هل يمكن محاكمة جنود إسرائيليين بتهمة جرائم حرب في ألمانيا؟
١٦ يناير ٢٠٢٥حازت مؤسسة مقرها بروكسل على اهتمام دولي واسع عندما أعلنت نيتها مقاضاة الجنود الإسرائيليين المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب أثناء سفرهم خارج إسرائيل. في الأسبوع الماضي، تصدرت "مؤسسة هند رجب" The Hind Rajab Foundation (HRF) الأخبار بعد أن حققت تقدماً لافتاً في إحدى محاولاتها لمقاضاة جندي إسرائيلي. فقد أصدر قاضٍ في البرازيل مذكرة للشرطة الفيدرالية بالتحقيق مع يوفال فاغداني، البالغ من العمر 21 عاماً، الذي كان يقضي عطلته هناك. وذكرت المؤسسة، المعروفة اختصاراً بـ HRF، أن فاغداني نشر مقاطع فيديو وصوراً توثق قيامه بتدمير مبانٍ مدنية في غزة.
وهذا الأسبوع، قدمت مؤسسة هند رجب شكوى ضد اللواء غسان عليان. عُرف عليان بتصريحاته التي أدلى بها بعد ثلاثة أيام من هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واختطاف أكثر من 250 آخرين. قال عليان في رسالة فيديو موجهة إلى سكان غزة: "يجب التعامل مع الحيوانات البشرية على هذا النحو: لا ماء ولا كهرباء ولن يكون هناك سوى الدمار. أردتم الجحيم، ستحصلون عليه".
يُستشهد بهذا التصريح بشكل كبير من قبل منظمات حقوقية كدليل على نية إسرائيل الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. منذ ذلك التاريخ، أسفرت الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة عن مقتل أكثر من 45,000 شخص، حسب السلطات الصحية التابعة لحماس.
يوم الإثنين (13 يناير/ كانون الثاني 2025)، أعلنت "مؤسسة هند رجب" الحقوقية أن غسان عليان كان في زيارة "سرية" إلى روما، ودعت السلطات الإيطالية إلى اعتقاله.
حملة دولية
تأسست "مؤسسة هند رجب" كمنظمة غير ربحية في أيلول/سبتمبر 2024 وسُميت على اسم الطفلة الغزية هند رجب البالغة من العمر خمس سنوات، التي توفيت داخل سيارة عائلتها بعد أن استهدفتها إسرائيل. سعت المؤسسة إلى تقديم شكاوى مماثلة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الإكوادور، والإمارات، وسريلانكا، وفرنسا، وقبرص، وتايلاند.
يدعي المسؤولون الإسرائيليون بانتظام أن المؤسسة تديرها عناصر معادية للسامية أو متطرفة ضد إسرائيل، وهو ما ينفيه القائمون على المؤسسة.
في مقابلة مع برنامج إخباري مستقل، "System Update"، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أوضح دياب أبو جهجه، رئيس "مؤسسة هند رجب" (HRF)، آلية عمل المؤسسة. على مدار العام الماضي، نشر جنود إسرائيليون آلاف الفيديوهات والصور على وسائل التواصل الاجتماعي توثق وجودهم في غزة. تشمل هذه الفيديوهات مشاهد لجنود يعلنون أنهم ينتقمون، إلى جانب أدلة أخرى على تصرفات مثل النهب، وإحراق المنازل، والتقاط صور بجانب جثث، والتحدث بشكل علني عن تعذيب وإبادة الفلسطينيين. وقد أصدرت القيادة العسكرية الإسرائيلية تعليمات للجنود بعدم تصوير أو نشر مثل هذه الفيديوهات. وفي كانون الأول/ديسمبر، قامت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية بالتحقق من حوالي 120 فيديو، ووجدت أن بعضها يشكل "توثيقاً فعلياً لأدلة على انتهاكات محتملة للقانون الإنساني الدولي".
دياب أبو جهجه أوضح أن هذه معادية للسامية هي النوع الذي تستفيد منه مؤسسة هند رجب. وأشار إلى أن المؤسسة لا تستهدف جميع الجنود الإسرائيليين، بل فقط أولئك الذين يرتكبون انتهاكات محتملة. وأضاف أن القضايا يتم تجهيزها عندما تظهر الأدلة، لكنها تُستخدم فقط إذا سافر الجناة المزعومون إلى الخارج. يقوم محامون متطوعون في بلدان أخرى برفع القضايا ضدهم.
