"كسب قلوب أهالي الأنبار التحدي الأصعب أمام العبادي"
٢٨ ديسمبر ٢٠١٥تمكن الجيش العراقي مدعوما بقوات من العشائر والتحالف الدولي من استعادة مدينة الرمادي (غربي العراق) من قبضة تنظيم داعش بعد سيطرة مقاتليه على المدينة لأكثر من سبعة أشهر. تحرير المدينة وصفه الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند أنه "الانتصار الأهم ضد داعش الإرهابي، ومرحلة أساسية لاستعادة سلطة الدولة في العراق"، أما محليا، فقد اعتبره رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري أنه "انكسار لشوكة داعش الإرهابي ونقطة انطلاق لتحرير (محافظة) نينوى". وبالنسبة لغسان العطية، مدير المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية في لندن، فقد كان "انتصارا مهما" للجيش العراقي، لكن لا بعد أن تتبعه خطوات جريئة من قبل رئيس الحكومة حيدر العبادي.
"النصر العسكري يحتاج لنصر سياسي واقتصادي"
وبعد سقوط مدن عراقية كتكريت والموصل والرمادي بقبضة تنظيم "الدولة الإسلامية"، حُمِّل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي جزءا من المسؤولية بسبب سياساته التي نعتت بـ"الطائفية" وأدت لتقسيم المجتمع العراقي، وهو ما استغله تنظيم داعش للسيطرة على المناطق ذات الغالبية السنية.
ولعدم تكرار أخطاء سلفه، يرى الخبير غسان العطية في حواره مع DW عربية أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بات أمام فرصة تاريخية للنأي بنفسه عن الصراعات الطائفية، وذلك عبر "تحقيق الاعتدال السياسي في العراق، والقضاء على التناحر بين الأحزاب السياسية باسم الطائفية، لأن هذا ما سيضعف من قوة وشعبية داعش في المناطق الخاضعة لسيطرته".
وتمّ استثناء قوات الحشد الشعبي الشيعي من معركة تحرير الرمادي، وهي خطوة في الطريق الصحيح كما يرى العطية، إذ أنه تم استخلاص العبر من تجربة استعادة تكريت بعد أن قام الحشد الشيعي بتجاوزات ضد السكان السنة. وفي الرمادي سارع مؤتمر الصحوة العراقي بالدعوة لتأسيس لجنة حكماء لتحديد المتعاونين مع تنظيم داعش. لكن هذه الدعوة قد تكون لها عواقب وخيمة، حسب العطية الذي يشدد أنه "علينا تفادي تكرار أخطاء الماضي، عندما قامت الحكومة العراقية باجتثاث حزب البعث بعد الاحتلال الأمريكي وتطبيق سياسة الانتقام والثأر على المتعاونين مع نظام صدام حسين". في المقابل، "يجب العفو عن المتعاونين مع الإرهابيين شريطة أن يتوبوا عن أخطائهم"، يتابع الخبير العراقي.
وبعد دخول القوات العراقية إليها، بدت آثار الدمار الكبيرة واضحة على مدينة الرمادي، هذا ما أوضحته على الأقل صور التلفزيون العراقي. وتسببت سيطرة داعش على محافظة الأنبار بنزوح حوالي مليون عراقي وهو ثلث عدد النازحين في كامل العراق. إعادة النازحين إلى مدينة الرمادي هو أمر ضروري، لكن الأهم حسب العطية هو "إعادة كسب قلوب أبناء مدينة الأنبار من جديد عبر إعادة أعمار المدينة المدمرة، وهذا أمر صعب لأن خزينة الدولة مفلسة".
تجدر الإشارة إلى أن العراق يعاني من عجز مالي في الميزانية بلغ 25 تريليون دينارعراقي( اليورو يعادل حوالي 1500 دينار عراقي) وذلك بسبب انخفاض الإيرادات المالية نتيجة انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية. وتشير الإحصاءات أن ميزانية العام المقبل ستشهد عجزا مماثلا، لذا لا بد من أن يستعين العراق بالقوة الأوروبية الناعمة حسب تعبير العطية الذي يقول: "الاتحاد الأوروبي ليس له مطامع استعمارية أو مصالح إقليمية كما هو الشأن لروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، لذلك لا بد من الاستعانة بالاستثمارات والخبرات الأوروبية، وهذا ما سيخرج العراق أيضا من مأزق الصراعات الإقليمية".
شكوك في استراتيجية بغداد للقضاء على "داعش"
معركة الرمادي يمكن أن تكون بداية لنهاية داعش كما صرح بذلك رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري. معنويات الجيش العراقي ارتفعت، وبذلك فإن دحر مقاتلي داعش من العراق والقضاء عليهم نهائيا ستكون المهمة القادمة لرئيس الحكومة العبادي، الذي صرح في خطابه بعد استعادة الدولة السيطرة على الرمادي بأن "2016 سيكون عام الانتصار النهائي على تنظيم داعش في العراق".
بيد أن العطية يشير محذرا أن "أغلبية سكان الموصل يفضلون البقاء تحت سيطرة داعش عوض سيطرة حكومة طائفية منحازة لطرف شيعي، لذلك فإن كسب قلوب أهالي الأنبار هو التحدي الأصعب للعبادي".
القضاء على فكر داعش نهائيا في أوساط الشباب السنة في العراق لا يمكن أن ينجح فقط عبر العمليات العسكرية على حد تعبير العطية: "تحويل الرمادي من مدينة مدمرة إلى نموذج اقتصادي ناجح كفيل بأن يقضي على فكر داعش". إلا أن الخبير العراقي شكك في قدرة العبادي على رفع هذا التحدي مبررا ذلك بالقول: "نريد أن يكون العبادي رجل التاريخ وليس رجلا مؤقتا - ربما يملك الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات صعبة وجريئة، لكن الطبقة السياسية الفاسدة المحيطة به ستفعل كل ما بوسعها لحماية مصالحها التي تكمن في تغذية الانقسام الطائفي".