"داعش" يعيد خلط أوراق المعادلة السورية
٢١ مايو ٢٠١٥بسط تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف باسم "داعش" سيطرته على مناطق واسعة تقارب نصف التراب السوري، حسب تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان المحسوب على المعارضة. وجاءت سيطرة التنظيم على تدمر لتشكل نقطة تحول إضافية أثارت استغراب معظم المراقبين، خصوصا وأن التحالف الدولي الذي يحارب "داعش" يضم رسميا قرابة ستين دولة، ستجتمع 24 منها في باريس في الثاني من يونيو/ حزيران القادم.
ويتساءل الباحث والمحلل السياسي خطار أبو دياب في حوار مع DWعن سر عجز كل هذا الحشد الدولي عن وقف تمدد التنظيم المتطرف. وتتعدد التفسيرات بين من يرى في تقدم "داعش" تعرية لعدم قدرة النظام على الدفاع عن كل الجبهات في نفس الآن، وبين من يتحدث عن سحب بعض القوات النظامية وحشدها في جسر الشغور الأكثر حيوية للنظام. في حين يرى طرف ثالث في التطورات الأخيرة مناورة من النظام، بمعنى أنه ينسحب عن قصد من مناطق معينة، للظهور أمام العالم كعدو رئيسي لتنظيم "داعش".
نظام الأسد في وضع حرج؟
قلل خطار أبو دياب من قيمة نسبة الأراضي التي يسيطر عليها "داعش" مؤكدا أن "النسب المئوية لا تعني الشيء الكثير لداعش. فنسبة الـ 50% من الأراضي غالبيتها في البوادي والصحراء، هناك مدينة رئيسية تحت سيطرته هي الرقة ومدينة ثانوية هي دير الزور، ثم البوكمال". وإذا كانت تعقيدات الأزمة السورية لا تقاس بعدد الكيلومترات التي يسيطر عليها هذا الطرف أو ذاك، فـ "إننا أمام معادلة إستراتجية جديدة نلاحظ فيها اهتزازا للنظام (وليس انهيارا) فالمسألة للأسف طويلة الأمد، ذلك أن عملية التفتت والتفكك في الوضع السوري ستستمر" على حد تعبير أبو دياب.
وذهب جيفري وايت في دراسة صادرة عن مركز "واشنطن اينستيتيوت" للدراسات حول الشرق الأوسط في نفس اتجاه أبو دياب، بعد سقوط جسر الشغور بيد الفصائل الإسلامية المعارضة موضحا أنه "مهما كان الوضع، فإن النظام يجتاز مرحلة صعبة جدا. (...) الوضع العام يؤشر على فشل في القدرات العسكرية بعد أربع سنوات من حرب الاستنزاف"، معتبرا أن على النظام "أن يعيد النظر في إستراتيجيته العسكرية والسياسية".
ويرى أبو دياب أن النظام يتمسك بدمشق وما يسميه بـ"سوريا الحيوية" الممتدة من دمشق نحو حمص والساحل، ويركز كل قواه للدفاع عنها بدعم من إيران وحزب الله. غير أن حرب الاستنزاف الطويلة ونجاحات المعارضة من جهة و"داعش" من جهة أخرى بدأت تنهك قواه من الداخل وتعزل بشكل متزايد مناطق النظام. ومن مظاهر التآكل هذه، تصفية الحسابات الداخلية كما حدث مؤخرا مع اللواء رستم غزالي، الذي كان يتولى رئاسة جهاز الأمن السياسي. "وربما هناك تصفيات طالت قيادات أخرى لم يعلن عنها"، يضيف أبو دياب.
"المعارضات" بين النظام و"داعش"
يبدو الوضع السوري اليوم منقسما بين أربع قوى أساسية: تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي فرض نفسه كـ"ضيف ثقيل" على المعادلة السورية كما يقول أبو دياب. ثم هناك النظام السوري وحلفاؤه كإيران وحزب الله. والقوى الكردية في الشمال والشرق والتي تحظى بدعم من قبل واشنطن. ثم جيش الفتح (تشكيل جديد يضم معظم الفصائل الإسلامية المعارضة مع جبهة النصرة) والمعارضات بمعناها الواسع.
ويرى أبو دياب أن معركة بابا عمرو (حمص) عام 2012 شكلت لحظة فارقة في تطور المعارضة المسلحة، حين ترك الجيش السوري الحر (المعارضة المسلحة التي كانت تتكون من الضباط والجنود المنشقين عن النظام) دون دعم. ويقول الباحث اللبناني المقيم في فرنسا قائلا: "كانت تلك المعركة مفصلية لمزيد من أسلمة الوضع السوري المعارض. وبالتالي باتت القوى المعارضة قوى إسلاموية أو جهادية أو إسلامية، وإن كان الجيش الحر لا يزال يلعب دورا في بعض مناطق الشمال والوسط والجنوب".
ويعرب أبو دياب عن اعتقاده أنه "إذا ما حصل تركيز للدعم المقدم إليه فقد يعود للواجهة ويأخذ مكانة أكبر". وضع المعارضة غير الإسلامية يبدو في الوقت الراهن غامضا، ولكن "إذا ما حصل توافق بينها وبين عناصر مقبولة ومعتدلة من داخل النظام، فربما يكون ذلك نواة أساسية لقيادة المرحلة الانتقالية".
وفي سياق متصل يبدو أن التطورات الإقليمية الأخيرة أنعشت آمال المعارضة المعتدلة بعد طول انحدار. إذ سبق لرئيس الائتلاف السوري المعارض خالد خوجة أن أعلن من اسطنبول أن "التقارب بين دول المنطقة (السعودية وقطر وتركيا) ينعكس بشكل ايجابي على الوضع السوري. وهذا واضح في تغيير موازين القوى في سوريا في الشهرين الأخيرين". غير أن الوضع السوري أعقد من أن يحسمه طرف واحد. فالموقف الروسي سيبقى محوريا، كما أن الشكل الذي ستأخذه موازين القوى في المفاوضات النووية بين الغرب وإيران سيلعب دورا كبيرا أيضا.