1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مدينة آهاوس الألمانية.. نموذج للمدن الذكية ومستقبل الرقمنة!

ماتيلدا يوردانوفا-دودا
٢٦ يناير ٢٠٢٥

تعتبر مدينة آهاوس الألمانية منذ عدة أعوام مختبرًا حقيقيًا للتحول الرقمي الحضري. ولذلك يزورها في كل عام حوالي ألف زائر لرؤية سبب تسميتها بأذكى بلدية ريفية في ألمانيا.

https://p.dw.com/p/4pOdt
مدينة أهاوس الرقمية
مدينة آهاوس الألمانية : ترفيه رقمي - روبوت يرقص على عمود تحت أضواء النيونصورة من: Matilda Jordanova-Duda/DW


فندق "سمارتل" (Smartel) في آهاوس، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 40 ألف نسمة وتقع في منطقة مونستر بولاية شمال الراين فيستفاليا: يصل أحد نزلاء الفندق جارًا بيده حقيبته ذات العجلات ويمسح باستخدام هاتفه الذكي رمز الاستجابة السريعة (QR) الموجود عند مدخل الفندق من أجل الوصول إلى غرفته.

وفي هذا الفندق لا يوجد مكتب استقبال، ويستخدم فيه الهاتف الذكي كمفتاح وكذلك كجهاز تحكم في التدفئة والإضاءة؛ حيث لا توجد في داخله حتى مفاتيح وأزرار للضوء. وفي الردهة، يسمع صوت روبوت المكنسة الكهربائية وهو يدور فوق الأرضية. لا يشاهد النزيل في الفندق موظفين إلَّا عند وقت الإفطار.

وحول هذا الفندق يقول بيتر زومر، وهو مرشد يقود جولات في مدينة آهاوس الذكية: "لقد كان هذا الفندق في السابق 'فندق راتسهوتيل ريزيدينز‘ الأكبر في هذه المنطقة". وهنا تم في تسعينيات القرن العشرين تصوير البرنامج التلفزيوني الألماني الشهير "حلم الزفاف". ولكن مستأجره القديم لم يعد في وقت ما يريد الاستمرار في تشغيله - وكذلك لم يرغب في ذلك أي شخص آخر. وهكذا أصبح "المبنى الكائن على طرف طريق المشاة فارغًا: هذا أمر ليس جيدًا!".

وفي عام 2017، اشترت المبنى شركة تصنيع البرمجيات توبيت (Tobit) وقامت بتحديثه بالكامل: واليوم غالبًا ما تكون غرف فندق "سمارتل" الـ44 محجوزة كلها تقريبًا، كما يقول بيتر زومر. وهذا الفندق يعد واحدًا من بين أكثر من عشرين معرضًا تديرها شركة توبيت في مقرها الرئيسي مدينة آهاوس لعرض إمكانيات منصتها "شاينز" (chayns). وفي كل شهر، تقدم شركة توبيت جولة مفتوحة لجميع المهتمين؛ حتى وإن كان لا يوجد سوى اثنين فقط وفي يوم كئيب خلال شهر كانون الأول/ديسمبر فهذا لا يهم: بيتر زومر يأخذنا معه في جولة.

ألمانيا مدينة أهاوس الرقمية
الاحتفال بعيد الميلاد رقميًا أيضًا: يشاهد أسفل بابا نويل رمز الاستجابة السريعة باللونين الأبيض والأزرقصورة من: Matilda Jordanova-Duda/DW

مدينة رموز الاستجابة السريعة

يلاحظ الزوار مباشرة ملصقات دائرية باللونين الأزرق والأبيض، وفي وسطها رمز الاستجابة السريعة (QR code) ومن حوله كلمة "شاينز" (chayns). وهذه الملصقات موجودة في كل مكان تقريبًا: على طاولات المطاعم وأبواب الفنادق والقوارب والدراجات ورفوف السوبرمارك وخزانة الألعاب في الحديقة، وذلك لاستخدامها في فتح الأشياء وتفعيلها واستعارتها وشرائها وحجزها.

وفي نهاية عام 2024، حصلت آهاوس على لقب "أذكى بلدية في المناطق الريفية" ضمن مسابقة "الأماكن الرقمية 2024"، التي تنظمها في جميع أنحاء ألمانيا مبادرة "ألمانيا - بلد الأفكار".

