"إخوان مصر في ورطة..والعسكري منقسم على نفسه"
٧ فبراير ٢٠١٢دويتشه فيله: قبل أيام قليلة قُتل أكثر من 70 شخصا في مباراة لكرة القدم، شهدتها مدينة بورسعيد، مما نتج عنه اندلاع احتجاجات دامية. سيد الجوهري أنت كنت حاضرا في قلب الحدث في ميدان التحرير. كيف عايشت تلك الاحتجاجات؟
كريم الجوهري: شاهدت شبابا غاضبا وخاصة من مشجعي كرة القدم، حيث تجمعوا حول وزارة الداخلية. وشاهدت الكثير من الجرحى على الأرض، وسيارات إسعاف تأتي وتذهب. وقد وصل عدد الجرحى إلى 1500 جريح. وفي السويس والقاهرة وصل عدد القتلى إلى ستة: خمسة متظاهرين وشرطي، حيث تم دهسهم بسيارة شرطة. الملفت للنظر هي الكيفية التي يتنظم بها الناس، إذ أن كل واحد عنده قناع واقي في البيت، والكل يعرف كيف يجب أن يتصرف في هذه الظروف. عشرات الآلاف كانوا في ميدان التحرير وفي الشوارع المحاذية له، رغم ذلك كانت الجماهير الغفيرة تترك ممرا مفتوحا لسيارات الإسعاف. لقد صارت هناك حالة يمكن أن نطلق عليها "روتين الاحتجاج".
في خضم هذه الأحداث، هل يمكننا الحديث عن ربيع عربي ثان؟
الناس في ميدان التحرير يتمنون حدوث ذلك، لأنهم يرون أن ثورتهم لم تكتمل بعد، فالمجلس العسكري أخذ مكان حسني مبارك وحافظ على نظامه بعد الثورة الأولى. نحن الآن نرى ثورة ثانية ليس ضد ديكتاتور وإنما ضد المؤسسة العسكرية، التي ارتبطت بالسياسة منذ حوالي 60 سنة. الناس يعرفون أنه بلا ضغط لن يحصل شيئ وأن الأمر متوقف عليهم، وإلا فلن يتغير شيئ في المنطقة.
برأيك إلى أين تتجه الاحتجاجات الحالية؟ وهل تختلف عن تلك التي شدتها مصر قبل أشهر؟
يبدو أن الشرطة صارت أكثر عنفاً من شتاء السنة الماضية، وروحها المعنوية متدنية. ويتجدد من جانب المتظاهرين النقاش والسؤال كيف ينبغي أن تستمر الأمور؟ في الجانب الخلفي لميدان التحرير هناك نقاش حول الاستراتيجية التي ينبغي اتباعها، كما يتم طرح السؤال عن حق الضحايا الذين سقطوا في هذه الأحداث. البعض الآخر يحاول أن يكبح جماح الشباب المتحمس، ويعتقد أن الأوضاع ينبغي أن تستقر أمنيا، حتى تستقر سياسيا.
الواقع يقول إن المجلس العسكري مازال في الحكم، لكن ومنذ أسبوعين هناك برلمان منتخب في السلطة. أين يتموضع الاخوان المسلمون الآن؟
الاخوان المسلمين هم أكبر قوة برلمانية لكنهم بين أمرين أحلاهما مر: فمن جهة يريدون الحفاظ على علاقة جيدة بالمجلس العسكري، ومن جهة أخرى يواجهون ضغط الشارع: قواعدهم تطالبهم بالتدخل. إنهم في ورطة حقيقية. على الاخوان المسلمين أن يقرروا إما ان يظلوا مع المجلس العسكري في مركب واحد، وإما أن يتبعوا رأي الشارع ويجبروا المجلس العسكري على الانسحاب. تجدر الإشارة إلى أن السيناريو الجزائري حاضر في أذهان اخوان مصر، حيث إنه في سنة 1992 انتصر اسلاميو الجزائر في الانتخابات البرلمانية، لكن الجيش انتزع منهم هذا الفوز بعد انقلاب عسكري. يبدو من خلال الأيام السابقة وكأن الأمر سيتجه إلى المواجهة بين المجلس العسكري والاخوان المسلمين.
وكيف سيتصرف المجلس العسكري ازاء ذلك؟
هذا سؤال تصعب الإجابة عليه. النقطة الأساسية هي مدى تماسك المجلس العسكري. يبلغ إلى علمنا باستمرار أنه في داخل المؤسسة العسكرية نفسها مشادات، لأن البعض يرى أن الاستراتيجية المقررة لم يتم تطبيقها بشكل كامل، ولأن من ناحية أخرى لايريد البعض أن ينسحب من الساحة السياسية. لكن هذا موقف خال من الشفافية، ويصعب الحكم عليه من الخارج.
هل يمكن أن نتوقع تدهورا أكثر في الحالة الأمنية في مصر؟
الأمر سيكون سيئا إذا ما اتسعت دائرة الفوضى. احتمال وجود فوضى منظمة وارد: الأمر لا يتعلق فقط بالأحداث الدامية التي شهدتها بورسعيد بعد مباراة كرة القدم، وإنما الأمر متعلق أيضا بحالات سطو على بنوك مالية، كما أن معدل الجريمة يرتفع بشكل سريع. أمام وزارة الداخلية يفقد الشباب حياتهم أو على الأقل يفقدون بصرهم، لأنه يتم ضرب الجموع بالرصاص. الوضع الأمني يمكن أن يتطور إلى الأسواء.
وماهو السيناريو البديل؟
سيكون من الأفضل أن يسلم المجلس العسكري السلطة إلى سلطة مدنية، مثلا يمكن أن تكون هذه السلطة ممثلة في السلطة التنفيدية والتي يمثلها رئيس البرلمان، والذي يمكن أن يدعو لانتخابات رئاسية.
قبل أيام وبالتزامن مع أحداث مصر الأخيرة اشتدت حدة المواجهات في سوريا. فهل هناك رابط بين الحدثين؟
ما حدث في سوريا له ارتباط مباشر بما يحصل في مصر. وقد لاحظت كذلك أن المتظاهرين انطلقوا من جانب وزارة الداخلية واتجهوا إلى السفارة السورية في القاهرة. كما أن الثوار السوريين نصبوا خيمة في ميدان التحرير، بالقرب من جامعة الدول العربية. مصر هي نموذج، سواء إن اعتبرنها نموذجا جيدا أو سيئا، لكنه نموذج صالح لباقي الدول العربية بما فيها سوريا.
حاورته: يوهانا شميلر
ترجمة: ريم نجمي
مراجعة: عبده جميل المخلافي
الصحفي كريم الجوهري يدير المكتب الإقليمي لقناة التلفزيون النمساوية ORF في القاهرة ويعمل إلى جانب ذلك لصالح 11 صحيفة ناطقة بالألمانية.