مخاوف تهدد التعايش السلمي بعد تفجيرات لندن الإرهابية
رغم أنّ شوارع لندن سرعان ما استعادت صورتها الكزموبوليتية، إلا أنّ ذلك لم يمنع من تردد تقارير عن انتهاكات طالت مسلمين حتى وإن كانت ذات طبيعة منفردة. و قالت الشرطة ومنظمات إسلامية إن المسلمين في بريطانيا تعرضوا لاعتداءات ذات طبيعة عنصرية أكثر من المعدل المعتاد منذ التفجيرات التي وقعت في لندن الخميس الماضي. وقال الطالب في العلوم السياسية إلياس محمود المقيم في لندن منذ سنوات لموقعنا "لا أعتقد أنّه علينا أن نغضّ الطرف حتى عن هذه الأعمال المنفردة بحجّة أنّ ما حدث مأساوي. بالفعل أرى، في محيطي، تبدّلا في النظرة وفي التعامل، وهذا سيضرب على المدى الطويل صورة لندن متعددة الثقافات."
دعوة إلى ضبط النفس
وسارع رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في خطاب له أمام مجلس العموم إلى طمأنة المسلمين البريطانيين والمقيمين هناك بأنهم لن يستهدفوا بأي حال من الأحوال على خلفية تفجيرات لندن مؤكدا فخره بالجالية الإسلامية، رغم أنّه "من المحتمل أن يكون منفذو التفجيرات من المتشددين الإسلاميين الذين قتلوا العديد من الأبرياء في السنوات الأخيرة." غير أنّ محمود يؤكّد أنّ ذلك لا يكفي "فلطالما كانت مشاكل اندماج المسلمين لا تتعلّق بالإطار الرسمي الحكومي قدر ما تتعلّق بالإطار العام الاجتماعي."
وقالت الشرطة إنّ شخصا تلقى إصابة خطيرة في لندن في حادث يصنّف ضمن خانة "جرائم الكراهية" في حين تحدث مسلمون عن استهداف بعض المساجد. وأصيبت المحلات العربية في شارع إدجويررود الذي يعتبر قلب النشاط العربي في لندن، بالكساد. في الوقت الذي تحدثت فيه تقارير عن وصول آلاف رسائل التهديد للمجلس الإسلامي البريطاني. وقال الوجه الإسلامي المعروف رئيس حركة النهضة التونسية المعارضة والمقيم في لندن منذ سنوات طويلة راشد الغنوشي إنّ "التأثيرات السلبية للأعمال الهوجاء التي يتمّ ارتكابها باسم الإسلام مسّت المجتمع البريطاني قبل هذه الأحداث الأخيرة، حيث صدرت قوانين مقيدة للحريات باسم مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وسجن بسببها مئات المسلمين دون محاكمة. وهذه من الثمار "الزقوم" للأعمال الهوجاء التي لا تؤدي إلا إلى تجنيد المزيد من أعداء الإسلام ضدّ الأمة ككل." وأضاف الغنوشي أنّ من المؤكّد أنّ هناك ضحايا مسلمين للتفجيرات ولاسيما من أبناء الجالية الآسيوية وهو ما يؤكد أنّ الإرهاب لا دين له.
ضحايا مسلمون
وفي هذا الإطار، وفيما يعدّ صورة لما تمرّ به الجالية الإسلامية في لندن، يسعى فرنسي من أصل تونسي إلى معرفة مصير ابنه الذي انقطعت أخباره منذ تفجيرات الخميس في لندن، وفي نفس الوقت يحاول الدفاع عن سمعته بعد أن طرحت وسائل إعلام بريطانية أسئلة علنية حول احتمال تورطه في التفجيرات.
وقال محمد بن سليمان المقيم في مدينة ليون الفرنسية، التي ينظر إليها الملاحظون على أنّها "بؤرة لمتشددين إسلاميين" لموقعنا إنّ ابنه إيهاب حصل على عمل صيفي لمدة ثلاثة اشهر لدى مطعم فرنسي بلندن وأنّه أنهى دراسته في المعلوماتية الصناعية، وكان ينوي التسجيل في العام الدراسي المقبل للحصول على شهادة الماجستير ولذلك اختار تقوية أدائه في اللغة الإنجليزية. وأضاف أنّه كان من المفترض أن يستخدم إيهاب، صباح الخميس الماضي، خط بيكاديللي الذي يمر بمحطة كينغز كروس أين وقعت إحدى الهجمات، لكنه لم يصل إلى مقر عمله ولم يعد هاتفه النقال يرد على المكالمات، منذ ذلك الوقت.
وتحوّلت رحلة محمد لمعرفة مصير ابنه في لندن إلى حملة للردّ على "أسئلة غير بريئة تربط بينه وبين ما حدث بسبب الجوّ العام المسيطر على بريطانيا هذه الأيام." وقال محمّد "أعتقد أنّ هذه الأسئلة هي مجرّد مزايدات عفوية ومن العادي أن تتحوّل الفترة التي تعقب عمليات مثل هذه إلى جوّ خانق من ردود الفعل الاستخبارية التي تشتبه في كلّ شيء" مشددا على أن ابنه إيهاب ليس متدينا كما أنّه لا يعرف في حياته سوى تونس وفرنسا التي كان ينوي العودة إليها في سبتمبر.