هدايا اللاجئين تعبر القارات بفضل مواقع التواصل الاجتماعي
١٢ نوفمبر ٢٠١٧في أعوام التسعينيات أشتهر على التلفزيون السوري المحلي برنامج لإهداء الأغاني بين الناس، كان يسمى "ما يطلبه الجمهور"، كانت المذيعة التي تحتل جزءاً من ذاكرة العديد من السوريين وكانوا ينادونها "مع رفع الكلفة" (أم عمار)، تقف أمام الشاشة وتقول الأغنية مهداة من فلان إلى فلان بمناسبة كذا..
اليوم يستعيد السوريون هذا الطقس، خاصة من حملتهم أقدارهم للعيش في دول اللجوء، ولو بتفاصيل مختلفة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، مع تغيير كبيرٍ في محتوى الهدية، إذ اخترع اللاجئون طريقة للتواصل مع الوطن، ومشاركة الأحبة والأهل والأصدقاء جميع اللحظات، عبر خدمة "توصيل الهدايا" من ألمانيا ودول أوروبا إلى سوريا ودول الجوار السوري التي تجمع شمل شتاتهم.
لا زلتُ جزءاً من هناك!
الفكرة بسيطةٌ جداً، بدأت مع عددٍ من الأصدقاء ممن وجدوا أنفسهم قد فرقتهم الأحوال إلى عدة دول، وباتوا غير قادرين على التواصل ومشاركة لحظات الفرح مع بعضهم، فقاموا بتأسيس صفحةٍ على فيس بوك يتمكن عبرها أي شخص من طلب أي هديةٍ متوفرة في مكان إقامة الشخص المرسل إليه، ويتولى الفريق الذي اسمى صفحته "توصاية هدية"، وهي التعبير السوري الدارج لـ"طلب الهدية"، يتولون إيصالها وإدخال السعادة إلى قلوب من فرقتهم الظروف.
يقول خالد، الذي يعيش في ألمانيا منذ أربع سنوات تقريباً، لـ"مهاجر نيوز" إنه لم يتمكن من منع نفسه من مشاركة أهله الفرحة بحصوله على عمل، فأراد مفاجأتهم بطريقةٍ جديدة، إذ قام بإرسال الحلويات إلى منزلهم، عبر إحدى هذه الصفحات، فكانت الحركة جميلة، وساهمت بإشعاره بأنه لا يزال قريباً من عائلته.
يضيف خالد "شعرت للحظات وأنا أكلم والدي عبر سكايب أنني لا زلتُ قادراً على مشاركتهم تفاصيل حياتي ولو بشيءٍ بسيط كالحلويات، لا زلت أنتمي إلى هناك".
نوصّل الهدايا... واللحظات... والفرحة!
"عندك مناسبة عيد ميلاد، عيد زواج، عيد الأم، عيد الحب وحابب تبعت هدية بهالمناسبة أو حابب تعمل مفاجأة أوحفلة ومابتقدر لأنك برا سوريا (بأي بلد كان) فريق توصاية متوزع بأغلب المحافظات السورية ليساعدك بتنقاية الهدية وشرائها وتوصيلا، أو اذا انتو بسوريا وحابين تبعتو هدية لحدا برا البلد (بأي بلد كان) كمان نحنا موجودين لنساعدكم"
هذا إعلان وضعته هنادي وأصدقاؤها عند إنشاء الصفحة، وتقول هنادي، التي لا تزال تقيم في سوريا لـ"مهاجر نيوز"، "أنا جزءٌ من فريق لم يبق منهم سوى القليل داخل سوريا، فالأغلب أصبح لاجئاً في عدة دول، وكنا نبحث عن طريق للتواصل، فتوصلنا إلى فكرة إنشاء هذه الصفحة، في البداية كانت على مستوى الأصدقاء والمعارف، لتتحول في فترة قصيرة إلى منصة توصل الهدايا والمشاعر واللحظات بين السوريين في الداخل والخارج".
الدفع عند التوصيل والخيارات مما هو متاح..
"من صبية موجودة في السويد لأختها الموجودة في دمشق.. من شب موجود بألمانيا لحبيبتو ببيروت.. من شب موجود في ألمانيا لزوجته الموجودة في دمشق.. من شب موجود في استراليا لصديقته الموجودة في طرطوس.. من صبية بسوريا لخطيبها بألمانيا"...
هكذا تعلن الصفحة عن توصيل الهدايا، وهكذا تنشر فرحة كل شخص، لكن لهذا الموضوع تعقيداته، تشرح هنادي "أصعب ما في العملية هو عملية الدفع، إذ إنه في بلد كسوريا ليس هناك تحويلات بنكية لذا يتم الدفع عن التوصيل، لمندوبنا المتوفر في المنطقة، وفي أوروبا نعتمد على التحويلات البنكية أو شركات التحويل"
لا تعتبر هذه الصفحة هي الوحيدة التي تقوم بهذه الخدمات، إذ تعمد بعض الصفحات على نشر عروض الشركات من أجل التشجيع على الشراء، والتوصيل.
تتابع هنادي شرحها "عادة لا نقوم بعملية شحن للهدايا، بل يقوم الشخص بطلب هدية متوفرة في مكان إقامة الشخص الآخر، كالزهور أو الحلويات أو غيرها، وفي بعض الحالات إذا توفر شخص يحمل الهدية من دولة إلى دولة قد ننقل الهدايا".
وتضحك هنادي قائلة "الموضوع الأكثر تعقيداً هو الأسعار في سوريا، إذ من الصعب أن تقنع شخصاً غادر سوريا منذ عدة سنوات بأن علبة الحلويات مثلاً التي كانت بألف ليرة أصبحت بـ 15 ألف ليرة، أحياناً يعتقدون أننا نبالغ بالمبالغ التي نطلبها".
ردة الفعل تختلف من شخصٍ إلى آخر
رغد إحدى اللواتي أرسلن واستقبلن الهدايا من الخارج عبر هذه الصفحة في عدة مناسبات، تقول لـ"مهاجر نيوز" "الفكرة ليست بالهدية، إنما بالشعور بأن هناك من يتذكرك بهذه المانسبة رغم كل المسافات، ورغم الأوقات العصيبة التي نمر بها جميعاً، وأعتقد ان وجود مثل هذه الخدمات تساهم في التفريق بين من تعني له شيء ومن لا يهتم، فالمسافة لم تعد مشكلة".
من جانبها هنادي تقول "أحياناً نستغرق وقتاً كي نشرح للناس من نحن وماذا نفعل، أحياناً لا يصدقوننا والبعض يحاول أن يعتدي على المندوب لعدم فهم المفاجأة في البداية، وهناك من يفرح بالهدية بغض النظر عن المرسل والمناسبة في البداية، فردة الفعل ليس واحدة، عدا عن نوبات البكاء التي يصاب بها البعض من التأثر خاصة الأمهات".
وتتابع "من أغرب الأمور التي طلب منّا شراؤها، أرنب، وبراد وأحدهم طلب سيارة، لكن يجب أن يكون لدى الشخص لطيف ولديه أسلوب مقنع لدخول بيوت أشخاص لا نعرفهم".
وتختم هنادي بقولها "مرة كي نقنع أم بسبب وجودنا في منزلها، أخبرناها بأننا أصدقاء ابنها المسافر، فانهارت بالبكاء، ولا تزال تعتقد أننا أصدقاؤه، ولا زلنا على تواصل".
راما جرمقاني-مهاجر نيوز