هكذا سيؤثر "بريكست" على حقوق العمالة المهاجرة في بريطانيا
٦ أبريل ٢٠١٩"تعدّ حرية تنقل الأشخاص الطريق الأساسي القانوني الذي تنقل عبره العمال المهاجرون إلى المملكة المتحدة للعمل في وظائف لا تشترط مهارات خاصة خلال الـ15 عاماً الماضي"، هذا ما يقوله تقرير صادر عام 2018 لمرصد الهجرة التابع لجامعة أوكسفورد. لكن الحكومة البريطانية ترغب بتغيير كل هذا بعد البريكست، لذلك اقترحت برنامجين مؤقتين للهجرة يهدفان لتفادي العجز في مجال الهجرة التي قد يخلقه فض شراكة بريطانيا مع دول الاتحاد الأوروبي.
ما هي أهداف بريطانيا؟
المخطط الأول يخص العمال المهاجرين المنحدرين من عدد من الدول خارج الاتحاد الأوروبي، ويتيح لهم العمل لمدة ستة أشهر، والثاني يخصّ المهاجرين المنحدرين من دول مصنفة "خطراً ضعيفاً" كما تعرّفهم الحكومة البريطانية في ورقة لها، وهي دول الاتحاد الأوروبي واستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة واليابان وكوريا وسنغافورة، ويمكنهم لهؤلاء المهاجرين البقاء سنة.
أطلقت بريطانيا المخطط الأول في سبتمبر/ أيلول 2018، ويدوم سنتين مبدئياً، على أساس أن تقرّر الحكومة في نهاية 2019 هل سيدوم أم لا. يتيح هذا المخطط لـ2500 عامل زراعي دخول البلاد لمدة ستة أشهر بغية "تخفيف النقص في اليد العاملة خلال فترات ارتفاع الإنتاج".
قدمت الحكومة المخططين في ديسمبر/ كانون الأول 2018 في ورقة رسمية بعنوان: " نظام المملكة المتحدة للهجرة القائمة على المهارات في المستقبل". وتبين الورقة أن المملكة المتحدة ترغب بتقليل قدوم العمال غير المهرة، إذ تخطط لجذب "الألمع والأفضل، لأن العمال المهاجرين قليلي المهارات قد يتلقون أجوراً ضعيفة أو يؤثرون سلباً على الابتكار في اقتصاد البلاد". لذلك تقول الورقة إن نهاية حرية التنقل يخلق فرصة فريدة للبريطانيين لأجل وضع الأولوية لأولئك المهاجرين الذين سيساهمون بشكل أقوى في الاقتصاد وفي المجتمع.
مشاكل متعددة
غير أن منظمة "فليكس" غير الحكومية، أشارت في تقرير نشرته في مارس/ آذار 2019، إلى أن هذين البرنامجين قد يؤديا إلى استغلال العمال كخلق "السخرة وعبودية الديْن". تقول كارولين روبسنون، مديرة المنظمة لوكالة رويترز: "هناك تناقض واضح بين جهود بريطانيا لمواجهة العبودية الحديثة واندفاعها لجلب العمال بعد البريكست. مثل هذه الحلول السريعة تضرّ ادعاءات الحكومة بأنها رائدة العالم في مواجهة العبودية الحديثة".
وتبرز المنظمة أن البرنامجين لن يمكنا العمال الموسميين من الخدمات الاجتماعية التي يحصل عليها العمال القاطنون في البلاد، ومن ذلك عدم الولوج إلى السكن أو تعويضات العطالة، كما سيجد العامل الموسمي صعوبة في الدخول في نزاع قانوني مع مشغّل متعسف. وإذا ما قرّر المهاجر الرحيل عن هذا العمل، قد يتورّط في الاقتصاد غير القانوني أو ينتهي به الحال إلى التشرد، ما يرفع خطر الاتجار بالبشر، فضلاً عن أن هذه الإقامات المؤقتة تجعل من الصعب على العمال الموسمين الإلمام باللغة وبقوانين العمل والهجرة.
