وباء كورونا يفجر روح التضامن والمساعدة بين شباب برلين
٢٠ مارس ٢٠٢٠يومين من العمل المتواصل، احتاجها نوح أدلار لتطوير صفحة تحمل اسم Coronaport.net. نوح أدلار ليس بخبير كمبيوتر ولا حتى بمهندس، بل هو تلميذ في الصف 11 بإحدى ثانويات العاصمة الألمانية برلين. ما الذي دفعه لإطلاق صفحة كهذه؟ وكيف؟ "تابعت الأخبار الرائجة حالياً بشأن انتشار فيروس كورونا، فبات الأمر واضحاً بالنسبة لي: الناس بحاجة إلى مساعدة"، يقول الشاب البالغ من العمر 15 عاماً في حوار مع DW.
"الجيرة الطيبة وتقديم المساعدة لبعضنا البعض، أمور في غاية الأهمية حالياً"، يتابع نوح بثقة كبيرة. أطلق نوح على صفحته "مساعدة إضافية للجيران في برلين".
ولأن المدارس مقفلة في ألمانيا برمتها ضمن الإجراءات الاحترازية المتخذة لكبح انتشار وباء كورونا المستجد، بات لدى الشاب الطموح متسع كبير من الوقت لتطوير مشروعه هذا.
"اجتماعية" بحق هي وسائل التواصل!
وكتب على صفحته: "جميع الأشخاص الذين ليس لديهم عائلات أو أصدقاء للمساعدة، وخصوصاً مَنْ يُصنفون ضمن الشريحة المعرضة للخطر، هم بحاجة أكثر من غيرهم إلى مساعدة الآخرين". ومن تمّ جمع نوح أدلار على صفحته الإلكترونية قوائم أسماء المتطوعين مقابل أخرى تضم أسماء المحتاجين.
أما ما يقدمه المتطوعون من خدمات فيتباين بين عروض "للتسوق، أو لرعاية الأطفال الصغار، إضافة للبحث عن مطهرات أو حتى تقديم مساعدة في الأعمال الجسدية المضنية" للمحتاجين سواء كانوا من شريحة المسنين أو شباباً يعانون من أمراض مزمنة أو من عوائق بدنية. وهناك مَنْ يعرض جميع هذه الخدمات دفعة واحدة.
وهكذا يحدد كل متطوع نوعية المساعدة التي يريد تقديمها للآخرين، حتى يتسنى للمحتاج التوجه إلى الشخص الملائم حسب متطلباته. ووسط سيل من العروض المقدمة، هناك حتى مَنْ يعرض القيام بجولة مع الكلاب حتى لا تظل بدورها حبيسة المنزل.
ويمكن التواصل مع المتطوعين سواء عبر البريد الإلكتروني أو عبر الهاتف مباشرة.
"التضامن" شعار المرحلة
"التضامن" إذاً هو شعار المرحلة، وقد كان أيضاً عنوان خطاب الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير يوم الاثنين الماضي (16 مارس/ آذار 2020).
وقد التزم به نحو 800 شخص على قائمة المتطوعين بصفحة نوح أدلار "Coronaport.net " لوحدها، وهي بالتأكيد ليست الصفحة الإلكترونية الوحيدة في برلين التي تعمل في هذا الاتجاه.
خارطة تفاعلية من جامعة جونز هوبكنز توضح انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم:
إذا لم تتمكن من فتح الخارطة يمكنك الضغط هنا
المبهج أن هؤلاء جميعهم من الشباب اليافعين. وإذا كانت لأزمة كورونا بعض الجوانب الإيجابية، فإنها فجرت روح المسؤولية لدى الشباب في ظاهرة ربما لم تقتصر على العاصمة برلين وحدها، وإنما ظهرت في العديد من المدن والبلدان، حيث بات الشعار "الشباب من أجل الشيوخ".
غير أن تجربة نوح أدلار وكما يتحدث عنها لـDW، أظهرت له على الأقل إلى الآن، أن عروض المساعدة كثيرة، غير أن عدد الطلبات قليل جداً. ولا يعني ذلك بالضرورة أن عدد المحتاجين قليل، وإنما يعتقد نوح أدلار أن السبب كامن في أن الفئة العمرية المعنية لا تستخدم الإنترنت عادة.
برلين ستتخطى الأزمة
ابن برلين واثق أن مدينته ستتخطى هذه الأزمة، تماماً كما تخطت سابقاتها، ولا يسع للمرء إلا أن يوافقه في هذا الرأي. فهي أكثر العواصم الأوروبية عرضة لأزمات القرن الماضي. فلعقود قسمها الجدار، وكانت في مركز صراعات القوى الكبرى. ومع ذلك ظلت أبيّة. أبيّة رغم الحرب العالمية الثانية التي دمرت جزءا كبيرا منها، أبيّة أيضاً أمام حصار قوات الاتحاد السوفييتي في أربعينيات القرن الماضي الذي لم تكسره سوى "قنابل الحلوى" التي كانت تقذفها لمواساة أطفال برلين الطائرات الأمريكية المشاركة في الجسر الجوي.
الجيل الذي عانى بالأمس من مآسي الحرب، وواجه حصار السوفييت وفرح بحلوى الأمريكيين، هو المستهدف الأول اليوم، وذلك من قبل فيروس قد يفتك به.
وليست هذه الشريحة المتضررة الوحيدة بطبيعة حال، فالجميع متضررون. من بينهم العائلات الفقيرة والأشخاص دون مأوى، ناهيك عن الأشخاص المقيمين بطريقة غير شرعية في البلاد، فجميعهم كانوا يحصلون على مؤن غذائية من قبل جمعيات خيرية وعدد كبير منها أوقف العمل وأقفل أبوابه.
ومع ذلك هناك محاولات لتوريد المساعدات الغذائية إلى المعنيين، وهو إجراء لا يزال معتمداً طالماً لم يتم تفعيل قانون حظر التجوال.
ويوضح القس ببيرند زيغولو من جمعية "السفينة" أن عملية التوزيع سوف تبدأ اعتباراً من اليوم الأربعاء، ويقوم بها عدد من المتطوعين.
وبالنسبة لهذه الجمعيات فقد تحول الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي إلى الفضاء الوحيد للوصول إلى متطوعين، وقد أثبت نجاعته بقوة، كما يؤكد المسؤول.
لكن الرقمنة لا يمكنها أن تتحول إلى الآلية الوحيدة المعتمدة، فالجمعيات الكنسية والمدنية تدرك جيداً أن الشريحة المستهدفة لا تستخدم عادة الإنترنت، ولهذا باتت الاتحادات الكبرى تلجأ إلى نوح أدلار وزملاءه بمطالبتهم بطباعة بيانات المتطوعين على الورق وتوزيعها على المنازل، عبر سحبها من تحت الأبواب. وهو ما يحصل الآن بالفعل في برلين، ولحسن الحظ.
فولكر فيتينغ/ و.ب