1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

وجهة نظر: تراجع نفوذ الأنظمة الاستبدادية في أنحاء العالم

١١ سبتمبر ٢٠٢٢

قبل عقد من الزمان، كان نفوذ الصين وروسيا يتوسع وبدا أن الاستبداد ينتشر في جميع أنحاء العالم، لكن المحلل السياسي البلغاري إيفغيني داينوف* يرى أن العكس هو ما يحدث الآن، وأن نفوذ الأنظمة الاستبدادية يتضاءل حول العالم.

https://p.dw.com/p/4GR5m
لقاء بين الرئيسين الروسي والصيني
لقاء بين الرئيسين الروسي والصينيصورة من: Alexei Druzhinin/Russian Presidential Press and Information Office/TASS/dpa/picture alliance

 

توجد طرق عدة للنظر إلى العالم ما بين رؤية العالم وكأنه مجموعة من الأشياء المرتبطة ورؤية العالم وكأنه مجموعة من العمليات تتحرك معا على الدوام وهو ما تحدث عنه وليام شكسبير في مسرحيته يوليوس قيصر "المد والجزر في شؤون الرجال".

ففي عام 2016، ظهرت العديد من الأنظمة الشعبوية والاستبدادية في أوروبا. ففي تقلب كبير، صوتت المملكة المتحدة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي أو ما عُرف بـ "البريكست" فيما جرى انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.

وشرقا، عمد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إحكام قبضته على اقتصاد أوروبا والنخب بها فيما كان يمضي الزعيم الصيني شي جين بينغ على نحو هادئ قدما في إحكام سيطرة حزبه  الشيوعي على مناحي الحياة اليومية في الصين.

وعلى وقع ذلك، بدا المستقبل يميل لصالح الأنظمة السلطوية بشكل جلي.

بيد أن العد العكسي لهذا التوجه قد أنطلق في الوقت الحالي  وهناك ثلاثة أحداث وقعت بشكل متزامن في الأسابيع القليلة الماضية تؤيد هذا الاستنتاج.

البداية كانت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى جزيرة تايوان وسط فشل الصين في منعها رغم إحداث بكين الكثير من الضجيج حيال تداعيات الزيارة.

وردا على الزيارة، قامت الصين بإجراء تدريبات عسكرية قبالة الجزيرة.

أما الحدث الثاني فيتمثل في التفجيرات التي طالت قاعدة ساكي الجوية الروسية في شبه جزيرة القرم فيما يكمن الحدث الثالث في مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزل ترامب في فلوريدا.

سائحون يشاهدون تحليق مروحيات عسكرية فوق جزيرة بينغتان الصينية قرب المناورات العسكرية الصينية الضخمة قبالة تايوان بعد زيارة نانسي بيلوسي إلى تايبيه
سائحون يشاهدون تحليق مروحيات عسكرية فوق جزيرة بينغتان الصينية قرب المناورات العسكرية الصينية الضخمة قبالة تايوان بعد زيارة نانسي بيلوسي إلى تايبيهصورة من: Hector Retamal/AFP/Getty Images

الرد الصيني

لم يكن أي مراقب على دراية جديدة بالأوضاع في آسيا يتوقع أن تبدأ الصين في قرع طبول الحرب بسبب زيارة مسؤول أمريكي لجزيرة تايوان حتى أن المعلقين الصينيين رغم الضجيج الذي أثاروه عقب الزيارة إلأ أنه قد ظهر عليهم الاندهاش من تسرع واندفاع الحكومة الصينية فيما يعد سلوكا استثنائيا داخل العملاق الأسيوي الذي يُعرف بتخطيطه الجيد للأجيال القادمة.

وقبل عشر سنوات، كان الغرب يحاول عدم إغلاق اقتصادياته في أزمات الديون المالية والسيادية فيما كانت الصين في الوقت نفسه تُصوَر نفسها باعتبارها "النموذج المستقبلي" للاقتصاد العالمي بالتزامن مع سيطرة قوة الصين "الناعمة"تدريجيا على آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى البلقان.