وقد أعربت لجنة التحكيم بشكل خاص عن تقديرها لكون جميع الاستخدامات متاحة على منصة مركزية بتطبيق واحد فقط بعد التسجيل مرة واحدة مع بيانات الاتصال وبيانات الحساب البنكي. وبذلك يستطيع المستخدم الوصول إلى العروض التجارية وكذلك إلى خدمات ومعلومات بلدية المدينة وتسويقها. وتُخزَّن الوثائق والقسائم والتذاكر داخل ملف تعريف المستخدم الشخصي.

مدينة أهاوس الرقمية
قوارب تجديف راسة على الرصيف - يمكن بتطبيق "شاينز" استخدامها في أي وقتصورة من: Matilda Jordanova-Duda/DW

هل هكذا يبدو المستقبل؟

أتت مارغريته من بلدة فيلين المجاورة، وهي معلمة لذوي الاحتياجات الخاصة ولا توجد لديها مهنيًا أية علاقة بالرقمنة والذكاء الاصطناعي. بل هي تريد ببساطة أن تعرف ماذا يحمل المستقبل. وتقول: في بلدتها الصغيرة، لم يعد يوجد سوبر ماركت، وعندما يريد المرء الخروج لتناول الطعام في المساء، فيجب عليه أن يحجز في مطعم قبل أيام.

أما آهاوس فهي مدينة متوسطة الحجم، ويجب عليها كغيرها من المدن الكثيرة الأخرى أن تكافح ضد الخراب؛ حيث باتت المحلات التجارية الصغيرة ودور السينما تختفي، ولم تعد الحانات والبارات والنوادي والمطاعم والمقاهي تجد موظفين، ولم يعد أصحابها القدامى يجدون مَنْ يديرها بعدهم. وبصرف النظر عن اسم المشكلة فإنَّ الجواب هنا هو: الرقمنة.

مدينة آهاوس الرقمية
بدلًا من وجود بائع أو طاهي أو نادل، توجد شاشة ملونة تخبرنا متى نستطيع استلام طلباتناتصورة من: Matilda Jordanova-Duda/DW

خدمات الضيافة والمطاعم غير الشخصية

وفي "مطعم الكباب الرقمي" TKWY نقرأ على الشاشة عبارة مكتوبة بأحرف كبيرة: "أين أنتما يا كولين وإليزانا؟". فالبرغر والبطاطس المقلية التي طلبها كولين وإليسانا عبر تطبيق "شاينز" جاهزة. وعند وصولهما المطعم يثبتا هويتهما عبر التطبيق - ثم يسقط لهما كيس الطعام ببساطة إلى الرف. وهذا آمر "غير شخصي إلى حد ما"، كما تقول مارغريته. فهي تفتقد إلى الدردشة مع البائع. "لكنه أمر فعَّال"، كما يجيبها بيتر زومر. ويضيف أنَّ الموظفين يعملون في الطبخ فقط، ومن غير المهم مدى اتقانهم اللغة الألمانية.

والحانة "أوفزايت" (Offsite) في الساحة المركزية لا تزال مظلمة وخالية في وقت متأخر بعد الظهر. ويقوم مرشد توبيت بمسح رمز الاستجابة السريعة QR عند المدخل. وفجأة تدب الحياة في الحانة: الأضواء تضيء، وتمتد المظلة، ويسطع شعار واحدة من ماركات البيرة الكبرى، وينفتح الباب وتظهر الآن على عشرات الشاشات مباريات كرة قدم ومقاطع فيديو موسيقية.

ومقابل مبلغ افتراضي يمكن أيضًا تشغيل قائمة تشغيل خاصة وجهاز التسخين. وما أن دخلنا الحانة، جاء شخص يريد فتح الباب المغلق والدخول. ولكن الوقت كان ما يزال مبكرًا جدًا لذلك، لأنَّ بيتر زومر كان يريد فقط أن يعرض لنا كيف يمكن بنقرة واحدة تشغيل محل يعمل في مجال تقديم الشراب والطعام.

مدينة آهاوس الرقمية
بمجرد مسح رمز الاستجابة السريعة QR تدب الحياة في الحانة الفارغةصورة من: Matilda Jordanova-Duda/DW

من دون أوراق مالية ومن دون نقاشات

وعدا ذلك تسير الأمور أيضًا باستخدام القليل من الموظفين: فعامل البار لا يقدم للزبون إلا ما دفعه مقدمًا عبر الإنترنت. وكل شيء يجري من دون نقاشات حول ما تمت كتابته من طلبات على الورقة أو حول مَنْ يُسمح له بشرب الكحول، وذلك لأنَّ الطلبات والبيانات الشخصية تكون مكتوبة في حساب الشخص على تطبيق "شاينز".

