1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

فلنطلب ثقافة ترشيد المياه ولو في برلين

١٦ سبتمبر ٢٠٠٦

رغم غنى العاصمة الألمانية برلين بالثروة المائية، فإن سكانها يتبعون ثقافة ترشيد صارمة على صعيد استهلاكها حرصا منهم على حماية مصادرها. هذه الثقافة يكملها نظام صارم لفرز النفايات والتخلص منها.

https://p.dw.com/p/97SL
بحيرة ليبنتزسي في برلين

عندما حلقت الطائرة بنا فوق برلين لفت نظري كثرة البحيرات والأنهار التي تخترقها وتحيط بها. مشاهد المياه هذه ولدت لدي شيئا من الحسد لأن دمشق واللاذقية ومعظم مدن عالمنا العربي فقيرة بهذه الثروة التي تشكل مصدر حياتنا. كما ولدت لدي أيضا شعورا بالفرح لأنني لا أتمتع فقط بمناظر المياه وإنما باستهلاكها. وهكذا استعديت نفسيا لذلك منذ وطأت قدماي أرض مطار شونيفيلد الدولي.

لكن المفاجأة جاءت بعد مرور بضعة أيام على إقامتي في المدينة، حيث بدأ مضيفي يكرر ملاحظاته على كيفية تعاملي مع المياه وأسلوب استخدامي لها بشكل غير عقلاني على حد تعبيره. وقد أثار كلامه هذا استغرابي لا سيما وأن في ألمانيا من مياه الأمطار والأنهار ما يكفي بلدان وأوطان بحالها. لكن أكثر شيء كان يثير حفيظته قيامي بفتح صنبور الماء على مصراعيه حتى في حال حاجتي لكأس منه فقط، أو قيامي بتنظيف عدد قليل من أوعية المطبخ من صحون وملاعق وكؤوس وما شابه ذلك.

المبالغة في استهلاك المياه يضر البيئة

Chiemsee Blick auf die Fraueninsel und die Chiemgauer Alpen
بحيرة تشيمسيصورة من: AP

ومع مرور الوقت يكتشف المرء إن حرص البرلينيين على عدم استهلاك المياه في غير محلها لا يتعلق بغلاء أسعارها فقط، وإنما بثقافة ترشيدها التي يتقنها الألمان بشكل نادر وأحيانا إلى حد الهوس. على سبيل المثال ما زلت أتذكر ارتعاد ملامح وجه مضيفي عندما اقترحت عليه قيامي بشطف البيت نهاية الأسبوع لأن هذه العادة غير دارجة في ألمانيا. كما أن ممارستها على حد قوله قد تشكل فضيحة بين الجيران. ومن بين الدروس الأخرى التي أتذكرها أنه شرح لي بأن تنظيف أدوات المطبخ والملابس من خلال استخدام المياه بشكل مبالغ فيه يزيد من الكميات المتدفقة إلى أحواض تجميع مياه الصرف الصحي ومعالجتها. وكلما زادت هذه الكميات التي تحتوي على مواد كيميائية ناتجة عن المنظفات وغيرها، كلما تطلب الأمر تشغيل محطات المعالجة بشكل أطول. ومما يعنيه ذلك استهلاك أكبر للوقود الذي يترك مخلفات وغازات تنطلق إلى الفضاء الذي نعيش فيه وتلوث الهواء الذي نتنفس. ومما يعنيه ذلك زيادة نسبة الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوان والشجر. وهذه الأمراض لا تكلف مزيدا من الأموال، وإنما المزيد من الأدوية الكيميائية التي تذهب مخلفاتها إلى المياه مجددا عبر شبكات الصرف الصحي. وهكذا تكبر المشكلة يوما بعد يوم بشكل يهدد محيطنا الذي يمنحنا الحياة.

نظام صارم لفرز النفايات

ومن أجل الحفاظ على هذا المحيط لا يحرص البرلينيون والألمان فقط على ترشيد استهلاكهم للمياه، وإنما على إتباع نظام صارم وخاص بفرز النفايات. ويتمثل هذا النظام بفرزها إلى زجاج وورق وبلاستيك ومعادن ومخلفات عضوية. وتوضع هذه المواد في حاويات مستقلة ذات ألوان مختلفة، مثلا الحاويات الصفراء مخصصة للبلاستيك والزرقاء للورق، بينما البنية للفضلات العضوية. ويتم تعريف الأطفال على هذا النظام منذ صغرهم بحيث يتقيدون به في البيت والشارع والمدرسة. أما الأجنبي الزائر إلى ألمانيا فيواجه صعوبات تطبيقه ليس فقط على صعيد التقيد بالفرز الذي لم يتعود عليه، وإنما على صعيد أوقات رمي بعض المخلفات كالزجاج والأثاث المنزلي. بالنسبة للزجاج مثلا يسمح برميه فقط خلال أوقات الدوام الرسمي كي لا يزعج الجيران أثناء تمتعهم بوقت فراغهم أو بعطلة نهاية الأسبوع.

Wannsee - Großbild
بحيرة فانسي في برلينصورة من: Flickr

التعليم في الصغر كالنقش في الحجر

وبعيدا عن الدهشة لسماع روايات تبدو وكأنها آتية من المريخ بالنسبة لي آنذاك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف وصل الألمان إلى هذا المستوى من ثقافة ترشيد المياه وفرز النفايات هذه. يقول الشاب البرليني مارك يوهانسن إن تعلمها يبدأ منذ الطفولة وبالأحرى منذ دخول الحضانة. هناك يتعلم الطفل كيف يفرز المخلفات وكيف يحافظ على كل قطرة ماء. ويواكب ذلك شرح أهمية الأمر وممارسته من خلال المربيات في الحضانة والمعلمون والمعلمات في المدرسة. ويدعم ذلك الأهل الذي يحرصون على إحاطة أبنائهم بأهمية المياه والحفاظ عليها. يذكر إن ألمانيا تتمتع بأفضل التقنيات في العالم في مجال تطوير الموارد المائية والحفاظ على استمرارها، إضافة إلى مد شبكات مياه الشرب والري والصرف الصحي وإعادة تنقيتها للاستفادة منها في الأغراض الزراعية. كما تنهج أيضا سياسة أسعار وقوانين صارمة تمنع التعدي على مصادر المياه وقواعد التخلص من النفايات.

هذا الأمر يذكر بينابيعنا الممتلئة بالنفايات المرمية حولها. كما يذكر بالهدر الذي نمارسه يوميا في بيوتنا وبرمي النفايات بشكل غير منظم. ولا ننسى الهدر الذي يمارس كذلك من خلال غسيل السيارات وغيرها بمياه الشرب رغم ندرتها في بلداننا. ومما يعنيه ذلك أننا ما زلنا بعيدين عن ثقافة ترشيد الثروة المائية التي تشكل مصدر حياتنا، ناهيك عن ضرورة هذا الترشيد بسبب ندرة هذه الثروة في بلداننا. وعلى ضوء هذه الندرة، ما أحوجنا اليوم إلى ترشيد استهلاكها أسوة بألمانيا والبلدان الأخرى التي تتبع أنظمة صارمة لحمايتها. ومن متطلبات ذلك تعاون معظم الجهات في إطار سياسة مائية وبيئية تهدف للحفاظ على مصادر المياه ونظافة البيئة قبل فوات الأوان.

عفراء محمد – كاتبة سورية

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات