعة القاهرة".
ولن يقتصر العصيان المدني على الطلبة فحسب، بل أعلن بعض أعضاء هيئات تدريس الجامعات المشاركة تضامناً مع طلابهم في خطوة تعيد بعض الثقة المفقودة بين الطلبة والأساتذة بعد أشهر من تظاهرات الطلاب ضد أساتذتهم. "الإدارة طبعا تريد أن نحضر لكن أنا بلغت وكيل الكلية بأني لن أحضر هذا وسيتحدد موقفي من الأيام المقبلة بناء على سير الأحداث"، هذا ما كشفه عبد الرحمن مجدي، عضو هيئة التدريس بجامعة الأهرام الكندية لدي دبليو عربية. وأضاف قائلا: "قراري بالإضراب يوم 11 لا رجعة فيه".
أما مجدي، الذي أصيب في أعقاب ثورة يناير، فيرى حتمية هذه الخطوة مشدداً على ضرورة المشاركة بكثافة والصبر تجاه الضغوط التي قد تمارس عليهم من قبل السلطات حتى يحقق العصيان أهدافه. ويضيف مجدي في حديث مع دي دبليو عربية قائلا: "إن تلك الخطوة قد تكون الأخيرة في سلم النضال السلمي"بعد ذلك لن يبقى إلا النزاع المسلح، لكن لا يوجد بالتأكيد أي مصري تهمه مصلحة الوطن يريد الانزلاق إليه".
أحمد حمدي
مراجعة: أحمد حسو