نظام إدارة الأزمات.. كيف تواجه ألمانيا الكوارث الطبيعية؟
٢٥ يوليو ٢٠٢١كان مسؤولو الطوارئ المحليون في ألمانيا أول من أخذوا على عاتقهم إطلاق جهود الإنقاذ عندما اجتاحت موجة الفيضانات مناطق جنوب غرب البلاد الأسبوع الماضي.
بيد أنه بمرور الوقت بدى واضحا أن الكارثة الطبيعية كبيرة بحيث تفوق قدرة السلطات المحلية وهو ما ألزم وجود تنسيق على مستوى عال في تسلسل إدارة الكوارث والطوارئ في ألمانيا.
ومع اجتياح الفيضانات، تولى مسؤولو وهيئات إدارة الأزمات في المدن والبلدات المنكوبة زمام الأمور من التنسيق مع عناصر الشرطة ورجال الأطفاء وفرق الإسعاف للمساعدة في إنقاذ الأرواح إلى تقديم المساعدات إلى المتضررين جراء الفيضانات.
وفي حالة وقوع كوارث كبيرة، يمكن لحكام البلديات طلب المساعدة من المناطق الأخرى الأقل تضررا وأيضا بهدف تعزيز التنسيق وتضافر الجهود لمواجهة الكوارث فيما تدير جهود الإنقاذ الحكومة المحلية لكل ولاية. وتنقسم ألمانيا إلى 16 ولاية ولكل ولاية حكومة محلية فيها وزارات للشؤون الداخلية الخاصة بالولاية.
بيروقراطية إدارة الأزمة
لكن هذا الأمر يثير تساؤلات حيال متى تتدخل الحكومة الاتحادية (المركزية) في برلين، فبموجب النظام السياسي في ألمانيا، يُسمح للحكومة الاتحادية بالتدخل من خلال المكتب الاتحادي للحماية المدنية والمساعدة في حالات الكوارث (BBK) في حال فشلت السلطات المحلية وحكومات الولايات في إدارة الأزمة المترتبة على حدوث كارثة مثل الفيضانات.
بيد أن تدخل المكتب الاتحادي للحماية المدنية والمساعدة في حالات الكوارث (BBK) مشروط بإعلان المقاطعات والبلديات حالة الطوارئ.
وعلى وقع إعلان الطوارئ فقط، يمكن أن يشارك الجيش الألماني في جهود الإنقاذ أو يُسمح لقوات الشرطة الفيدرالية بحفظ الأمن وتطبيق القانون.
وتضم ألمانيا أيضا منظمة أخرى يُطلب منها بشكل متكرر التدخل حال إعلان حالة الطوارئ ووقوع الكوارث الطبيعية في ألمانيا وهي الوكالة الاتحادية الألمانية للإغاثة الفنية تُعرف اختصارا بـ (THW).
ويتمتع عناصر هذه الوكالة بالخبرة الجيدة ويمتلكون قدرات فنية عالية في تقديم مساعدات فعالة لا سيما عند وقوع الكوارث مثل الفيضانات والزلازل.
وتتألف الوكالة الاتحادية الألمانية للإغاثة الفنية من 80 ألف عنصر معظمهم بشكل عام من المتطوعين شبه المحترفين يعملون على إعادة تشغيل مرافق الكهرباء والمياه خلال الكوارث. ويمكن أيضا أن يشاركوا في عمليات الإغاثة خارج البلاد. وخلال أزمة الفيضانات الأخيرة في ألمانيا، نجح عناصر هذه الوكالة في الحيلولة دون انهيار السدود جراء الفيضانات.
جيش من المتطوعين والمتطوعات
ويعد العمل التطوعي جزءا من أعمال الإغاثة في ألمانيا خلال الكوارث حيث يتطوع الملايين في منظمات تطوعية مثل جمعية (أيه إس بي) الإغاثية الخيرية التي تُعرف بـ the Arbeiter-Samariter-Bund وكذلك الصليب الأحمر الألماني وجمعية "إنقاذ الحياة" الألمانية بالإضافة إلى العديد من الجمعيات الخيرية التابعة للكنائس مثل Johanniter Unfall Hilfe و Malteser Hilfsdienst.
وفي ولاية شمال الراين-ويستفاليا التي تعد أكثر الولايات الألمانية اكتظاظا بالسكان، يوجد قرابة 400 فرقة إطفاء تطوعية تعد جزءا من هيكل ومنظومة الولاية لمكافحة الحرائق الذي تضم بشكل أساسي 30 فرقة إطفاء محترفة بشكل كامل.
ووفقا للأرقام الحكومية، يوجد في ألمانيا أكثر من 1.7 مليون متطوع ومتطوعة منخرطين في أنشطة الحماية المدنية على أساس تطوعي ما يعني أنهم لا يتلقون أموالا مقابل عملهم.
انتقادات
تنعم ألمانيا بالعديد من الأنهار لذا فإن كل ولاية من الولايات الستة عشر تضم مراكز لمراقبة الفيضانات منوط بها مراقبة مستوى المياه في الأنهار والبحيرات. وتعد المهمة الرئيسية لهذه المراكز إطلاق تحذيرات بشأن وقوع فيضانات.
وتقوم لجان دولية بمراقبة مستوى المياه في المجاري والممرات المائية العابرة للحدود مثل نهر الراين.
