مدارس دينية سلفية تربي أطفال تونس على التشدد
١٢ أكتوبر ٢٠١٣بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي مطلع 2011، أسست جمعيات سلفية رياض أطفال "قرآنية" بمختلف مناطق البلاد بشكل غير قانوني. وترفض هذه الجمعيات إخضاع الرياض التابعة لها لرقابة وزارة شؤون الأسرة والمرأة والطفولة، كما ينص عليه القانون.
"صندوق مغلق"
تعتبر فوزية جابر، مديرة الطفولة بوزارة شؤون المرأة والأسرة، أن رياض الأطفال القرآنية "صندوق مغلق، فنحن لا نعرف عددها ولا عدد الأطفال فيها، ولا برامجها ولا من يشرف عليها ولا الظروف التي تستقبل فيها الأطفال".
وقالت المديرة لـ DW عربية إن الجمعيات القائمة على هذه الرياض "ترفض تطبيق لائحة الشروط القانونية التي تنظّم إجراءات فتح رياض الأطفال في تونس، أو الخضوع لمراقبة الوزارة بدعوى أنها ليست مؤسسات تربوية بل جمعيات ترجع بالنظر إلى الكتابة العامة للحكومة".
ومنذ وصول حركة النهضة الإسلامية إلى الحكم نهاية 2011، رخصت الكتابة العامة للحكومة لأكثر من 1000 جمعية إسلامية تحوم شبهات كثيرة حول مصادر تمويلها وأهدافها.
ووفق شهادات ذوي الأطفال، تعمل أغلب الرياض القرآنية بشكل شبه سري، إذ يمنع دخولها على غير العاملين فيها، ولا يسمح حتى لأولياء الأطفال الذين يرتادونها بالدخول إليها.
سهام بادي، وزيرة شؤون المرأة والأسرة، نبهت نهاية سبتمبر/أيلول 2013 بأن القانون التونسي يعطي وزارتها صلاحية "الدخول إلى أي فضاء يحتضن أطفالا، ومراقبته"، معلنة الشروع في إغلاق رياض قرآنية رفضت الالتزام بـ"لائحة الشروط" الصادر عن الوزارة سنة 2003.
وبحسب نص لائحة الشروط فإن الوزارة مخولة قانونيا بـ"مراقبة رياض الأطفال من الناحيتين التربوية والإدارية". كما "يتعين أن تكون الأنشطة التربوية لرياض الأطفال مستمدة من البرامج الرسمية الصادرة لهذا الغرض عن وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة"، حسب ما تتضمنه اللائحة من شروط.
"تجييش" عقائدي و"تطرف"
نبيلة ميلادي، رئيسة جمعية "كلنا للطفل"، التي تنشط في مجال تكوين وتأطير العاملين في رياض الأطفال، قالت لـ DW عربية إن بعض الأولياء نقلوا أبناءهم من رياض "قرآنية" إلى أخرى عادية بعد أن لاحظوا عليهم اضطرابات نفسية بسبب ما تعرضوا له من "تجييش عقائدي وديني".
ويدرس أطفال الرياض القرآنية أربع ساعات يوميا من المواد الدينية مقابل ساعة واحدة يوميا بالرياض العادية.
صادق العرفاوي، مستشار وزير الشؤون الدينية التونسي، قال لـDW عربية إن "أغلب" الجمعيات التي أسست هذه الرياض "ذات طابع سلفي، ولها برامج تثير المخاوف"، لافتا إلى أن "تلقين الأطفال أحكاما عقائدية قبل بلوغهم سن التكليف الشرعي أمْر لا يستقيم تربويا".
وبحسب نبيلة الميلادي، فإن هذه الرياض القرآنية التي يدرّس فيها رجال ملتحون ونساء منقبات، تحظر اختلاط الإناث والذكور، وتمنع الأطفال من اللعب بالدمى أو الاستماع إلى الموسيقى، أو رسم فم أو أنف أو عينين عند تصوير الإنسان، بدعوى أن ذلك "حرام"، كما يلزم بعضها طفلات في سن الرابعة والخامسة بارتداء الحجاب.
وتقول الميلادي إن الطاقم التربوي في هذه الرياض لا تتوفر فيه المقاييس القانونية المحددة في "كراس الشروط" الذي يلزم بان يكون الطاقم متخرجا من مؤسسات التعليم العالي مختصة في قطاع الطفولة، أو تابع تكوينا في المجال في مؤسسات معترف بها من الدولة.
من جانبه، أكد الصادق العرفاوي أن المستوى التعليم للمربين في رياض الأطفال القرآنية "محدود"، إذ يتم قبولهم على أساس حفظ القرآن والتميز في قراءته بنطق صحيح.
ومطلع 2013 أقامت منظمة غير حكومية دعوى قضائية ضد وزيرة شؤون المرأة والأسرة التونسية بتهمة "التقصير المتعمد في التصدي لتركيز مؤسسات تربوية دخيلة على المجتمع"، في إشارة إلى الرياض القرآنية.
