1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

فيضانات ألمانيا..التغير المناخي "المتهم الأول"

٢٩ أغسطس ٢٠٢١

كشفت دراسة نشرت الثلاثاء أن احتراق الوقود الأحفوري زاد من احتمالية وقوة وضراوة هطول أمطار الصيف، ما تسبب في حدوث الفيضانات التي اجتاحت ألمانيا وبلجيكا وهولندا الشهر الماضي.

https://p.dw.com/p/3zTey
نحو 220 قتيلا ومئات المنازل هدمت بفعل فياضانات مدمرة اجتاحت مدناً ومقاطعات ألمانية.
نحو 220 قتيلا ومئات المنازل هدمت بفعل فياضانات مدمرة اجتاحت مدناً ومقاطعات ألمانية. صورة من: Bram Janssen/AP/picture alliance

في دراسة نشرت نتائجها الثلاثاء (24 أغسطس/ آب 2021)، أعدّتها المبادرة الدولية "لرصد أسباب التغيرات المناخية" (World Weather Attribution)، توصل العلماء إلى وجود قرائن قوية تشير إلى وجود صلة بين ظاهرة الاحتباس الحراري واشتداد قوة الأمطار التي تسببت في  الفيضانات العارمة التي اجتاحت شمال أوروبا في يوليو / تموز الماضي والتي كان من الممكن عدم وقوعها في عالم  خالٍ من ظاهرة التغير المناخي، يقول الباحثون.

"الدول المتقدمة ليست في مأمن"

وقد تلعب نتائج هذه الدراسة دوراً حاسماً بالنسبة لألمانيا التي سجلت أكبر حصيلة لضحايا  الفيضانات الأخيرة، التي وقعت قبل أسابيع من الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في سبتمبر/ أيلول المقبل. وقال فريدريك أوتو، من معهد التغيّر البيئي بجامعة أكسفورد وأحد المشرفين على الدراسة، إن الفيضانات الأخيرة "تكشف لنا أن حتى الدول المتقدمة ليست في مأمن".

وأودت هذه الكارثة بحياة أكثر من 220 شخصا في ألمانيا . وقد وقعت في أعقاب طقس دافئ وشديد الرطوبة امتد لثلاثة أسابيع ما جعل التربة في ولايتين مشبعة تقريبا. وبسبب تشبعها إثر سقوط كميات قياسية بلغت 93 ملم في يوم واحد في المناطق المحيطة بنهري آر وإرفت غربي ألمانيا، لم تستطع التربة امتصاص كميات كبيرة من المياه في وقت وجيز ما أدى إلى خروج المياه على السطح. وفي بلجيكا، تسببت الأمطار الغزيرة في هطول 106 ملم من الأمطار خلال يومين في منطقة ميوز.

وعلى وقع ذلك، غمرت المياه ضفاف الأنهار وانهارت الجسور وأغلقت الطرق فيما لم يكن أمام الأشخاص الذين كانوا نائمين في منازلهم عندما وقعت الفيضانات، سوى القليل من الوقت للبحث عن طوق نجاة خاصة وأن تحذيرات السلطات جاءت متأخرة.

دور التغير المناخي 

 عندما اجتاحت الأمطار البلدان الأوروبية، هرع الباحثون ضمن المبادرة الدولية "لرصد أسباب التغيرات المناخية" ومقرها أوكسفورد، إلى تشغيل نماذج حاسوبية تمت تغذيتها ببيانات تاريخية من أجل تحديد مدى الدور الذي لعبته ظاهرة التغيّر المناخي في وقوع الكارثة.

وبالفعل، توصل العلماء إلى أنّ التغير المناخي زاد من قوة الأمطار وأيضا من احتمالية هطولها. فبحسب التقدير الأدنى في الدراسة، فإن ظاهرة التغير المناخي زادت من احتمالية هطول الأمطار بنسبة لا تقل عن 20 بالمائة، كما زادت من قوة الأمطار بنسبة 3 بالمائة. أما التقدير الأعلى، فأشار إلى زيادة في احتمالية هطول الأمطار تسع مرات أعلى، عطفا عن زيادة قوة الأمطار بنسبة 19 بالمائة.

غير أن ماتياس مينغل – عالم في معهد بوتسدام لأبحاث التأثيرات المناخية لم يشارك في الدراسة -  كان له رأي آخر، إذ اعتبر أن مستوى الأمطار كان نادرا وسقط على مساحة صغيرة جدا لدرجة أنه "من الصعب للغاية" إرجاع حدوث هذه الكارثة بعينها إلى ظاهرة التغير المناخي، يقول الباحث.

هذا الاعتراض دفع زملاءه إلى توسيع نطاق الأبحاث والتحاليل لتشمل بيانات من جميع أنحاء غرب أوروبا. وفي تعليقه، قال مينغل "بشكل عام، إن الدراسة تعد تأكيدا بأن ارتفاع درجة حرارة المناخ قد زاد من فرص وقوع مثل هذه الأحداث وأيضا ضراوتها".

وعلى العموم ومنذ آواخر القرن التاسع عشر، سجل ارتفاع في درجة حرارة الأرض بما لا يقل عن 1.1 درجة مئوية. وفي ألمانيا وصلت وفق بعض الدراسات إلى 2 درجة مئوية فيما يتوقع العلماء ازدياد قوة الأمطار الغزيرة مع ارتفاع درجة حرارة الأرض.