أقامت الصين العديد من الطرق والموانئ والجسور وغيرها من ركائز البنية التحتية حول العالم في إطار "القوة الناعمة" للصين
أقامت الصين العديد من الطرق والموانئ والجسور وغيرها من ركائز البنية التحتية حول العالم في إطار "القوة الناعمة" للصينصورة من: Getty Images

تراجع ازدهار الصين

بيد أن أي مؤرخ جدير بالاحترام سوف يقول إن الدكتاتورية والازدهار الاقتصادي والنفوذ الدولي لا يمكنهم الاستمرار معا لفترة طويلة إذ من المفترض أن تضعف الديكتاتورية أو يتلاشى الرخاء أو يقل النفوذ. وهذا الأمر ما طرأ على الصين إذ أنه مع تنامي قوة الديكتاتورية فقد تضاءل ازدهارها ونفوذها. فاليوم، تقر الصين بأن ديونها بلغت 250٪ من إجمالي الناتج المحلي فيما يجب الإشارة إلى أن اليونان قد أعلنت إفلاسها عندما بلغت ديونها نسبة 127٪ من إجمالي الناتج المحلي.

كذلك يحذر الخبراء في الشؤون الصينية من وجود "دين خفي" يبلغ حوالي 44٪ من الدين الذي أقرت به الحكومة فيما بلغت ديون بلدان المنطقة 350٪ من إجمالي الناتج المحلي وهو ما يعد أمرا لا يُصدق ولا يتحمل في الوقت نفسه.

ومع عدم قدرة عشرات المصارف في المقاطعات الصينية على خدمة العملاء، جرى إرسال الدبابات للدفاع عن المصارف خوفا من العملاء الذين باتوا في حالة غضب شديدة.

حشد الدعم لكن بشكل عدواني

يتزامن هذا مع سعي شي جين بينغ إلى إعادة انتخابه أمينا عاما للحزب الشيوعي، لكن لا يمكنه تحمل فكرة أن يترشح لهذا المنصب في الوقت الذي يُنظر إليه باعتباره السياسي الذي شاهد إفلاس الاقتصاد. وإزاء ذلك، فقد قرر أن يحذو حذو بوتين ويعمل على حشد الدعم لكن بسلوك عدواني.

احتجاجات في مدينة تشنغتشو الصينية بسبب تجميد المصارف الودائع
احتجاجات في مدينة تشنغتشو الصينية بسبب تجميد المصارف الودائعصورة من: REUTERS

وإزاء ذلك، لم نعد نرى الصين الدولة الواثقة بأن المستقبل يصب في صالحها وإنما نرى نظاما استبداديا فاشلا بات على شفا الهلع.

فشل مجموعة بريكس

ويقدم التفجير الذي استهدف قاعدة ساكي الروسية في شبه جزيرة القرم تصورا مماثلا عن موسكو.

فقبل عشر سنوات، بدأت الصين تسلك طريقها لأن تكون القوة الاقتصادية العظمى في المستقبل فيما بدأت روسيا تسلك طريقها لتكون قوة جيوسياسية ذات نفوذ كبير لدرجة أنها استطاعت تدشين تحالف "مجموعة بريكس" الذي يضم بالإضافة الى الصين وروسيا كلا من البرازيل والهند.

وتمثل الهدف المعلن لهذا التحالف في إنهاء الهيمنة الأمريكية على مستوى العالم في مجال التكنولوجيا المتقدمة فضلا عن العمل على تقويض المكانة الدولية للدولار الأمريكي من خلال تدشين عملة خاصة ببلدان المجموعة.

تزامن هذا مع بدء سيطرة "القوة الناعمة الهجينة" لروسيا على السياسة والثقافة والإعلام في القارة الأوروبية.

