مساجد ميونيخ بين العزلة والانفتاح على المجتمع
٣ ديسمبر ٢٠١٣هل فعلا أصبحت مساجد المسلمين في ميونيخ تعيش في عزلة ولا يربط بينها وبين الجيران الألمان أي تجاوب أو ود؟ ولماذا ينظر لها بعض الألمان أحيانا بشك وريبة؟ لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بشكل قطعي ومحدد، فهناك بالفعل مساجد في ميونيخ معزولة كالتي تقع في شقق سكنية صغيرة أو في أقبية تحت الأرض أو في مصانع مهجورة بعيدة عن الأحياء السكنية، كما أن هناك أيضا مساجد تلقي نوعا متحفظا من الترحيب كالتي تقع في مناطق أغلبية سكانها من المسلمين، وهناك نوع ثالث من المساجد منفتح بشكل أكبر على المجتمع الألماني وتربطه علاقة رسمية بالسلطات كالمركز الإسلامي في ميونيخ.
مساجد صغيرة وأخرى كبيرة
المساجد التركية على سبيل المثال تقع في أحياء غالبية سكانها من الأتراك وهي اكبر جالية إسلامية في المدينة تمتلك مشاريع تجارية وعقارات في قلب ميونبح ،لذلك فهي بعيدة عن الاحتكاك المباشر مع الجيران الألمان، يشرف عليها ويديرها أفراد من الجالية التركية، وفي هذا الإطار يقول عيسي ديميريل من المسجد التركي في شارع شفانتلرشتراسه "نحن قوم مسالمون نمارس شعائرنا في سلام وننصرف بعدها إلى منازلنا". أما الدكتور أحمد خليفة مدير المركز الإسلامي في ميونيخ فيوضح "لسنا معزولين في المجتمع ونحن نمارس شعائرنا الدينية في إطار حقوق ممارسة العقائد التي نص عليها الدستور الألماني بالسماح للديانات الأخرى بحق إقامة دور العبادة" مضيفا أن المركز الإسلامي في المدينة مفتوح للجميع ويزوره باحثون ودارسون من كل الجنسيات.
من جهة أخرى يقول إمام مسجد الجالية الاريترية الواقع في احد شوارع وسط ميونيخ الضيقة إن المسجد عبارة عن شقة من غرفتين وصالة تقع في عمارة سكنية، وهناك عدد كبير من المصلين العرب يفدون على المسجد لموقعه في وسط المدينة وكذلك لأن خطبة يوم الجمعة تكون باللغة العربية، ويقول إن العلاقة التي تربطهم بالجيران الألمان هي علاقة طيبة ،أما شكوى الجيران فهي تتلخص قي الأصوات العالية التي تخرج من المسجد، والآذان بصوت مرتفع، أو ترك الأحذية خارج عتبات المسجد، والضوضاء التي تحدث من المصلين خارج المسجد بعد انقضاء الصلاة.
تحفظ على بناء مزيد من المساجد
تختلف مواقف الألمان اتجاه بناء المزيد من المساجد بين التسامح والتشدد، إلا أن المعارضة الأكثر ظهورا في ميونيخ يمكن رصدها في وسط المدينة أثناء المظاهرات التي تنظمها بعض الجماعات المتشددة، وفيها ترفع اللافتات تربط بين الإسلام والإرهاب. كما يتم جمع التوقيعات بغرض غلق المساجد لمنع ما يضفونه ب"أسلمة ميونيخ" حفاظا علي هوية بافاريا المسيحية. إلا أنه لا يمكن وصف كل من يعارض بناء المساجد بالمتشدد، فهناك من لا ينظر بعين الرضا لاكتساح دور العبادة للأماكن العامة في دولة فيها فصل تام بين الدين والدولة. كما أن هناك البعض الآخر الذي يرى في انغلاق بعض المسلمين على أنفسهم عائقا أمام اندماجهم في المجتمع الألماني.
في قلب إحدى المظاهرات اقتربت من احد الناشطين المعارضين الذي علق على ظهره لافته كبيرة يعترض فيها على بناء مساجد في ميونيخ، سألته لماذا يرفض أن يقيم المسلمون شعائرهم في دور العبادة الخاصة بهم؟ رد قائلا بأن المساجد هنا تهدد هوية ولاية بافاريا المسيحية، وأنها تعتبرا أوكار للإرهابيين ويجب غلقها، لكن على الجانب المقابل تقف مجموعة أخرى من الشباب الألماني يحمل احدهم لافته تؤيد التعددية الثقافية والتنوع العرقي في المدينة ويقول نعم يجب أن يؤدي المسلمون شعائرهم في دور العبادة الخاصة بهم، لأننا نؤمن بان أهم ما يميز ميونيخ هو ذلك التنوع العرقي واختلاف الجنسيات فيها.
عدم استقرار الدول الإسلامية يضر بسمعة الإسلام
وتظل أزمة الثقة اتجاه الإسلام في المجتمعات الغربية قائمة، فأخبار القتل والاغتيالات وعدم احترام حقوق الإنسان في عدد من الدول الإسلامية تضر بصورة الإسلام وتزيد من حذر الكثيرين اتجاهه لدرجة الخلط أحيانا بين المسلمين المتطرفين والمسلمين العاديين. وهناك من يتخوف فعلا من تحويل المساجد إلى أوكار للأصوليين والجمعيات التي تحاول استغلال الدين لأهداف سياسية. كل هذه العوامل تخلق جوا سلبيا يزيد من عدم الفهم اتجاه دين دنسه المتطرفون في السنوات الأخيرة، وبه يبررون أعمالهم الإرهابية.
ويشتكي المسلمون من أن مجالس البلديات تعرقل في الغالب إصدار تصاريح جديدة لبناء مساجد لهم بحجة عدم وجود أماكن لانتظار السيارات، أو وجوب حماية المساحات الخضراء، أو الخوف من التأثير على شكل المدينة المعماري، أو حتى الحد من الضوضاء.
وتتباين أراء الألمان أيضا في هذه القضية فمن جهتها ترى"فروا نيجاميير" الطالبة في جامعة ميونيخ أن من حق المسلمين ممارسة شعائرهم دون خوف "لقد تعرفت على طلاب مسلمين في الجامعة وهم يتحلون بأخلاق جيدة وبعضهم كان يؤدي الصلاة في الجامعة" مضيفة أن منهم من ولد على هذه الأرض وألمانيا أصبحت بالنسبة لهم وطنا ومكان عمل. ويشاركها في هذا الرأي احمد طاهر، وهو مصري مقيم في ألمانيا معتبرا أن ألمانيا أصبحت وطنا له بعد حصوله على الجنسية والدستور يضمن له حق ممارسة شعائره الدينية بكل حرية وهو يري أن المسجد بالنسبة له ولأولاده يمثل الرابط الوحيد بثقافته الإسلامية ففيه يتعلم الصغار تعاليم الإسلام واللغة العربية.