ملف التعذيب تركة ترثها حكومة الإسلاميين في المغرب
١٠ ديسمبر ٢٠١١سلط تقرير حقوقي جديد الضوء مجددا على ظاهرة التعذيب في السجون و مراكز الشرطة المغربية، حيث قدمت الرابطة المغربية لحقوق الإنسان خلال ندوة عقدت في الرباط أياما قليلة قبل اليوم العالمي لحقوق الانسان، تقريرا عن وضعية حقوق الإنسان في المغرب، أشار إلى أن التعذيب في المغرب "مازال يمارس بشتى الوسائل في مراكز الاستنطاق لدى الأمن وفي العديد من السجون المغربية".
وتباينت تقديرات الحقوقيين المغاربة لحقيقة ظاهرة التعذيب في المغرب، الذي يشهد إصلاحات في ظل الربيع العربي، فبينما يقول عبد الإله بن عبد السلام نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان، في حوار مع دويتشه فيله "التعذيب مازال مستمرا في المغرب بسبب غياب دولة الحق والقانون وحماية مرتكبي جرائم التعذيب".يرى مصطفى الرميد رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، والعضو القيادي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي، ان "التعذيب تراجع في المغرب".
وتعتزم المنظمة الحقوقية تقديم تقريرها إلى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في جينيف، وذلك بعد أسابيع من طلب تقدمت به لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة إلى المغرب بخصوص جعل جريمة التعذيب غير قابلة للتقادم، منتقدة بعض الممارسات الغير قانونية في حق المعتقلين وأعربت اللجنة عن "قلقها"إزاء بعض الإجراءات القائمة حاليا والمتعلقة بالتعذيب وخصوصا "إمكانية العفو عن مرتكبي جرائم التعذيب".
التعذيب مستمر في المغرب
واعتبر حقوقيون شاركوا في ندوة الرباط أن "المغرب لم يحقق شيئا فيما يخص الحد من التعذيب منتقدين استمرار الاعتقال السياسي والاختطافات القسرية.ويقول عبد الإله بن عبد السلام نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان، في حوار مع دويتشه فيله "التعذيب مازال مستمرا في المغرب بسبب غياب دولة الحق والقانون وحماية مرتكبي جرائم التعذيب".ويؤكد بن عبد السلام أن منفذي عمليات التعذيب سيستمرون في ممارساتهم لأنه بكل بساطة لا تتم معاقبتهم أو متابعتهم قضائيا ويعزو الحقوقي المغربي ذلك إلى "أنهم ينتمون إلى أجهزة أمنية قوية هي نفسها من تأمر بهذه الممارسات"ويقارن الناشط الحقوقي بين المغرب ودول أخرى قائلا"التعذيب يمكن أن يحصل كذلك في دول متقدمة وديمقراطية، لكن الفرق يكمن في أن مرتكبيه في تلك الدول يعاقبون وهو ما لا يحدث في المغرب للأسف".
وبخصوص الجهود والوعود التي تقدمها الحكومة المغربية بخصوص التخفيف من هذه الظاهرة يعتبر بن عبد السلام أن "الخطاب شيء والواقع شيء آخر"بدليل أن "مراكز التعذيب مازالت موجودة والتعذيب مازال يرتكب" حسب قوله.
التقرير المذكور والذي سيسلم إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف في إطار متابعته الدورية الشاملة لوضعية حقوق الإنسان بالمغرب، انتقد كذلك ما يقع في السجون المغربية من سوء معاملة المعتقلين وحرمانهم من الدراسة والتطبيب ومنع الجمعيات الحقوقية من زيارة أماكن الاعتقال بالإضافة إلى استمرار عقوبة الإعدام.
يشار إلى أن المغرب صادق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وهو ما سجله التقرير ب"ارتياح".غير أن اللجنة الأممية طالبت المغرب بموجب تعهداته الدولية بأن يضمن التحقيق وملاحقة مرتكبي عمليات التعذيب أو من يشاركون فيها أو يحاولون ارتكابها "دون أي إمكانية للتأجيل".ويعتقد حقوقيون أن قانون مكافحة الإرهاب الذي أقره المغرب قبل ثماني سنوات عزز ممارسات التعذيب في المراكز والمعتقلات المغربية.