لكنه بحلول عام الفين وعشرين، بات من الواضح أن بلدان البريكس فشلت في تحقيق الأهداف المعلنة   فلم تستطع أن تستحوذ على مكانة الأمريكيين في مجال التكنولوجيا المتقدمة بل واخفقت في مزاحمة الدولار الأمريكي.

ذكر سلاح الجو الأوكراني في 10 أغسطس / آب أنه دمر تسع طائرات حربية روسية في سلسلة انفجارات استهدفت قاعدة ساكي الجوية في شبه جزيرة القرم
ذكر سلاح الجو الأوكراني في 10 أغسطس / آب أنه دمر تسع طائرات حربية روسية في سلسلة انفجارات استهدفت قاعدة ساكي الجوية في شبه جزيرة القرمصورة من: Planet Labs PBC/AP Photo/picture alliance

تضاءل قوة روسيا الناعمة

وفي سياق متصل، بدأ فشل القوة الناعمة لروسيا فقد خسر ترامب الانتخابات الرئاسية أمام بايدن فيما تراجعت الأحزاب الاستبدادية والشعبوية والتي حظيت بتمويل من بوتين.

ففي عام 2017 ، فاز إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية ضد مارين لوبان، التي يُنظر إليها باعتبارها حليفة بوتين فيما جرى تقويض حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف على يد حزب الخضر  خلال الانتخابات الإقليمية في ولاية بافاريا حيث أصبح الخضر ثاني أقوى حزب رغم التوقعات عن تحقيق حزب البديل فوز كبير.

وفي عام 2019، استقال هاينز كريستيان شتراخه، زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا، من منصبه كنائب للمستشار النمساوي بسبب فضيحة فساد.

وفي بولندا والمجر ، بدأت الأنظمة تفقد السيطرة على المدن الكبرى في الانتخابات المحلية فيما لم تفز الأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات الأوروبية عام 2019.

حلفاء بوتين في أوروبا يفقدون نفوذهم

وشهدت الأعوام الماضية، مساعي الأوروبيين في إزاحة حلفاء بوتين من السلطة واستبدالهم بتحالفات تضم أحزاب ليبرالية ومن الخضر ففي عام 2021 خسر اليمين المتطرف البرلمان في بلغاريا حيث اختار  الناخبون تحالفا يضم أحزاب الوسط والخضر فيما انتخبت ألمانيا حكومة ائتلافية تضم الحزب الاشتراكي والخضر والليبرالي.

وعندما أدرك بوتين تلاشي قوته الناعمة في بلدان العالم المتحضر، لجأ إلى قوته الصلبة باعتبارها الخيار الوحيد لكي يؤثر من خلالها على التغيرات الجيوسياسية.

وكان الرابع والعشرين من فبراير/ شباط الموعد للبدء في استخدام القوة الصلبة لروسيا حيث كانت تقوم خطة بوتين على إخضاع أوكرانيا في غضون أيام ومن ثم يتجه غربا للبدء في إعادة رسم حدود الدول الأوروبية فيما كان يرمي إلى تحقيق الأهداف التي فشل في تحقيقها عبر القوة الناعمة ولكن هذه المرة على ظهر الدبابات.

شارك بوتين في اجتماع لمجموعة "بريكس" عبر الفيديو كونفرنس في يونيو / حزيران الماضي
شارك بوتين في اجتماع لمجموعة "بريكس" عبر الفيديو كونفرنس في يونيو / حزيران الماضيصورة من: Mikhail Metzel/AP/picture alliance

روسيا لم تحقق نصرا سريعا في أوكرانيا

بيد أن نتائج الحرب لم تصب في صالح خطط بوتين ففي أغسطس / آب، فقد الجيش الروسي المبادرة وتحول إلى اتخاذ مواقع دفاعية فيما كشفت الانفجارات في شبه جزيرة القرم عن أن روسيا لا يمكنها الدفاع عن مواقع تمركز قواتها بالشكل السهل فيما يبدو أن الترجيحات تشير إلى أن روسيا في طريقها لخسارة هذه الحرب.

