مهاجرات عربيات في ألمانيا يتحدَين التقاليد ويعملن خارج البيت
٦ يوليو ٢٠١٢منذ الثورة الصناعية صار عمل المرأة إلى جانب الرجل مسألة طبيعية في ألمانيا، إذا لم يعد دور المرأة الألمانية يقتصر على تربية الأولاد والقيام بالأعمال المنزلية والعمل في الحقل. وبعد وصول الأفواج الاولى من المهاجرين العرب والمسلمين، الذين كانوا في غالبيتهم من الذكور، عملوا في مراحل لاحقة على استقدام زوجاتهم إلى ألمانيا، وكان دورهن لا يتعدى الأدوار التقليدية أي العمل في البيت ورعاية الأبناء. ومع مرور الوقت لم تعد مداخيل الرجال كافية لإعالة الأسر لأسباب مختلفة كالبطالة بسبب المرض أو إقفال العديد من المعامل والمعادن أبوابها بسبب الأزمات الاقتصادية أو استنفاد المواد الأولية كما هو حال معادن الفحم. ودفع هذا الوضع العديد من النساء إلى البحث عن عمل كعاملات نظافة أو كمساعدات في المطاعم أو كعاملات في المعامل بغية مساعدة الزوج في إعالة الأبناء.
حياة قايدو رمز المرأة المكافحة
تعمل حياة قايدو، ذات الأصول المغربية، في إحدى الشركات الألمانية وتنشط داخل جمعيات ومؤسسات الاندماج بمدينتها. وتعد قايدو نموذجا من نساء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين في ألمانيا، حيث يشكل عمل المرأة ضرورة ملحة بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها الدول الأوروبية. وبالاضافة إلى واجباتها كأم وزوجة داخل البيت، تكافح قايدو في ميدان العمل خارج البيت.
وعن تجربتها تقول قايدو في لقاء مع موقع DW " أنا أعمل لأنني أريد أن أحصل على المال والاستقلالية المالية عن زوجي، أريد أن أشتري ما أريد دون اللجوء كل مرة إلى الزوج، ولا أريد أن أبقى سجينة البيت ومعزولة عن العالم الخارجي". لكن قايدو تعترف أن المزاوجة بين الأسرة والعمل ليس سهلا، وتضيف أن "المرأة لديها موهبة للقيام بأعمال عديدة في نفس الوقت".
حواجز اجتماعية ودينية
أحمد، من أصول مغربية فضل عدم الكشف عن هويته، تزوج حديثا ويشتغل في أحد المعامل. في سؤال لـ DW إن كانت زوجته تعمل أيضا يجيب"لا، زوجتي لا تعمل ولن أقبل بذلك. أرفض أن تختلط مع رجال غرباء. العمل الطبيعي للزوجة هو داخل البيت". وفي سؤال لأحمد عن وجود فرص عمل خاصة بالنساء فقط دون ان يحدث ضرورة"الاختلاط بالرجال الغرباء"، أبدى تمسك بموقفه قائلا "عندما يعمل الرجل وتعمل المرأة ولا يجلسان مع بعضهما البعض إلا ساعات قليلة في المساء، هذا يدفع إلى التفكك الأسري ويذهب الأطفال ضحية لذلك". لكن حياة قيدو وانطلاقا من تجربتها تقول في هذا الصدد أن "أرباب العمل يتفهمون وضع الأمهات ويسمحون لهن بالعمل في الأوقات التي يتواجد فيها الأطفال في المدرسة أو في حضانة الأطفال".
والتقت DWعربية بفتاة تدعى سميرة (اسم مستعار) من أصول مغربية وسألتها إن كانت تعمل أم لا، فكان جوابها "للأسف لا، بالرغم من أنني تعلمت مهنة في مدرسة المهن الحكومية في مدينتي الصغيرة جنوب ألمانيا، إلا أن أبي رفض رفضا قاطعا أن أسافر إلى مدينة أخرى للعمل". وعن سبب المنع تضيف سميرة: "أبي وإخوتي لا يريدون أن أعيش بعيدا عن البيت، خصوصا وأنا لست متزوجة بعد. فهم يعتقدون أن الفتاة التي تعيش لوحدها وتذهب للعمل لن تجد زوجا محترما والبعد عن الأهل يجلب العار للعائلة".
رجال محافظون يُشغلون زوجاتهم معهم
لكن معارضة الرجال المحافظين لعمل زوجاتهن ليس مطلقا، ففي أغلب المدن الألمانية توجد مطاعم شرقية ومحلات لبيع المواد الغذائية الشرقية. وعندما تدخل إلى أحد هذه المحلات قد تجد رجلا أو امرأة في استقبالك. في مدينة بامبرغ الألمانية يوجد محل لبيع المواد الغذائية لعائلة سورية يتناوب أفرادها رجالا ونساء على تلبية رغبات الزبائن. واستخلصنا خلال جولة في العديد من هذه المحلات أن الرجال يرتاحون لعمل الزوجة أو الابنة عندما يكون ذلك في مشروع عائلي.
حوافز من أجل عمل المرأة
وفي حديث DW عربية مع طوبا أوزدن، الباحثة في العلوم السياسية في جامعة بامبرغ جنوب ألمانيا، تقول: " لكل شخص الحق في العمل، والمرأة إذا أرادت العمل فلا أحد من حقه الوقوف في طريقها". وعن أهمية عمل المرأة العربية والمسلمة تضيف أوزدن " عمل المرأة مهم جدا لاقتصاد الدول، لدعم العائلة ولتحقيق الاستقلالية المالية. فالعمل يزيد المرأة ثقة بالنفس، والنساء اللواتي لا يذهبن للعمل يعشن في عزلة ولا يتعلمن اللغة ولا يفهمن الثقافة الغربية التي يعشن فيها".
وترد أزدن على خطاب العائلات المحافظة التي تمنع النساء من العمل لأسباب دينية بالقول" ألم تكن خديجة زوجة الرسول محمد تاجرة. انها مثال حي يدل على أن عمل المرأة ليس عيبا ولا ذنبا. والمرأة وحدها هي التي من حقها ان تتخذ قرار الخروج إلى العمل من عدمه".
ومن جهتها تسعى الحكومة الألمانية إلى مساعدة النساء المهاجرات على الدخول إلى ميادين العمل من خلال تشجيعهن على تعلم اللغة الألمانية وتعلم المهن والحرف المختلفة أو انشاء مشاريع خاصة. واستنادا إلى بيانات حصلت عليها DW عربية من لدن المؤسسة الألمانية للمهاجرين والنازحين، فان النساء اللواتي يتحدثن اللغة الألمانية بطلاقة لديهن حظوظ أكبر للحصول على عمل جيد ومريح مقارنة مع النساء ذات كفاءات لغوية ضعيفة.
عبد الرحمان عمار
مراجعة: منصف السليمي