1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مصائر الأحصنة في العراق

١٨ نوفمبر ٢٠١١

يخط الكاتب هادي جلو مرعي تأملاته حول العلاقة بين الفارس والجواد ، عبر قراءة لتاريخ قادة العرب المعاصرين ، وينطلق الكاتب من هذه القراءة لينظر في مصير الخيل عموما في العراق حيث لم يعد عصر البرمجيات والسيارات يصلح للفروسية.

https://p.dw.com/p/Rx7P
هادي جلو مرعي يمتطي صهوة حصان الهمه كتابة مقال عن افول عصر الخيلصورة من: privat

حاول سياسيون عراقيون كثر بعد العام 2003 تقليد صدام حسين في حركاته وسكناته وسلوكياته، لكني لم أعرف أبدا سياسيا قلده في ركوب الأحصنة، وربما كانوا فرسانا بلا جياد على غرار المسلسل التلفزيوني الذي أهداه الممثل الكوميديان محمد صبحي لزعيم الأمة.

علقت في ذاكرتي صور لزعماء امتطوا صهوة أحصنة أصيلة، وذهبوا وبقيت الأحصنة، وكأني اسمع لصدى صهيل حصان ينادي جماعة الخيول معلقاً على تساقط الزعماء العرب واحداً بعد واحد: يذهبون ونبقى. لكني لست متأكداً من صحة إدعاء ذلك الحصان، فليس من دليل على بقائه، وآخر الأحصنة في العراق وجدته وامتطيته، ثم تأكد لي إنه لا يصلح ليرتقيه (فارس مثلي)، ولا يمكن الإفادة منه سوى لبعض الأعمال، كجر عربات بيع أسطوانات الغاز، أو عربات النفط الأبيض، و يخيل لي إن الحصان الذي امتطاه زعيم الأمة وفارسها في ساحة الاحتفالات الكبرى ،ومر به من تحت قوس النصر، في عهدة مواطن جنوبي بضواح بغداد، يجر له عربة يبيع بها النفط.

"مغاني الشعب بمنزلة الربيع"

في أيام الطفولة غادرت مع أهلي، وكنا نسكن مؤقتاً في قرية على شاطئ نهر، وكانت البساتين كما وصفها الشاعر:

مغاني الشعب طيباً في المغاني..... بمنزلة الربيع من الزمان.

والشعب بكسر الشين مساحة خضراء مونقة بين مرتفعين.

غادرنا القرية عند المغيب، وكان شيخ طاعن في وداعنا، وضعني على حصانه لمسافة، ثم عاد الى بستانه، وكان كبير القرية، الأكيد إنه في العالم الآخر الآن.

كان ذلك حدثاً مهماً، فهي المرة الأولى التي أكون فيها على ظهر حصان.

تفقد الخيول حضورها في بلاد الرافدين عاماً بعد آخر، وربما انقرضت في غضون سنوات قلائل ،وقد يأتي اليوم الذي يتم الإعلان فيه عن انقراض حتى الدجاج ،والكلاب ،والقطط، باستثناء العقارب والحيات القاتلة. وكل ذلك يعود لولهنا بتدمير الطبيعة، وانعدام الرغبة في التعايش حتى مع الحيوانات.

كان الشاعر يغني:

أعز مكان في الدنى سرج سابح....... وخير خليل في الزمان كتاب.

الحصان لم يعد له مكان، والكتاب أهملناه.

يا إلهي.

قد نضطر الى السفر علنا نرى حصاناً ونمتطيه، وربما يدخل هذا الحيوان في دائرة الآثار المطوية، ولا نعود نذكره إلا كما نذكر مسلة حمورابي، والحدائق المعلقة التي بناها (المحتل السوري) نبوخذ نصر في بلاد الرافدين.!

وربما نستخدم التماثيل لننصبها في ساحات بغداد بأشكال من الخيول، أو نزور ساحة الملك فيصل قرب مبنى الإذاعة العراقية لنر روعة التصميم الذي عليه جسد الملك الصريع بلباسه البدوي ،وهيكل حصانه الأصيل.

في دول الخليج، وفي أوربا، وأمريكا اللاتينية، تقام المسابقات الخاصة بجمال الخيول، وسباقاتها ويجري الاعتناء بها في مزارع خاصة كما في الريف الإنجليزي، إلا في العراق حيث الأحصنة تجر العربات، الملئى بأسطوانات الغاز، وخزانات النفط الأبيض أيام الشتاء، وتبدو أجسامها كأنها محنطة، وتظهر أضلاعها، وكأنها تمضي إلى حتفها. وداعا أيتها الأحصنة، فمصيرك في بلادي كمصيري ومصائر الناس. وداعاً.

هادي جلو مرعي

مراجعة ملهم الملائكة