قصة "بريء" تعرض للتعذيب
فقبل أزيد من عام من الآن تم اعتقال ثمانية أعضاء من جماعة العدل والإحسان الأصولية المحظورة في مدينة فاس بتهم منها احتجاز محام في فاس وتعذيبه مع اتهامه بالعمل لصالح الأجهزة الأمنية المغربية وكذا الإنتماء إلى جماعة غير مرخص لها. وقالت الجماعة حينها إن السلطات المغربية أضفت طابعا سياسيا على القضية واختطفت المتهمين وعذبتهم قبل إحالتهم إلى قاضي التحقيق.
عبد الله بلة واحد من هؤلاء المتهمين يحكي قصة "تعذيبه"لدويتشه فيله قائلا "المحامي المذكور كان متعاطفا مع الجماعة في فاس قبل أن ينضم إليها ثم اكتشفنا فيما بعد أنه يعمل لصالح جهات خارجية فطلبنا منه الانسحاب من الجماعة".ويضيف بلة أن الأجهزة الأمنية المغربية التي "كان يعمل لصالحها، بمجرد علمها بالقصة قامت بفبركتها وطلبت منه أن يدعي بأننا اختطفناه وعرضناه للتعذيب والإحتجاز"وبعد أن اعتقلتهم الشرطة تم اقتياد عبد الله ورفاقه إلى الدار البيضاء للتحقيق معهم وهناك "ذاقوا مختلف أصناف التعذيب" لمدة ثلاثة أيام متتالية كما يقول.
ويحكي عبد الله بمرارة عن لحظات ستبقى بذاكرته إلى الأبد "لقد تم تعذيبنا تارة بالكهرباء وتارة أخرى بالماء، كما تعرضنا للضرب المبرح في مختلف أنحاء الجسد...".ويقول إن بعض رفاقه "تعرضوا للاغتصاب بواسطة أدوات حادة".وأضاف عبد الله أنه بالإضافة إلى التعذيب فقد تم حرمانهم من التطبيب وقضاء أمورهم الإدارية.هذه الإتهامات التزمت حيالها السلطات المغربية الصمت آنذاك.
قضية عبد الله لم يحسم فيها بعد، فبعدما حكمت المحكمة الابتدائية بالبراءة لصالحهم استأنفت النيابة العامة الحكم ومازالت القضية قائمة.يقول عبد الله الذي يعمل أستاذ للغة العربية إنه منع ورفاقه إلى حد الآن من العودة إلى مزاولة وظائفهم رغم تبرئتهم من طرف المحكمة كما أنهم لم يحصلوا على تعويض أو حتى اعتذار عن التعذيب الذي تعرضوا له.ولم يتسن لدويتشه فيله التأكد من هذه المعلومات.
الحكومة الجديدة وتركة التعذيب
ويقلل عبد الله من تأثير فوز حزب العدالة و التنمية الإسلامي على مسألة التعذيب في المغرب قائلا:"العقلية المتحمكة في المغرب تعمل خارج الإدارات و الوزارات وبعض الأجهزة تعمل فوق القانون".ويضيف عبد الله "وزارة الداخلية تتجاوزها بعض الأجهزة الأمنية رغم أنها جزء منها، وذلك لأنها تتلقى تعليمات مباشرة من جهات عليا".
لكن المحامي مصطفى الرميد، العضو قيادي في حزب العدالة والتنمية يعتبر أن "التعذيب تراجع في المغرب"، ويقول الرميد الذي يشغل أيضا رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان لدويتشه فيله "كانت هناك أخبار مؤكدة عن حصول التعذيب في بعض المعتقلات، لكن الظاهرة تقلصت في الآونة الأخيرة بدليل أن المنتدى لم يتلق شكايات بهذا الخصوص منذ شهور".ويشير الرميد إلى أن هناك شكايات من طرف سجناء مغاربة وهذا الأمر "تسائل عليه الإدارة المشرفة على السجون بالإضافة إلى ضرورة التأكد من الشكايات".
وفي سياق حديثه عن الخطوات والتدابير التي يتخذها حزبه بخصوص هذا الموضوع يقول الرميد:"لاشك أننا نعتبر التعذيب إحدى الممارسات التي يجب القطع معها نهائيا، ونحن سنتخذ كافة الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك ".
واردف الرميد قائلا"لن أقول إننا سنقضي نهائيا على هذه الظاهرة لكننا سنبذل كل الجهود لذلك، ومما يساعد على هذا الإنتقال الديمقراطي الذي يمر به المغرب وحيوية المجتمع المدني بالإضافة إلى دور الضحايا في فضح هذه الممارسات".
سهام أشطو- الرباط
مراجعة: منصف السليمي