تشير المنظمة كذلك إلى أن هؤلاء العمال سيضطرون إلى دفع تكاليف استصدار التأشيرات التي تصل إلى 244 جنيه استرليني وكذا حجز تذاكر الطيران، كما أن هناك إمكانية لدفع رسوم وسطاء العمل في الخارج، وهي ممارسة ممنوعة داخل المملكة المتحدة، كل هذا لأجل ستة أشهر من العمل. وقد أدى بعض العمال، حسب المنظمة، أكثر من 10 آلاف جنيه استرليني لأجل ضمان عمل في البلاد. هذا الوضع سيؤدي بالعمال إلى المزيد من الاقتراض، وسيتركهم رهيني قروض بمستويات عالية من الفائدة، وهو ما يجعل مغادرتهم العمل الذي جاؤوا من أجله في المملكة المتحدة أمراً جد صعب.
ومن المشاكل الأخرى مع البرنامجين، وفق المنظمة، أن العمال الموسميين سيرتبطون بالمشغل على مستويات متعددة منها السكن والنقل والطعام وأحياناً أيّ معلومة تخصّ حقوق العمل، وهو ما يصعب كثيراً مغادرتهم العمل أو تبليغ شكاوى عنه، خاصةً أنه لا يوجد تمديد لتأشيراتهم، ولا يستطيعون إيجاد عمل مؤقت آخر مع وكالة أخرى.
العبودية الحديثة
يبقى هذين البرنامجين أكثر تقييداً لحقوق العمال من البرامج السابقة التي اعتمدت على حرية تنقل الأشخاص، إذ كان هذا المبدأ يتيح للعمال الحقوق نفسها للمواطنين، ومن ذلك لمّ الشمل العائلي، وإمكانية تغيير العمل والتنقل بحرية من مجال إلى آخر حسب المنظمة.
لكن تجدر الإشارة كذلك إلى وقوع انتهاكات لحقوق العمال تحت ظل هذا المبدأ، ومن ذلك احتجاز المشغلين لجوازات سفر العمال وإلزامهم بالسكن مقابل اقتطاعات من أجورهم في إقامات غير لائقة. وقد لوحظ ارتفاع في معدلات استغلال العمال حتى قبل البريكست بنسبة 80 في المئة خلال سنتين، وتقول تقارير حكومية إن عام 2018 شهد الإبلاغ عن 700 ضحية محتملة للعبودية.
كما تتحدث "فليكس" أنها اكتشفت وجود مليون عامل (ليسوا كلهم مهاجرين) بعقود لا تحتوي على ساعات عمل، فقط خلال 2017، ما يجعل مستقبل العمال المهاجرين قاتماً، خاصة مع التطلع لتحقيق أرباح كبيرة تغطي على تداعيات البريكست. وفي هذا الإطار، يشير مؤشر العبودية العالمي لعام 2018 إلى معاناة 136 ألف شخص من العبودية الحديثة في المملكة المتحدة.
ما الحل؟
ترى المنظمة الدولية للهجرة أن توسيع عمليات التفتيش في بعض الصناعات من شأنه المساهمة في ضمان حقوق العمال، كما تقترح "فليكس" خلق عقود طويلة الأمد مع إقامة دائمة للعمال المهاجرين، وأن تعمل الوكالة العمومية المعروفة اختصاراً بـGLAA (تسهر على احترام حقوق العمال)، على الترخيص للراغبين في العمل في قطاعات البناء والنظافة والضيافة والرعاية بدل الاقتصار على العمال الزراعيين، وتمكين هذه الوكالة من الموارد اللازمة لمراقبة المشغّلين في عموم البلاد.
وتطالب المنظمة كذلك بتمكين العمال المهاجرين من حقوق التعويضات الاجتماعية ومن الدعم القانوني الذي يجب أن يتوفر بعدة لغات، وبخلق اتفاقات عمل ثنائية بين الحكومة البريطانية وبلدان المهاجرين تضمن حقوق هؤلاء، وبفتح المجال أمامهم لتغيير مشغّليهم، وتمكينهم من الإدلاء برأيهم، عبر ممثل لهم في لجنة مختصة، فيما يخصّ الأجور وشروط العمل.