وأقيمت الدعوى إثر نشر جماعة "أنصار الشريعة بتونس" التي صنفتها الحكومة مؤخرا تنظيما "إرهابيا"، شريطي فيديو على الانترنت، يظهر الأول أطفالا بمدرسة دينية يرفعون علم تنظيم القاعدة (العقاب) ويرددون أناشيد تمجد التنظيم وقياداته وعملية تدمير برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك في 11 سبتمبر 2001.، ويظهر الثاني ملتحين يدربون أطفالا تونسيين على فنون القتال في غابة.
وبحسب الميلادي فإن بعض القائمين على المدارس الدينية لا ينادون الأطفال بأسمائهم الحقيقية بل يطلقون عليهم ألقابا مثل "أبو حفص" و"أبو حمزة" كما هو الحال في التنظيمات الجهادية "المتطرفة".
ليسوا "إرهابيي المستقبل"
حمدي الغانمي، رئيس جمعية "رابطة نور البيان" الإسلامية، التي تدير 15 روضة أطفال قرآنية في تونس، انتقد في حديث لـ DW عربية، القائلين بأن "الأطفال الذين يدرسون في الرياض القرآنية هم إرهابيو المستقبل"، متسائلا " الذين يقولون أننا نربي الناشئة على الإرهاب، هل شاهدونا نوزع أسلحة الكلاشنيكوف على الأطفال؟".
واعتبر أن قرار السلطات غلق الرياض القرآنية التي لا تحترم "كراس شروط" وزارة شؤون المرأة والأسرة وله "غايات سياسية". وقال "جاءنا قرار بالغلق من عند الوالي (المحافظ) فقمنا عبر القضاء بوقف تنفيذ القرار ومدارسنا تواصل عملها".
وإثر صدور قرار الغلق، تظاهر عدد قليل من أولياء أطفال رياض رابطة "نور البيان" أمام مقر الحكومة احتجاجا على القرار. وقالت سيدة من المتظاهرين لـ DW "أنا أدرى بمصلحة ابني أضعه حيث أشاء، ولن تكون الحكومة أحرص مني على مصلحته".
وبخصوص رفض جمعيته الامتثال لكراس شروط وزارة المرأة أو الخضوع لرقابتها، قال حمدي الغانمي "نحن جمعيات مرجع نظرنا هو الحكومة وليس وزارة المرأة، أما كراس الشروط فقد صدر في عهد الطاغية بن علي، ومعلوم أن القوانين التي أصدرها هذا الطاغية هدفها اجتثاث الدين من جذوره".
ورفض الغانمي اتهامات بتلقي تمويلات من دول خليجية لنشر الفكر الوهابي المتشدد في صفوف أطفال تونس بهدف تغيير نمط المجتمع الذي يعتنق إسلاما مالكيا معتدلا. وقال في هذا السياق "هذه التهمة ليس لها أي دليل، نحن جمعيات مستقلة ولنا رياض حتى في الأحياء الراقية بالعاصمة يرتادها أبناء رجال الأعمال وعلية القوم من قضاء ومحامين وأطباء..".
مؤسسات تربوية موازية تهدد وحدة المجتمع
وصف طارق بلحاج محمد، الباحث في علم الاجتماع التربوي، رياض الأطفال الدينية العشوائية بـ"المؤسسات التربوية الموازية" معتبرا أنها مظهر على "انفلات مؤسسات التنشئة الاجتماعية" في تونس.
وقال لـDW عربية "لا نعرف لماذا يرفضون الالتزام بالقانون، فمجرّد الرفض يثير شبهات بأنهم يقومون بأشياء في الظلام، ومن المفروض أن يكون غلق هذه الرياض فوريا لأنها غير مراقبة".
وأضاف "إحداث هذه الرياض ينبع من مسلمات إيديولوجية مثل رفض التعليم العصري بكل مؤسساته باعتباره في نظرهم (السلفيين) عنوان تغريب، إضافة إلى محاولة إنشاء بيئة حاضنة تكون أداة لترجيح كفة نموذج اجتماعي وثقافي معين يسمي نفسه إسلاميا".
وفي نوفمبر 2012 حذر الرئيس التونسي المنصف المرزوقي من "تنامي مدارس تربي أطفالنا على فهم متشدد للدين" معتبرا أن التعليم العقائدي الخاص الذي يتلقاه الأطفال في هذه المدارس يتناقض مع التعليم العام والموحد في تونس و"يهدد وحدة البلاد".
وقال المرزوقي "لا بد من برنامج تعليمي موحد يلتزم به القطاع العام والخاص على حد السواء وفي كل مدارسنا دون استثناء".
يذكر أن وزارة الشؤون الدينية توفر منذ 2011 تعليما دينيا رسميا وموحدا في نحو 1200 "كتابا" (روضة دينية) يؤمها 31 ألف طفل.