منظمة الشفافية الدولية: يداً بيد من أجل مكافحة آفة العصر
"الفساد هو سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق مكاسب شخصية". هذا هو نص تعريف منظمة الشفافية الدولية التي تعد أكبر منظمة غير حكومية في العالم للفساد. وقام بيتر آيجن، مدير البنك الدولي السابق، بـتأسيس هذه المنظمة غير الحكومة الفريدة من نوعها قبل عشرة سنوات، والتي أخذت على عاتقها محاربة الفساد بصفته آفة العصر الأولى.وتملك هذه المنظمة اليوم أفرعاً في أكثر من 100 دولة، ولذلك فهى تُعد "لاعباً عالمياًً" في مجال مكافحة الفساد الذي يُمثل وفق تقدير بيتر آيجن أكبر عائق أمام التطور الاقتصادي والديمقراطي في دول العالم بصورة عامة والثالث بصورة خاصة.
نشأة منظمة الشفافية الدولية
عَمل بيتر آيجن مديرا للبنك الدولي لمدة عقود طويلة، وأكسبته إقامته الطويلة في إفريقيا حساسية خاصة ووعياً بالتأثير الهَدّام للفساد، ولذلك قام في البداية بمحاولة مناقشة هذا الموضوع في إطار هيئة عمله داخل البنك الدولي. وفي هذا السياق أصبح جلياً أن الرأي السائد في ذلك الحين يقر بأن الفساد جزأً من "الثقافة الإفريقية" ولذلك يجب على الدول المانحة القبول به، وخيم العواقب، وخاصة إذا أخذنا المعطيات السياسية لصراع القطبين "الشرقي-الغربي" بعين الاعتبار. واستناداً إلى ذلك تم محاولة كسب النُخب الحاكمة في الدول النامية ومد جسور ربط وثيقة بينها وبين دول الغرب الصناعية، وذلك من خلال دفع مبالغ سخية لها وعدم فرض "شروط" تُقيد حرية حركتها. ونظراً لذلك فقد تم "تحريم" أية نقاش حول عمليات الاختلاس و"تشجيع" الفساد داخل البنك الدولي وتم تبرير ذلك بالتنويه إلى مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول المستقبلة للمساعدات.
وقد دفع الشعور بالوقوع في مأزق داخل المنظمة التي يعمل لها بيتر آيجن إلى ترك عمله في البنك الدولي في عام 1993 وتأسيس منظمة الشفافية الدولية ودفع خطاها إلى الأمام، يداً بيد مع أصدقائه وزملائه العاملين في مراكز قيادية في الاقتصاد وفي منظمات مساعدات التنمية. ولا تقوم منظمة الشفافية الدولية - بناءًا على منطلقها المبدئي- بالتشهير بحالات فساد فردية، بل تقوم باقتراح منافذ للخروج من هذا المأزق الواقعي، كما تقوم بتعليل وشرح هذا المبدأ وإثبات فاعليته استناداً إلى أمثلة من الحياة العملية.
أفكار وتصورات
قام الأعضاء المؤسسون لمنظمة الشفافية الدولية بتعريف دورها كعامل حَفاز - انطلاقاً من معرفتهم بأن خوف الشركات من فقدان فرص تنافسية هو الذي يدفعها إلى دفع الرشاوى- كالتالي:"هدف عملنا هو خلق مناخ قادر على جعل التعاون الشفاف ممكناً على أرض الواقع. فواجب منظمتنا لا يكمن في البحث عن مذنبين، بل في خلق وعي عالمي بحجم الأضرار التي تبلغ قيمتها البلايين والناتجة عن تأخر عملية التطور في المجال التعليمي وفي مجال البُنية التحتية للدول النامية. وفي نفس الوقت تهدف منظمة الشفافية الدولية إلى تحويل بؤرة الاهتمام إلى الكوارث البيئية والتنموية الناتجة كذلك عن ممارسة الرشاوى"
وبمقتضى مفهوم منظمة الشفافية الدولية فإن هيئة الرقابة المركزية لمكافحة الفساد، علي المستوى المحلي والعالمي، لا بد أن تكون ممثلة في المجتمع المدني، ولن يكون باستطاعة المواطنين الوفاء بوظيفة المراقبة هذه إلا إذا تم التأكد من تحقيق أعلى درجة من الشفافية في التعامل مع الأموال العامة. ويعد النشر على شبكة الانترنت إحدى الأساليب المألوفة في بعض الدول. ولا يُخفي بيتر آيجن أن الطريق لا يزالُ طويلاً، ولكنه يظهر لنا بمساعدة عدد من الأمثلة الإيجابية من بلاد مختلفة أنه تم تحقيق نجاحات باهرة على المستوى المحلي والعالمي.
نجاحات مُؤسساتية
تمخض عن عمل منظمة الشفافية الدولية في العشر سنوات الأخيرة مجموعة من أدوات وآليات ناجعة لمحاربة الفساد والتي تم تكييفها وتطوير عملها من قبل أفرع منظمة الشفافية الدولية لتتناسب مع طبيعة الاحتياجات على المستوى المحلى. "النزاهة" و"الشفافية" هما المفتاحان اللذان يدور حولهما كل شيء: فميثاق النزاهة يصف، في بداية عملية طرح مناقصة أحد المشاريع، اتفاقاً معلناً عنه بين صاحب التكليف والمُكلف (أو المرشح)، حيث يقوم كل المشاركين بإلزام أنفسهم بعدم تقديم أو قبول أية رشاوى ونشر كل المعلومات المتعلقة بعملية المناقصة. كذلك تم منع إجراء أية اتفاقات خفية بين مقدمي العروض، وتسريب معلومات سرية من قبل ممثلي الجهة الطارحة للمناقصة إلى مقدمي العروض. ومن لا يلتزم بهذه الشروط، يتم معاقبته بدفع غرامة مالية ووضع اسمه في قائمة سوداء، ولا يُسمح له في المشاركة في عمليات المناقصة المستقبلية.
رئيس منظمة الشفافية العالمية: الفساد آفة العصر
ويقول بيتر آيجن رئيس منظمة الشفافية الدولية في كتابه "شبكة الإرهاب"، الذي ترجمته دار قدمس للنشر والتوزيع في دمشق الى اللغة العربية، أنه توصل خلال عمله طوال ربع قرن في البنك الدولي إلى أن الفساد يمثل الشر الأساسي في عصرنا وانه حاضر في كل مكان ولا بد من مواجهته بشفافية تشمل العالم. واستهل آيجن كتابه بقوله:"الفساد يمثل الشر الأساسي في عصرنا وهو يكشف عن وجهه القبيح في كل مكان ويكمن في جذور كل المشكلات ذات الأهمية تقريبا أو يحول دون حلها على الأقل ويحدث اثاره المدمرة في مناطق العالم الفقيرة حيث يدع الكثير من ملايين البشر أسرى البؤس والفقر والمرض والصراعات وأشكال الاستغلال الوحشية المتجبرة." وفي تقديمه للكتاب أشاد الرئيس الألماني السابق ريتشارد فون فايتسك بعمل المنظمة قائلاً:"التصدي للفساد لا يعني فقط التلويح بالهراوات الاخلاقية في وجهه كي نجعل من أنفسنا قديسين... ولكن هذا يقتضي وقف الاستغلال الاناني للسلطة ومساعدة الضعفاء على استغلال الفرص التي تتوافر لهم."
لؤي المدهون