نعمة الطغيان
٢٠ يونيو ٢٠١٣ربما تكون هي أنشودة دهرية مخلدة في مزاج المرضى من الحاكمين الذين ينسون الله والناس وأنفسهم بمجرد أن يتملكوا السلطة والمناصب ويحصلوا على المنافع فتتحول نعمة النسيان الى الطغيان، ولو علم الناس بما في الطغيان من نعم وليس من نعمة لتعّشقوه لكن الله يري الناس بعضا الفساد الذي صنعوه وتغافلوا عنه في غفلة من الزمن لبروا ويعلموا قيمة ما فقدوه من أمن وأمان وسكون كانوا يعدونه شرا وهو خير لهم بينما الخير الذي ظنوه فيما تمنوه من القادم من الأيام إنما هو شر مقيم ،وليس كالشر الزائل الذي زال عنهم وحاروا بعده بالشر المقيم الذي يأبى الزوال .
في بلاد مثل تونس ومصر واليمن وغيرها من بلاد ،تحولت أمنيات الناس الى عذابات وأحلامهم الى كوابيس بسبب السلوك المنحرف وطريقة الإدارة السيئة لشؤون الدولة والمجتمع في السياسة والاقتصاد والثقافة وسواها من مجالات حياة يعيشها الناس ويكتوون بها صباح مساء دون أن يرأف بحالهم أحد ،أو ينتبه لعذابهم أحد ، وكأنها قصيدة جديدة من نسج خيال شاعر يعيش في بيوت الصفيح ،أو عزب الزبالة في الضواحي البعيدة ويقول:
لا تكلم أحدا فليس من أحد
ولا تتوسل أحدا فليس من أحد
ولا ترجو أحدا فليس من أحد
مضى الجميع في حال سبيلهم ولم يبق منهم أحد
إلاك أيها المغفل .
كان عدد كبير من المصريين يعاني الجوع ويسكن المقابر، ولا يجد وظيفة ولا إحتراما لكنه اليوم أكثر عذابا وألما وحرمانا وأشد خوفا وهلعا من المستقبل ،وحتى النهر الذي كان وما يزال يجري من الجنوب ويخترق الجبال والوديان والصحارى إلى أن ينتهي في البحر المتوسط مهدد بالجفاف كما حصل معه أيام يوسف الصديق بعد أن تداعت دول الحوض المنتفعة منه لبناء السدود ،وهاهي أثيوبيا تهدد السودان ومصر ببناء سد النهضة العملاق لتوليد الكهرباء بينما الحقيقة إن المشروع برمته سيؤدي إلى حرمان المزارعين المصريين من حصص مائية تعودوها من آلاف من السنين ،وسيكون من الصعب الإيفاء بمتطلبات ملايين المواطنين الذين يزداد عددهم مع الزمن وهم بحاجة الى مزيد من الماء ،الرئيس محمد مرسي قال:" لن نسمح بأن تهدد قطرة ماء واحدة من مياه النيل" لكن محمد حسني مبارك لم يكن بحاجة لأن يهدد ويتوعد .
في تونس كما في سيناء تصاعدت المواجهات مع السلفيين وقتل جنود وأختطف آخرون ، بينما الحكومة التونسية تتخبط في قراراتها وإجراءاتها ،وهي في حيرة من أمرها بين الإسلام والعلمانية ،والحكومتان المصرية والتونسية اللتان جاءتا بعد حكمي بن علي ومبارك لم تقدما سوى المزيد من المشاكل والإحباطات والفشل.والأمر ينسحب على دول مثل اليمن وسوريا وبلدان عربية لا داع لذكرها لأسباب مرتبطة بطبيعة المناخ في الشرق العربي المغبر على الدوام. لذلك فالأغنية الأجمل والأكثر تأثيرا في النفوس هي ( نعمة الطغيان) .