وبعد كل ذلك، أصبحت قوة روسيا الصلبة موضع للسخرية في العالم فيما فقدت قوتها الناعمة فلم تعد روسيا تمتلك اقتصادا قويا يدعم قوتها الناعمة.

وعلى إثر ذلك، نشهد في الوقت الحالي نهاية فكرة "العالم الروسي" و  "النموذج الصيني" حيث أصبح جليا أننا نعيش في عالم ديمقراطي ليس مضطرا أن يعيش في كنف هذه النماذج التي لا تتقدم بل تتراجع.

ترامب يواجه اتهامات جنائية

أما في الولايات المتحدة، فتدل مداهمة عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزل ترامب على تضاؤل ​​خطر الاستبداد داخل العالم الديمقراطي.

خسرت مرشحة اليمين مارين لوبان الانتخابات الرئاسية الفرنسية
خسرت مرشحة اليمين مارين لوبان الانتخابات الرئاسية الفرنسيةصورة من: Mikhail Klimentyev/AP/picture alliance

فقبل عشر سنوات، بدت الولايات المتحدة التي تعد بمثابة معقلا للديمقراطية، تترنح على حافة الهاوية إذ انتخب ترامب الذي كان يقدر الديكتاتوريين في جميع أنحاء العالم، في عام 2016 رئيسا للبلاد.

وعلى إثر ذلك، شعر الناس بالقلق من أن أمريكا كانت في طريقها لأن تكون "نموذجا استبداديا"،  لكن اليوم لم يعد ترامب في البيت الأبيض بل أصبح يواجه تهما جنائية.

صربيا والمجر

وفي أوروبا، استوعبت بلدان معادلة الاستبداد والإجرام إذ لم يعد في القارة اليوم سوى نظامين استبداديين على رأس السلطة أحدهما في صربيا والآخر في المجر.

ففي صربيا، يبدو أن الرئيس ألكسندر فوتشيتش يحاول الخروج من عباءة روسيا فضلا عن تضاؤل قوته السياسية.

وفي المجر، لم يعد الرئيس فيكتور أوربان يروج لنموذج "الدولة غير الليبرالية" الذي يطمح في تدشينه في البلاد بل أصبح بمثابة مدير للمبيعات الخارجية لشركة غازبروم في أوروبا في موقف ليس مناسبا لسياسي مستبد ذات نفوذ قوي فيما يُتوقع ألا يحصل على دعم سكان المجر كما فعل سكان بلغاريا بإزاحة رئيس الوزراء بويكو بوريسوف بعد 12 عاما في السلطة.

العد العكسي

وفي ضوء هذه المعطيات، فإن مداهمة منزل ترامب لا ترسل رسالة واحدة مفادها أن الوقت السياسي لهؤلاء القادة ممن على شاكلته قد ولى ولكن أيضا تبعث برسالة تؤكد زوال مستقبلهم السياسي.

بعض الوثائق التي عثر عليها عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي خلال مداهمة منزل ترامب في فلوريدا
بعض الوثائق التي عثر عليها عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي خلال مداهمة منزل ترامب في فلوريداصورة من: Department of Justice/AP Photo/picture alliance

لكن سيبقى قادة مثل بوتين وشي جين بينغ وممن على شاكلتهما لفترة طويلة، لكن أسلوب حكمهم لن يكون له مستقبلا.

والآن أصبح المستقبل في أيدينا ويتعين علينا الاستفادة من هذا العد العكسي من أجل تأمين مستقبل يظل فيه الشعب مصدر الحكومة ما يعني أن الشعب يمتلك اليد العليا.

إيفجيني داينوف 

*إيفغيني داينوف، الكاتب والمحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة البلغارية الحديثة في صوفيا.