"مؤسسات الدولة العميقة دعَمت شفيق وصبَاحي الحصان الأسود"
٢٥ مايو ٢٠١٢شكل حصول المرشح أحمد شفيق، الذي كان آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، على نسبة 23 في المائة من الأصوات ، مفاجأة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في مصر. وفي حوار أدلى به لموقع DW عربية شرح الخبير المصري، الدكتور مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية، أسباب تقدم المرشح شفيق. ويضيف اللباد أنه في حال تأكد تأهل محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، حصل على 25 في المائة من الأصوات، والمرشح أحمد شفيق، إلى الجولة الثانية فإن حمدين صباحي يظل الحصان الأسود في هذه الانتخابات وأصوات ناخبيه يمكن أن ترجح كفة أحد المرشحين.
وفيما يلي نص الحوار:
DWعربية: هل فاجأك، كمراقب، تقدم المرشح أحمد شفيق وكيف تفسر الاختراق الذي حققه؟
مصطفى اللباد: بالفعل كان تقدم المرشح احمد شفيق (23 %) في الجولة الأولى من الانتخابات مفاجأة لكثير من المراقبين. وذلك مقارنة بمؤشرات استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات. وهنالك عدة أسباب ساهمت في الاختراق الذي حققه:
أولا: يبدو واضحا أن الدولة المصرية العميقة كانت دعمت المرشح احمد شفيق. وأعني بالدولة العميقة، مؤسسات وأجهزة الدولة وقطاع الموظفين الذي يضم الملايين بالإضافة إلى أفراد أسرهم.
ثانيا: هنالك رغبة عارمة لدى قطاعات من المصريين في الوصول إلى حالة من الاستقرار بعد الفترة الضبابية التي سادت البلاد خلال عام ونصف منذ الثورة.
ثالثا: التخوف من صعود الإخوان المسلمين، وقد تجلى ذلك في السلوك التصويتي للأقباط الذين صوتوا بكثافة وربما بنسبة تفوق 80 في المائة لفائدة المرشح شفيق.
رابعا: حصول المرشح شفيق على نسبة وازنة من أصوات منطقة الصعيد (جنوب مصر).
وهنالك عامل خامس، وربما هو أقل أهمية من العوامل الأربعة الأخرى، ويتمثل في وجود تيار وسطي يرى أنه ليس من مصلحة مصر الآن أن يفوز تيار واحد بالأغلبية مقاعد البرلمان وبالرئاسة، وبالتالي فإن هذا التيار يرغب في وجود تعدد مراكز قوى في المشهد السياسي المصري، ومن ثم هنالك رغبة في صعود مرشح قوي يوازي نفوذ "الإخوان" المتصاعد خلال الفترة الماضية.
هل تؤيد التحليل القائل بأن المرشح الناصري القومي حمدين صباحي، هو بمثابة الرهان الذي سيركز المرشحان المتنافسان في الجولة الثانية (في حال تأكيد تأهل المرشحين مرسي وشفيق للجولة الثانية) على استقطاب أصوات الناخبين الوسطيين الذين صوتوا له؟
المرشح حمدين صبَاحي هو الحصان الأسود في هذه الانتخابات، لقد كان مفاجأة للكثيرين واستقطب قطاعات من الشباب وسكان المدن الكبرى والتيار الثوري بشكل عام. وكانت استطلاعات الرأي قد وضعته في المرتبة الرابعة أو الخامسة. وبالنسبة للنتائج فهل سيكون في المرتبة الثانية، وبالتالي يتأهل لجولة الإعادة، أم سيكون في المرتبة الثالثة، وهي كذلك نتيجة كبيرة، الذي لا يملك كل الإمكانيات المالية والتنظيمية والإعلامية التي يملكها كل من أحمد شفيق أو محمد مرسي. ولذلك سيسعى كلاهما في جولة الإعادة لمحاولة استقطاب ناخبي حمدين صباحي. وهي نسبة أصوات تقارب 20 في المائة من الكتلة الناخبة وستساهم في ترجيح كفة أحد المتنافسين في جولة الإعادة.