هل يمكن أن يحدث الشيء نفسه في ألمانيا؟
حتى الآن، لم ترفع "مؤسسة هند رجب" (HRF) أي قضايا ضد جنود إسرائيليين في ألمانيا، وفق ما صرح به متحدث باسم المؤسسة لـ DW. ومع ذلك، فإن القانون الألماني يسمح بمقاضاة جرائم الحرب التي تُرتكب في الخارج من قبل أشخاص غير ألمان، كما أوضح المحامي ألكسندر شفارتس، المدير المشارك لبرنامج الجرائم الدولية والمساءلة في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR) في برلين. وأشار إلى أنه منذ عام 2002، أدرجت ألمانيا الجرائم الدولية في نظامها القانوني من خلال قانون الجرائم ضد القانون الدولي (CCAIL).
وأوضح شفارتس أن من بين أنواع الجرائم الدولية المختلفة، يمكن مقاضاة "جرائم الحرب" بسهولة نسبية. على سبيل المثال، قال: "إذا قام جندي بقتل مدني واحد بشكل غير قانوني في غزة، يمكن أن يُعتبر ذلك جريمة حرب". أما الجرائم "ضد الإنسانية"، فإثباتها أصعب بكثير لأن المجال القانوني لإثباتها يتطلب جهوداً أكبر.
هل السلطات الألمانية مستعدة للتحقيق؟
يجب على المدعين الفيدراليين في ألمانيا أن يقرروا ما إذا كانوا مستعدين للتحقيق في مثل هذه القضايا. يمكن لمنظمة مثل HRF تقديم شكوى في ألمانيا، لكن في القضايا المتعلقة بغير الألمان، يتمتع المدعي العام الألماني بـ"سلطة تقديرية" لتقرير المضي قدماً في التحقيق من عدمه.
ومع ذلك، أشار الخبير الألماني إلى أن السلطات الحكومية ملزمة قانونياً بالتحقيق في القضايا إذا كان الضحايا من الألمان. على سبيل المثال، لم يتم التحقيق في مقتل عائلة أبو جادالله الفلسطينية الألمانية المؤلفة من ستة أفراد، نتيجة قصف إسرائيلي على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2024، بموجب القانون الدولي. كما لم يتم التحقيق في قضية شاني لوك، المرأة الألمانية التي قُتلت في هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، إلا بموجب القانون المحلي.
يقول ألكسندر شفارتس: "نرى أن المدعي العام الاتحادي لا يؤدي وظيفته بشكل صحيح".
أيد كاي أمبوس، أستاذ القانون الجنائي الدولي في جامعة غوتينغن، هذا الرأي إلى حد كبير. وقال لـ DW: "لدينا قانون الجرائم ضد القانون الدولي (CCAIL) والولاية القضائية العالمية، والمدعي العام الألماني يتصرف عادة إذا كان المشتبه به موجوداً في ألمانيا. يمكنه حتى الشروع في تحقيق هيكلي إذا كان الجاني لا يزال في الخارج". وأضاف: "لكن حالة إسرائيل حساسة للغاية، وهناك بالتأكيد معارضة سياسية للتحقيق في قضايا تتعلق بالمواطنين الإسرائيليين".
غياب الأحكام القضائية
حتى الآن، لم يتم اختبار الأدلة التي قدمتها "مؤسسة هند رجب" (HRF) في المحاكم. وحسب تقرير حديث نشرته مجلة نيويوركر الأمريكية الأسبوعية، فإن عدة قضايا تم رفعها في كل من هولندا وبلجيكا وفرنسا، ولكن لم تُعرض أي منها على قاضٍ حتى الآن. في القضية البرازيلية الأسبوع الماضي، قام الجندي الإسرائيلي بحذف منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي وفر من البلاد بمساعدة من الحكومة الإسرائيلية.
قضية مماثلة في إيطاليا قد تواجه عقبات، وفقًا لما قاله محامون ألمان لـ DW، لأن إيطاليا، على عكس ألمانيا، لم تدرج القانون الدولي في قانونها الوطني. ومع ذلك، كأداة "للحرب القانونية" التي تُعرّف بأنها "استخدام الإجراءات القانونية لإثارة مشاكل للخصم"، كان لـ"مؤسسة هند رجب" (HRF) تأثير واضح.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي أن المسؤولين الإسرائيليين قللوا من أهمية شكاوى HRF، مشيرين إلى أنه لم تصل أي شكوى حتى الآن على الأقل إلى المحكمة. ومع ذلك، تسببت "مؤسسة هند رجب" The Hind Rajab Foundation (HRF) في جدل كبير داخل وسائل الإعلام الإسرائيلية. وفي الآونة الأخيرة، تم تحذير الجنود بضرورة العودة إلى البلاد على الفور خوفاً من الاعتقال.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، شدد الجيش الإسرائيلي قواعد التغطية الإعلامية الخاصة بالجنود، بهدف حمايتهم من الملاحقة القانونية أثناء وجودهم في الخارج. وأعلن الجيش أنه لن يُسمح الآن لأي فرد يخدم تحت رتبة عقيد بإظهار وجهه أو اسمه الكامل، أو ربطه بحدث قتالي محدد شارك فيه.
أعده للعربية: علاء جمعة