في الذكرى الرابعة للثورة ما هي فرص نجاح اليسار المصري
٢٨ يناير ٢٠١٥يعاني اليسار في مصر من حالة ضعف خاصة على المستوى التنظيمي في ظل الإنشقاقات الداخلية وعدم قدرته علي الإنضواء تحت حزب واحد، وأيضا لأنه لازال أسير فكرة قدرته على قيادة المعارضة، والتي تغيًرت مع تغًير الأنظمة السياسية، خاصة بعد 30 يونيو. اليساريون لم يحسنوا استغلال 25 يناير، حيث إنهم فشلوا بعد 4 سنوات من إحداث تغيير في طبيعة عملهم الثوري، الذي يتطلب آليات مختلفة في الحراك الثوري مثل رفض التنسيق مع حركة الإخوان المسلمين، التي تخلت عنهم بعد الوصول إلى سدة الحكم.
والأنكى من كل ذلك أن بعض ساند النظام الراهن، في الوقت الذي رفض فيه جزء كبير منهم هذه الخارطة التي أدت إلى إقصاء الإخوان المسلمين من المشهد السياسي والتنكيل بهم باسم محاربة الإرهاب. وجاء مقتل الصحفية شيماء الصباغ، التي تنتمي إلى حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الذي وافق على الدخول في معترك العملية السياسية. وقد كان ذلك بمثابة جرس إنذار لليسار لتنحية الخلافات، غير أن قدرته على تحدي الصعاب مازالت قيد الاختبار.
اليسار يستقطب الشباب
في حديثها مع DWعربية تميًز هند أحمد زكي، ناشطة نسوية يسارية بين اليسار كتنظيم وكموقف. وتعتبر أن اليسار تنظيماً شهد تشرذما خاصة بسبب موقفه من 30 يونيو. أما على مستوى الفكر فلم يعد يشمل مواقف التيار اليساري الكلاسيكي، كما تقول.
واعتبرت أيضاً أن اليسار فكرياً يهدد النظام، بسبب انتماء عدد كبير له وتناوله لقضايا كثيرة باتت تجذب اهتمام الشباب مثل الحريات الدينية وحقوق المرأة نتيجة ارتفاع سقف الحوار. ورغم قدرة اليسار على استقطاب الشباب، ترى زكي أن اليسار غير قادر على ترجمته تنظيميا أو سياسيا. وشدًدت زكي على أن اليسار يواجه سؤالا عاما خاصة بعد 30 يونيو، وهو كيف يمكن مواجهة إغلاق المجال السياسي بمواقف موحًدة.
مقتل الصبًاغ قد يوحد اليسار
ترى الناشطة زكي أن مقتل الصحفية شيماء الصبًاغ في الذكرى الرابعة من ثورة 25 يناير، يطرح أسئلة كثيرة ترتبط بمستقبل اليسار"ولكن هذه المرة بجدية أكبر". وأضافت: "سيكون هناك نوع جديد في التعامل مع الأحزاب التي بدأت تبلور موقف عدم خوض الانتخابات البرلمانية رداً على مقتل شيماء". ولكنها في الوقت نفسه اعتبرت أن مقتل الصبًاغ لا علاقة له باليسار بقدر ما هو عبارة عن خرق لخط أحمر، لاعلاقة له بالنزول إلى الشارع.
وعبر الباحث في المجال السياسي، باسم السمرجي، الذي ينتمي إلى اليسار أيضا، عن اعتقاده أن مقتل الصباغ كان يستهدف اليسار، مشدداً على قيام النظام الراهن - ومن قبله الإخوان المسلمين- عمدا ب "شيطنة اليسار". كما عبر عن أسفه على استمرار وجود النزعة الدينية ضد اليساريين، رغم حدوث انفراجة في ثورة 25 يناير.
ويرى السمرجي أن اليسار في مصر بات أفضل مما كان عليه قبل ثورة 25 يناير من حيث العدد، ومع ذلك ظهرت مشكلة أخرى تتجلى في "غياب نقاء المجموعة"، حسب السمرجي. وأوضح ذلك قائلاً: "زمان كان اليساريون يعرفون بعضهم البعض وكانت لغتهم واحدة، أما الآن فالوضع اختلف بسبب كثرتهم".