ولذلك أتوقع أن يُعرض عليه منصب نائب الرئيس، من قبل المرشحين المؤهلين لجولة الاعادة، بغية استقطابه واستقطاب الكتلة الشعبية الكبيرة ومن الشباب ومن ميدان التحرير التي صوتت له. وبالتالي فإن حمدين صباحي أصبح بعد هذه الانتخابات رقما هاما في السياسة المصرية.
لكن الجماعات الشبابية التي قادت الثورة، ربما ستدفع ثمنا لانقسامها وترددها في هذه الانتخابات؟
صحيح لو احتسبنا الأصوات التي حصل عليها مرشحا شباب الثورة، حمدي صباحي(20 %) والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح(18 %)، فإن مجموعها يساوي 38 في المائة، وكانت ستضع أي مرشح في المقدمة. ولذلك فإن انقسام شباب الثورة ساهم إلى حد كبير في صعود الاخوان المسلمين أصحاب التنظيم القوي، ولكن ليس الجماهير الغفيرة، كما يعتقد كثيرون. كما ساهم انقسام شباب الثورة في صعود أحمد شفيق.
مع الملاحظة بأن الكتلة الناخبة للاخوان المسلمين ثابتة ولا تتغير كثيرا وهي مؤلفة من حوالي مليون عضوفي التنظيم ومعها متعاطفون ما بين أربعة إلى خمسة ملايين. وهذه الكتلة التصويتية للإخوان دائما ملتزمة وتذهب للمشاركة في الانتخابات.
وفي ظل تدني نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتي جاءت في حدود 50 في المائة، فإن كتلة الخمسة ملايين ناخب تصبح هامة ووازنة، وهي تعطي للمرشح مرسي الصدارة ولكن لا تعطيه أغلبية. وكلما ارتفعت نسبة التصويت فإن نسبة الأصوات التي يحصل عليها الإخوان المسلمون تصبح أقل، وهذا ما سيلاحظه المرشح أحمد شفيق، والاستفادة منه من خلال السعي لرفع نسبة التصويت واستقطاب أصوات جديدة غير مؤيدة بالضرورة للإخوان المسلمين.
هل يعني ذلك أن ارتفاع نسبة المشاركة في جولة الإعادة يمكن أن يخلق مفاجأة في النتائج؟
ارتفاع نسبة المشاركة متوقع ولكنه ليس مؤكدا. والصورة تبدو صعبة على أي من المرشحين بأن يحسم السباق بمفرده. محمد مرسي وحزب العدالة والحرية الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين له كتلة ناخبة ثابتة، ولكن هنالك فئات شعبية تتخوف من محاولة الاخوان المسلمين الهيمنة على مقدرات الدولة. وكثيرون يقولون، لقد تخلصنا من هيمنة الحزب الحاكم على الدولة، ولكننا لا نريد هيمنة حزب آخر، ولذلك فإن مهمة الإخوان ليست سهلة. وبالمقابل فإن مهمة الفريق أحمد شفيق ليست سهلة لأنه كان رئيس الوزراء الأخير في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي أسقطته مظاهرات ميدان التحرير.
ومن مفارقات التاريخ أن ميدان التحرير يسقط مبارك ومعه رئيس وزرائه أحمد شفيق، ثم يعود الشعب المصري عبر صناديق الاقتراع لينتخبه أو على الأقل ليخوض جولة الإعادة اذا ما تأكد فوزه في الجولة الأولى. وهذه المفارقة قد لا يكون مردها لرغبة الناخبين في التصويت لأحمد شفيق وإنما بسبب النفور من الإخوان المسلمين، وكما يقول المثل العربي "ليس حبا في علي ولكن كراهية في معاوية".
أجرى الحوار منصف السليمي
مراجعة: أحمد حسو