وزارة أمن الدولة الرهيبة تتحول إلى متحف
١٦ أكتوبر ٢٠١٤المتحف الذي يلقي الضوء على ما قامت به وزارة أمن الدولة من أعمال في عهد جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقا لا يشير فقط إلى المكان الذي تمت فيه إدارة مراقب الشعب وقمعه من طرف الوزير المختص بالإستخبارات إريش ميلكه، ولكن أيضا إلى نتائجها الفظيعة على مصير الملايين من الناس والتي أدت أيضا إلى قتل عدد من المواطنين.
وزاة قمعية تصبح متحفا
"تركت جميع الغرف على حالها، كما كانت أصلا"، كما يقول كارلو يوردان أحد المدافعين عن الحقوق المدنية في ألمانيا الديمقراطية سابقا، وهو يرافق مجموعة من الشباب المكسيكيين الذين يزورون مكتب الوزير السابق إيريش ميلكه. ولا يبدو أن الشباب متأثرون كثيرا مما يشاهدون، ففي واقع الأمر ليس هناك ما يثير للدهشة. فالغرف مجهزة بأثاث بسيط. ورغم ذلك، فإن هذه الغرف تعكس ما حدث في هذا المكان من خروقات ضد الإنسانية.
ورغم الخطط الكثيرة التي هدفت إلى تحويل مركز الاستخبارات الذي يطلق عليه "مدينة ميلكه المحظورة"، إلى سوق كبيرة أو إلى غير ذلك، فإن المتظاهرين الذين اقتحموا مقر الاستخبارات المركزي واحتلوه في مستهل عام 1990، رفضوا مثل تلك الخطط وطالبوا بتحويله إلى مكان تذكاري. وبذلك جاءت فكرة المتحف التي تذكر اليوم بأساليب أعمال القمع والمراقبة التي نهجتها "ألمانيا الديمقراطية" إلى حين انهيار نظامها.
المخابرات تشاهد وتسمع كل شيئ
كان كارلو يوردان أيضا من بين المشاركين في عملية اقتحام وزارة الاستخبارات آنذاك. وهو اليوم عضو في مجلس إدارة جمعية معاداة الستالينية، وهي الجمعية التي تدير المتحف. ويؤكد أنه لمن الأهمية بمكان القيام بنشر معلومات حول إيديولوجية دولة الرقابة. ويلاحظ قائلا: "وهل هناك من مكان غير هذا المكان يستطيع المرء فيه تطوير شعوره الخاص في هذا الشأن"؟
وتتوقف مجموعة الشباب المكسيكيين فجأة أمام صندوق زجاجي يُعرض فيه سلك. وقد يبدو أمرا غير مثير، إلا أنه رابط من نوع خاص، ففيه تم إخفاء جهاز تنصت صغير. "هذا دليل مخيف على أنه لم يستطع أحد في هذه الدولة أن يثق بالآخر"، كما يقول أحد الشباب المكسيكيين، فما هو معروض في هذا الجناح من المتحف يوضح أن جواسيس الاستخبارات أخفوا في مختلف الأماكن أجهزة تصوير وميكروفونات وحتى أسلحة في شنطات المواطنين وشققهم السكنية وغير ذلك.
دراسة التاريخ لم تنته بعد
ويضيف كارلو يوردان خلال زيارة غرفة أخرى مع الزائرين الأجانب أن الحزب الاشتراكي الألماني الموحد الحاكم في ألمانيا الديمقراطية كان يعلق أهمية كبيرة على تربية الشباب بمنظوره الإيديولوجي، مشيرا إلى أن المسؤولين في الدولة المنهارة حددوا في نهاية الأمر ما هو ممنوع وما مسموح به. وأضاف قائلا: "من ارتدى ملابس غربية ولم يقص شعره الطويل أواهتم بالموسيقى الغربية الحديثة أثار شبهات الاستخبارات". وهنا قال أحد الشباب المكسيكيين ملاحظا: "من المهم أن تكون هناك مثل هذه المتاحف". وأضاف: "ينبغي علينا أن نعالج أيضا أجهزة الاستخبارات القائمة اليوم بالتفصيل، كي لا يتكرر ذلك".
حتى يومنا هذا لازالت ألمانيا تهتم بالبحث في موضوع الدكتاتورية في ألمانيا الشرقية. وقد لعب مقر الاستخبارات المركزي السابق دورا هاما في ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن مفوضية الحكومة الألمانية لحفظ مستندات استخبارات ألمانيا الديمقراطية ودراستها تتخذ من مبنى الوزارة السابقة مقرا لها، إلى جانب المتحف الجديد. وهى أول جهة على الصعيد العالمي فتحت مستندات جهاز استخباراتي لأغراض قضائية وشخصية وعلمية وتاريخية. ويذكرأن المحفوظات في برلين وحدها تشمل مستندات مجموع طولها 50 كيلومترا.
ورغم الاكتئاب الذي لا زال يخيم على مباني وزارة أمن الدولة السابقة، فإن العمارة تشكل رمزا مهما بالنسبة للذين عانوا في السابق شخصيا من ويلات حكم الحزب الواحد الذي أطلق على نفسه اسم الحزب الاشتراكي الألماني الموحد. وهذا يتحول مكان تم استخدامه سابقا للقمع ليصبح الآن أحد الأماكن الرئيسية التي شهدتها فعاليات الثورة السلمية والتي أدت إلى إحداث تغير جذري.