هل يقود اليسار ثورة ثالثة؟
ودعا السمرجي في حديثه مع DWعربية إلى تأسيس تنظيم قادر على مخاطبة جمهور اليسار وتصحيح الأفكار الخاطئة داخل اليسار. وقال إن "النتيجة هي الاستيلاء على السلطة من خلال ثورة ثالثة".
بينما يعتبر ، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع، أنه كان من المفترض أن يتمتع اليسار وباقي القوى السياسية بوضع أفضل بعد 25 يناير بسبب كسر القيود الأمنية. ولكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، حسب عبدالرازق. وأضاف قائلا: "قيادات اليسار ظلت تتحرك وتتصرف وكأن هناك قيود أمنية مفروضة عليها ولم تحاول النزول إلى الشارع الذي كان متاحاً لها قبل صدور قانون التظاهر".
ويتحفًظ الدكتور حسين عبدالرازق في حواره مع DWعربية على فكرة وجود تشرذم داخل اليسار، منوهاً بفكرة تعددية اليسار في العالم وعدم افتراض انضواء اليساريين في حزب واحد فقط.
كما يرفض بشدة وجود فراغ بين أجيال الشباب موضحا أن "داخل كل تيار هناك تباينات". ونفى الدكتور حسين عبدالرازق تعرض اليسار لاضطهاد من قبل النظام الراهن، بحكم انحياز اليسار لقضايا اجتماعية واقتصادية تمس حياة المواطن.
"ليس اليسار بديلا"
في نظرة تحليلية للموضوع، يرى الباحث السياسي أحمد عبدالعليم أن اليسار مازال ضحية مأزقه في الماضي، سواء من حيث طرحه على أرض الواقع أو بالنسبة للرؤى المستقبلية. اليساريون غير موجودين بشكل فعّال في الساحة المصرية خلال الأربعة أعوام الأخيرة، كما يلاحظ ويضيف: "حتى عند قيام ثورة يناير لم يتمكنوا من حشد الناس، بل كانوا ضمن مَن شاركوا. وحتى بعد ثورة يناير لم يتغير الوضع كثيرًا". واستدرك قائلا: "لم يكن لهم تواجد حقيقي في المؤسسات السياسية، وتجلى ظهورهم في بعض البرامج التلفزيونية عبر رئيس حزب التجمُّع اليساري".
ويعتبر المتحدث أن اليسار لم يكن قادرا على تقديم نفسه كبديل خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يفسًر قلة عدد المنضمين له بشكل عام، ومن بين الشباب بشكل خاص. وأستطرد قائلاً: " ليست النزعة الدينية لدى المصريين هي السبب في افتقاد اليسار للقدرة على الحشد. فلو كان الأمر مرتبط بالنزعة الدينية لشكل انقلاب المصريين على جماعة الإخوان المسلمين قوة دفع هائلة لليسار المصري من أجل اجتذاب المواطنين".
أمًا عن علاقة اليسار المصري بالنظام القائم، فيرجًح عبدالعليم في حواره مع DWعربية أنها علاقة غير صدامية. وعزا ذلك إلى عدم قدرتهم على مناطحة النظام السياسي، أو امتلاكهم لأوراق ضغط تجعلهم خصوما للنظام السياسي القائم، على خلاف الإخوان وفعاليتهم وقوة تنظيمهم وقدرتهم على الحشد في الأقاليم.
وعبرعبدالعليم في ختام حديثه عن اعتقاده أن استشهاد شيماء الصباغ لن يحرَّك شيئا في اليسار المصري، عدا بعض التصريحات الخطابية الرنانة والتنديدات، دون أن ينعكس ذلك على حراك فعلي في الشارع. وبالتالي، فإن اليسار المصري يحتاج، حسب عبد العليم، إلى وقفة من أجل بحث أسباب بعده عن الشارع وكذلك إلى مراجعة حول مدى صلاحية الأفكار المطروحة.