وفي المساء، يعود صاحب البار إلى منزله من دون اضطراره إلى حمل النقود إلى البنك. وفي الوقت نفسه يقوم البار ذاتيًا بطلب ما يحتاجه من مشتريات.

وتستخدم تطبيق "شاينز" مزارع فلاحية وأندية رياضية وكثيرون آخرون لبيع منتجاتهم على مدار الساعة من دون أوراق مالية وكذلك لضمان الوصول إلى أماكنهم. ولكن التركيز ينصبُّ على قطاع المطاعم والفنادق، الذي يعاني من نقص في اليد العمالة. وبحسب معلومات شركة توبيت فإنَّ نحو 80 بالمائة من أصحاب المطاعم والفنادق يعملون بتطبيق "شاينز": من مطعم الكباب إلى فنادق القصور والقلاع. والضيوف يفعلون تقريبًا كل شيء بأنفسهم ومع ذلك فهذه ليست محلات خدمة ذاتية.

آهاوس - قصر من عصر الباروك
في مدينة آهاوس القديمة "الجميلة" يوجد أيضًا قصر من عصر الباروكصورة من: Stefan Ziese/imageBROKER/picture alliance

عملة محلية

ويقول بنديكت هوموله، وهو رئيس شركة آهاوس للتسويق والسياحة: "يمكننا تجربة التكنولوجيا الجديدة وإتاحتها لمدن أخرى". ويضيف أنَّ اختبار شيء ما في وضع تجريبي يعتبر أسهل في آهاوس، وذلك بسبب مشاركة البلدية والأهالي: "نحن ننخرط في هذا المختبر الواقعي. لذلك فإنَّنا بمثابة فئران تجارب، وفي المقابل لدينا هنا أشياء غير موجودة لدى غيرنا".

وزوار هذه المدينة الذكية الكثيرون يأخذون معهم وبكل سرور أفكارًا إلى مناطقهم. ومن بين هذه الأفكار، التي يتم تقليدها كثيرًا كمدخل إلى التحول الرقمي فكرة "قسيمة المدينة": أدخلت بحسب توبيت أكثر من 70 بلدية مثل هذه العملة المحلية الرقمية. وفي مدينة آهاوس، يُكافأ بهذه القسائم السكان الجدد والفائزون في مسابقة المدينة الأسبوعية على الإنترنت... ويدفع أرباب العمل حوافز شهرية بهذا الشكل. وهذه القسائم مفضلة أيضًا في شكل هدايا أو مصروف جيب.

بيد أنَّ المال المسجل فيها لا يجوز إنفاقه إلا داخل المدينة وخلال مدة قصيرة فقط. والقسائم مقبولة في نحو 200 محل. وحول هذه القسائم يقول بنديكت هوموله: "يمكن استخدامها لشراء طعام الكلاب، وطلب الخبز، وتركيب إطارات جديدة للسيارة. وهكذا تبقى الأموال في المدينة". ويبلغ حجم المبيعات بهذه القسائم نحو 800 ألف يورو سنويًا.

ولذلك فلا عجب من أنَّ الجميع تقريبًا في آهاوس مشتركون في تطبيق "شاينز". ويمكن تفسير ذلك لأسباب من بينها أيضًا جائحة كورونا: فقد تم تنظيم مواعيد الاختبار وأخذ اللقاح من خلال منصة شاينز. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ مدينة آهاوس تقع بالقرب من الحدود الهولندية، والدفع الرقمي يعتبر على أية حال أكثر شيوعًا لدى جيراننا الهولنديين.

وفي نهاية الجولة قالت مارغريته: "هذا هو المستقبل، أليس كذلك؟"، وأضافت أنَّها تريد أيضًا إرسال أطفالها لزيارة مدينة آهاوس؛ التي تعتبر بالنسبة لمعظم زوارها بمثابة الخيال العلمي البحت. ومؤخرًا كان لدى المرشد بيتر زومر هنا عشرة رؤساء بلديات هولنديين. وخلاصته هي أنَّ "هذا ليس سيئًا بالنسبة لألمانيا!".
 

أعده للعربية: رائد الباش