أفعى كبيرة

في منطقة "أوبر برغيشه كرايز" بالقرب من مدينة كولونيا (غرب) التي كانت من بين أكثر المناطق تضررا، بلغت نسبة الأمطار 150 ملم خلال 72 ساعة. بالنسبة لكريستيان كيتلر مدير شركة صناعة الآلات وتطويرها الواقعة هناك، فإن ما ميّز الوضع هذه المرة، علما أن المنطقة كثيرا ما تواجه فياضات هو "سرعة سقوط الأمطار وقوتها وكمياتها وأيضا أنها هطلت بشكل مفاجئ".

وتوقع علماء من المركز الحكومي لـ"خدمات المناخ بألمانيا"، ارتفاع الانبعاثات بدرجة كبيرة بحيث تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب بمقدار من أربع إلى خمس درجات مئوية، ما سيؤدي إلى زيادة عدد الأيام التي تشهد هطول أمطار في منطقة "أوبر برغيشه كرايز" تحديدا بنحو ما بين 11 إلى 14 يوما سنويا وبمعدل أكثر من 20 ملم.

وتمثل النسبة المرجحة أكبر زيادة في أي مقاطعة إدارية من المقاطعات الإدارية في ألمانيا والبالغ عددها 401. أما في منطقة آرفايلر القريبة، فقد رفع الادعاء العام دعاوى قضائية ضد السلطات المحلية لشبهات في القتل غير العمد الناتج عن الإهمال بعد غرق 12 شخصا من ذوي الاحتياجات الخاصة داخل منزل سكني في بلدة سينزيغ. 

وقال جان ماري دومين، صاحب مطعم قريب من منزل الضحايا، إنهم "لم يتمكنوا من الخروج. لقد حوصروا في الداخل". وقد أشار الباحثون في مبادرة "رصد أسباب التغيرات المناخية" إلى أن الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة من بين الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الفيضانات.

وقال دومين إن نهر آر "أصبح خطيرا وكأنه أفعى كبيرة..أفعى أكلت وامتلأت بطنها على آخرها بقنبلة مائية هي تسونامي".

كوارث حول العالم

ظاهرة التغير المناخي زادت أيضا من احتمالية حدوث موجة الحر القاتلة التي ضربت أمريكا الشمالية في يونيو/ حزيران بنحو 150 مرة، وفق القائمين على الدراسة. ويعني هذا أن هذه الموجة أصبحت أكثر احتمالية بحوالي 150 مرة وأكثر سخونة بنحو 2 درجة مئوية مما ستكون عليه في عالمٍ خالٍ من الوقود الأحفوري. 

وقبل ذلك، أثبت العلماء أن التغير المناخي أدى إلى تفاقم حرائق الغابات الأسترالية بين عامي 2019

و2020 وموجات الحر في أوروبا بين عامي 2018 و2019 والعاصفة الاستوائية إيميلدا التي ضربت الولايات المتحدة في 2019.

بيد أنه لا يمكن تأكيد هذه الصلة بين كل كارثة طبيعية وظاهرة التغيّر المناخي، في حال عدم وجود بيانات كافية. كما أن درجات الحرارة المرتفعة تعمل على تغيير المناخ بطرق معقدة ربما تزيد أو تقلل من احتمالية حدوث الكوارث الطبيعية.

فعلى سبيل المثال، لم تعثر دراسة نُشرت في دورية جمعية الأرصاد الجوية الأمريكية عام 2014 عندما بدء للتو البحث عن ارتباط علمي بين الكوارث المناخية وظاهرة التغير المناخي، أي تفسير مماثل حول الفيضانات العارمة لنهري الدانوب وإلبه عام 2013 في ألمانيا.

الأبحاث متواصة

في أغسطس / آب الجاري، وجد تقرير تاريخي نشرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنه في حالة ارتفاع درجة حرارة الأرض بحوالي 4 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإن هذا سيعني أن الأمطار الغزيرة التي كانت تقع مرة واحدة كل عقد ستهطل ثلاث مرات تقريبا وأن هطول أمطار سيحدث أكثر بمعدل 30 بالمائة، كما ستتعرض مناطق غرب ووسط أوروبا لفيضانات وهطول أمطار غزيرة بشكل متزايد.

الجدير بالذكر أنه ومقارنة بانخفاض معدل وفيات ضحايا الكوارث المناخية في العقود الماضية، نشهد اليوم تزايدا في أعداد النازحين نتيجة للتغيرات المناخية وتداعياتها. وظهر هذا التحول جليا في بلدان مثل بنغلاديش والصين التي أقامت دفاعات ضد الفيضانات وأنشأت أنظمة إنذار مبكر وأعدت خطط إجلاء معقدة ومتقدمة لإخراج السكان من المناطق الخطرة. 

بيد أن الكثير من السكان الذين تم إجلاؤهم يفتقدون إلى منازل يعيشون فيها وفرص تسمح لهم استئناف حياتهم وهو ما حدث حتى في الدول المتقدمة مثل ألمانيا.

ويحذر ماتياس مينغل من معهد بوتسدام لأبحاث التأثيرات المناخية، من أن "الظواهر التي وقعت خلال هذا الصيف في نهري إرفت وآر ومنطقة ميوز ستصبح أكثر قوة وتكرارا في المستقبل"، مشددا على "إننا بحاجة إلى الاستقرار المناخي على مستوى العالم لوقف هذا الاتجاه الخطير من الظواهر (المناخية) المتطرفة والمتكررة".

أجيت نيرانينان/ م.ع