أما خدمة الأرصاد الجوية الألمانية (DWD) فتقوم بالتنبيه بشأن الطقس، إذ تستخدم ثلاثة مستويات من الإنذار هي "الإنذار المبكر" و "التحذير المسبق" و"تحذيرات البلديات" المحددة.
ويتم نشر هذه التحذيرات والإنذارات بين الناس عن طريق تطبيق NINA للإنذار من الكوارث الذي قام بتطويره المكتب الاتحادي للحماية المدنية والمساعدة في حالات الكوارث (BBK). ويتم إبلاغ كافة المستخدمين في أي مكان في ألمانيا بشأن مخاطر حدوث فيضانات قرب أماكن تواجدهم. وخلال الكارثة الحالية، تبين أن القليل من الألمان قاموا بتحميل تطبيق NINA على هواتفهم.
وتعرض المكتب الاتحادي للحماية المدنية والمساعدة في حالات الكوارث، في الوقت الحالي للكثير من الانتقادات بسبب الطريقة التي تعامل بها خاصة فيما يتعلق بالتحذيرات العامة قبل وقوع الفيضانات العارمة التي اجتاحت ألمانيا، فيما تم إلقاء اللوم على رئيس المكتب أرمين شوستر في التأخر في الإبلاغ بوقوع الفيضانات إذا تم تحذيرهم بعد وقوع الكارثة.
وفي مقابلة إذاعية، رفض شوستر هذه الانتقادات، مؤكدا أن منظومة الانذار في المكتب الاتحادي تعمل بشكل جيد. وأضاف "لقد أرسلنا إجمالا 150 إخطارا بشكل متتالي في الفترة ما بين الأربعاء (7 يوليو / تموز) والسبت (10 يوليو/ تموز)".
وأشار إلى أن النشرات والتنبؤات الجوية الخاصة بخدمة الأرصاد الجوية الألمانية تكون "واضحة جدا" بشأن التحذير المسبق لمواجهة أي احتمالية لسقوط أمطار غزيرة. وأكد "لكن لا يمكن أن نحدد بشكل دقيق الأماكن التي سوف تتعرض للأمطار وكذلك مقدار هطول الأمطار وأيضا الفترة الزمنية لسقوط الأمطار".
إصلاحات
أما الاتصالات بين منظمات الإنقاذ في ألمانيا فتكون من خلال قنوات تختلف عن الإشعارات الفورية التي ترسل إلى الناس على هواتفهم.
وقامت الحكومة بإنشاء الشبكة الرقمية المتنقلة وتعمل على صيانتها بشكل مستمر وتغطي هذه الشبكة ما يقرب من 99 بالمائة من مساحة ألمانيا لضمان استمرار الاتصالات حتى إذا تعطلت البنية التحتية لشبكة الاتصالات بالكامل أو خرجت عن العمل.
كذلك تضم المباني العامة في ألمانيا فوق أسطحها أجهزة قديمة خاصة بإطلاق صفارات الإنذار التي تعود معظمها إلى حقبة الحرب العالمية الثانية وربما الحرب العالمية الاولى، لكن مؤخرا تم إزالة هذه الأجهزة بسبب ارتفاع تكاليف صيانتها.
وعلى وقع موجة الفيضانات الأخيرة، تعالت الأصوات إلى إعادة تشغيل أجهزة الإنذار القديمة رغم أن بعض الخبراء يرون أن أجهزة الانذار من هذا القيبل لن تكون ذا فعالية بسبب أنها تحتاج إلى كهرباء لتشغيلها فيما ينقطع التيار الكهربائي في الغالب عند وقوع أي كارثة.
من جانبه، قال أرمين شوستر - رئيس المكتب الاتحادي للحماية المدنية والمساعدة في حالات الكوارث – إن نظام الحماية من الكوارث في ألمانيا بحاجة إلى إصلاحات.
وكان شوستر قد تعهد بإجراء إصلاحات في هذه المنظومة بعد وقوع خلل في يوم الإنذار الوطني للطوارئ في مايو / أيار العام الماضي، فيما يتمثل البند الرئيسي لعملية الإصلاح في إعادة تشغيل صفارات الانذار القديمة التي لا تزال بحالة جيدة.
ووفقًا لمكتب الاتحادي للحماية المدنية والمساعدة في حالات الكوارث، فإن يوم الانذار الوطني يرمي إلى اختبار أنظمة الإنذار في ألمانيا وإعداد الألمان لما يجب القيام به حال إعلان حالة الطوارئ.
وقال شوستر "إننا لا نزال في الشهور الثلاثة الأولى من عملية الإصلاح، وأنا مندهش على نحو إيجابي بشأن مدى التزام حكومات الولايات فيما يتعلق بالإنفاق العام في إعادة تركيب صفارات الإنذار".
وتعهد شوستر بإعداد قائمة بالمناطق الألمانية المعرضة لخطر الكوارث بنهاية العام الجاري بهدف تحديد "الأوجه التي يجب الإنفاق عليها وكذلك مقدار هذا الإنفاق". وأشار شوستر إلى أن نظام الإنذار المبكر الجديد في البلاد سيضم استخدام صفارات الانذار وتطبيقات للهواتف الذكية.
توماس كولمان/ م.ع