مصر: حب للوطن وكراهية ضد الأجانب!
٩ نوفمبر ٢٠١٣منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي تعيش مصر موجة وطنية عارمة، حيث يرفرف العلم الأحمر والأبيض والأسود مع النسر الذهبي في العديد من الشرفات. وبالإضافة إلى ذلك فأن الإعلام الداخلي يلعب دورا كبيرا في تعزيز الشعور بالانتماء الوطني والفخر بالهوية الوطنية. ومثال على ذلك المحطات الإذاعية، التي تجد في كل مناسبة فرصة لتقديم الأغاني الوطنية. إلا أن هذا الكبرياء الوطني المتزايد له انعكاسات سلبية وجانب مظلم في ما يتعلق بتعامل بعض المصريين مع الأجانب، حيث أن هناك تزايد ملحوظ في العداء للأجانب، بما فيهم القادمون من الدول الغربية. ففي أيلول/ سبتمبر الماضي قتل مواطن فرنسي في ظروف غامضة بسجن في القاهرة، كما أقدم مواطن أمريكي في الشهر الماضي على شنق نفسه في زنزانته. و كان قد ألقي القبض عليهما بسبب خروجهما إلى الشارع خلال فترة حظر التجول التي فرضها الجيش المصري. وعلاوة على ذلك فإن العديد من الأجانب وجدوا أنفسهم وراء القضبان لمدة أسابيع دون توجيه اتهامات محددة لهم.
هذه الأخبار، التي تنشرها وسائل الإعلام الدولية تزيد من تأزم وضع القطاع السياحي، الذي يعاني منذ ثورة 25 يناير من أزمة حادة. ومن أجل إنقاذ هذا القطاع من المزيد من التدهور يقوم بعض العاملين في هذا المجال من التقليل من حدة هذه الاعتداءات، ومن بينهم عمر، الذي يعمل كمرشد سياحي في القاهرة، حيث يقول: "هناك عدد قليل جدا من الحوادث. نحن نتحدث عن ثلاثة، أربعة أو خمسة أجانب قتلوا. ويستدرك عمر في حديثه مع DW:" قد يكون الوضع متوترا قليلا منذ أن انتشر الحديث عن دعم جهات أجنبية لبعض الجماعات السياسية في مصر". ويتحدث عمر هنا عن نظرية المؤامرة السائدة في مصر، والتي تتهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بتمويل ودعم جماعة الإخوان المسلمين.
تزايد العداء للأمريكان
ويوجه الكثير من المصريين غضبهم وعداءهم للولايات المتحدة الأمريكية. وخاصة بعد أن قامت إدارة أوباما بخفض مساعداتها للجيش المصري الشهر الماضي، حيث أصبحت فئة عريضة من المجتمع المصري على قناعة بسوء نوايا السياسية الأميركية إزاء بلادهم. وهذه الكراهية تعكسها أيضا بعض الملصقات واللافتات، حيث وضع خط أحمر على وجه أوباما أو السفيرة الأمريكية في مصر.
أما من الناحية الاقتصادية فلا يجد المصريون في معاداة الولايات المتحدة عواقب وخيمة على القطاع السياحي مثلا، حيث لا تتعدى نسبة السياح الأمريكيين، الذين يزورون مصر سنويا، ثلاثة في المائة. وهو ما يؤكده المشرفون على بعض الفنادق في القاهرة، الذين يقولون أنهم ليسوا بحاجة للضيوف من الولايات المتحدة الأمريكية. وبدلا من ذلك يعبرون عن استيائهم من وسائل الإعلام الأجنبية، التي يتهمونها بتهويل الوضع السياسي في مصر. وهو ما تشاطره مادلين فتحي، مديرة فندق غراند رويال، حيث تقول: "يقولون إن البلاد ليست آمنة، وهناك حظر التجول في القاهرة، لا تذهبوا إلى هناك". ولكن حسب رأي فتحي فإن: " الوضع الآن أفضل، وهناك المزيد من الأمن مما كان عليه الحال من قبل".
الخوف من التحرش الجنسي
وتعطي وسائل الإعلام الدولية عبر تقييمها للوضع انطباعا يؤكد على تزايد العداء للأجانب في مصر. وهي تستند في ذلك أيضا على بعض تجارب الأجانب في عين المكان. هذا الانطباع السلبي تؤكده أيضا دراسة جديدة بتكليف من بنك HSBCالبريطاني، حيث تحتل مصر المركز الأخير من حيث جاذبية البلاد للوافدين من الدول الغربية.و تعتبر الكراهية المتزايدة للأجانب من بين أهم الأسباب في ذلك. هذا وقد اعتمدت هذه الدراسة في تقييمها على إجراء مقابلات مع 7000 من العمال المهاجرين في 37 بلدا.
وعلاوة على ذلك فإن صورة مصر تأثرت مؤخرا بشكل كبير من تزايد عدد الاعتداءات والتحرش الجنسي. ففي فترة الاحتجاجات، التي استمرت لأسبوع في صيف هذا العام، والتي تم فيها الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، تم تسجيل أكثر من 100 حالة تحرش جنسي وسط القاهرة، بما في ذلك العديد من حالات الاغتصاب الجماعي. وكان من بين الضحايا بعض المراسلات الأجنبيات. وهو ما دفع العديد منهن، منذ ذلك الحين، إلى تجنب المظاهرات الحاشدة.
معاناة اللاجئين السوريين في مصر
وفي الوقت الذي يشتكي فيه العديد من الأجانب الغربيين من الجو المفعم بالعدائية لهم في مصر، تبقى الاعتداءات المباشرة ضدهم تشكل استثناءا كبيرا. ولكن الوضع يختلف عند حوالي ثلاثمائة ألف من اللاجئين السوريين الذين يقيمون في مصر. فمنذ مشاركة بعضهم في الاحتجاجات التي قادها الإسلاميون، يتم وصفهم بأنهم "الطابور الخامس لجماعة الإخوان المسلمين". وعلى خلفية ذلك قامت السلطات المصرية منذ آب/ أغسطس باعتقال أكثر من 800 من السوريين، منهم العديد من الأطفال.
وكما هو الحال بالنسبة للعداء تجاه الغربيين، تساهم الاعتداءات على اللاجئين السوريين في تشويه صورة مصر. وعلى الرغم من اقتناع معظم المصريين بأن السوريين ينافسونهم في سوق العمل، إلا أن الاقتصاد المصري قد استفاد من اللاجئين السوريين، خاصة وأن معظمهم ينتمي إلى الطبقة الوسطى وذي مستوى تعليم جيد وخبرة كبيرة في العمل.
ومن جهته يقوم محمد أبو سليم، الذي يعمل في جمعية "التضامن" للمساعدة المصرية، بحماية اللاجئين السوريين من الاتهامات الموجهة لهم بدعم الإسلاميين، حيث يقول: "أعتقد أنهم يفعلون ذلك دون نية مسبقة. إنهم هاربون من حالة كارثية ولا يفكرون في الأمر. ولكنهم يدفعون الضرائب وهذا أمر جيد."
وحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن اللاجئين السوريين قد استثمروا أكثر من ملياري دولار أمريكي في الاقتصاد المصري، إلا أن مئات الشركات السورية وجدت نفسها مجبرة على الإغلاق بسبب العداء المتزايد في الأشهر الأخيرة.