فلسطينيون ممنوعون من اللجوء في أوروبا.. قرارات ترحيل معلّقة
٢١ يونيو ٢٠٢١ليس خافيا أن قضية اللجوء والهجرة في أوروبا باتت تحتل مواقع جد متقدمة في الحياة العامة اليومية هناك، مع طروحات الأحزاب والتشكيلات السياسية، يمينا ويسارا، المرتبطة بتلك المسألة بشكل مباشر والتي وضعتها في صلب خطابها لقواعدها الجماهيرية والانتخابية. وليس خافيا أيضا أن التعامل مع المجموعات المختلفة من المهاجرين واللاجئين، إنما يتم وفقا لتقييمات الدول الأوروبية لحالة بلدانهم الأم، سواء كانت آمنة أم لا، فضلا عن تطبيقات اتفاقية دبلن التي عمدت بعض الدول، مثل بلجيكا، لوقف العمل بها لاعتبارات خاصة بها.
دول أخرى مثل ألمانيا والدنمارك بدأت مؤخرا نقاشا حول إعادة المهاجرين واللاجئين لديها، خاصة السوريين، إلى بلدانهم الأم. وبعيدا عن الجدال الذي أثارته تلك الطروحات، اقترحت الدنمارك إنشاء مراكز استقبال في دول ثالثة، تقوم هي بتمويلها، لاستقبال طلبات اللجوء فيها، دون أي ضمانة لاستقبال من حازوا على حق اللجوء على أراضيها.
ما سبق هو جانب من النقاش والجدال اليومي في أوروبا حول عملية الهجرة واللجوء وكيفية التعامل معها. لكن هناك جنسيات لا تخضع بشكل تلقائي لتلك الآليات، كأولئك الذين يتم تصنيفهم على أنهم بلا وطن، فيتلقون قرارات رفض طلبات لجوئهم وأوامر بضرورة مغادرة تلك البلدان، لكن إلى أين؟
اللاجئون الفلسطينيون (أنظر تعريف اللاجئين وفقا لاتفاقية 1952) يشكلون إحدى تلك الجنسيات الغارقة في دوامة الإجراءات الإدارية وعمليات اللجوء المعقدة في أوروبا. جزء كبير منهم لا يحق لهم الحصول على حق اللجوء في أوروبا لاعتبار أن البلدان التي جاؤوا منها تعتبر آمنة (بعكس الفلسطينيين القادمين من سوريا). لكن وفقا للقانون الدولي، يعتبر هؤلاء الأشخاص بلا وطن، أي بلا جنسية معترف بها، وبالتالي لا يملكون بلدا خاصا بهم، وبالتالي لا يمكن ترحيلهم لأي مكان.
"لبنان بلد آمن لكنه ليس وطني"
عبد الرزاق، لاجئ فلسطيني من مخيم برج البراجنة في لبنان (جنوب بيروت)، وصل إلى ألمانيا قبل نحو ثلاثة أعوام. رفضت السلطات الألمانية طلب لجوئه كونه قادم من بلد آمن، وفي نفس الوقت لم يكن لدى السلطات أي اقتراح بشأن الدولة التي يجب أن يرحل إليها. قال عبد الرزاق لمهاجر نيوز "تطالبني السلطات هنا بالعودة إلى إسبانيا، البلد الأوروبي الأول الذي وصلته وحيث تقدمت بطلب لجوء لأول مرة (دبلن). غادرت لبنان قبل نحو ثلاث سنوات، قبل الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف به الآن، جلت نصف الكرة الأرضية قبل أن أصل إلى إسبانيا، فطريق التهريب بالنسبة لنا تختلف عن باقي الجنسيات، علينا تمويه طريقنا لنبدو كسائحين قبل أن نصل إسبانيا. المهرب توجه بنا إلى أثيوبيا والبرازيل وبوليفيا ثم إلى البرازيل مرة أخرى قبل أن نصل إسبانيا في رحلة ترانزيت".
ويضيف اللاجئ ذو الـ34 عاما والأب لثلاثة أطفال "في إسبانيا طلبت اللجوء وعائلتي وبصمت، لم يكن أمامي أي حل آخر، فتلك الوسيلة الوحيدة أمامي لدخول البلاد".
اقرأ أيضا: اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.. كورونا تفاقم المعاناة واليأس!
بعد شرح مطول حول دخوله إسبانيا وتهريبه من قبل نفس المهرب إلى ألمانيا، يقول عبد الرازق "مع وصولنا إلى ألمانيا وطلبنا اللجوء هناك، أخضعنا لفحص طبي وتم فرزنا لأحد المخيمات. أثناء عملية جمع البيانات قلت لهم إننا فلسطينيون، لكن لم يكن لديهم أي خانة على البرنامج الإلكتروني بتلك الجنسية، فسجلونا بلا وطن. اعتقدت أن ذلك سيؤمن لنا فرصة بالحصول على اللجوء، لكن بعد نحو شهر وصلتنا رسالة تفيد برفض طلب لجوئنا وضرورة مغادرتنا الأراضي الألمانية، لكن إلى أين سألتهم؟".
ويكمل "المحامي قال لي إن طلبي رفض كون السلطات هنا صنفت لبنان على أنه بلد آمن... لكن كونه ليس البلد الأم وكوني وعائلتي لا نملك أي جنسية أخرى، أعطونا قرار ترحيل معطل لاستحالة ترحيلنا لأي بلد. لكن مع هذا القرار لا يحق لنا العمل أو الحصول على أي نوع من المساعدات، لذا أعمل بالأسود لأعيل عائلتي، مع أن ذلك يضعني أمام خطر العقوبة القانونية والتغريم المالي كوني لا أملك الحق بذلك".
وأمام هذا الواقع، يسعى الكثير من اللاجئين الفلسطينيين ممن رفضت طلبات لجوئهم إلى التواري عن الأنظار في الدول التي رفضت طلبات لجوئهم فيها.
"لا يمكنني العودة إلى السعودية أو الأردن أو القدس"
حالة المنتصر بالله قطينة تختلف عما سبق. اللاجئ الفلسطيني الذي آثر اللجوء إلى السويد قبل نحو ست سنوات، وجد نفسه الآن عالقا في حالة من الإهمال والنسيان، فبعد رفض طلب لجوئه قبل سنتين ونصف، بقي الوالد لطفلين يحاول الاستحصال على أي ورقة تساعده بتحصيل حالة إقامة قانونية في البلاد.
منتصر من القدس، وكان يحمل الهوية المقدسية (أنظر التعريف) والهوية الأردنية بالتوازي. في 1999 سحبت السلطات الإسرائيلية هوية القدس منه، وبعدها بثمان سنوات سحبت السلطات الأردنية جنسيتها منه، فبات رسميا بلا جنسية يملك وثيقة تعريف من السلطات الأردنية دون رقم وطني.
حينها كان منتصر يعمل في السعودية، في 2015، ومع رفض السلطات تجديد إقامته، قرر اللجوء إلى السويد. "رفضوا طلب اللجوء الخاص بنا، تقدمت لهم بكافة الوثائق التي تثبت عدم قدرتي على العودة لأي مكان، لا القدس ولا الأردن ولا السعودية. استحصلت على رسالتين رسميتين من السفارتين السعودية والأردنية لتأكيد روايتي، مع ذلك لم أنل اللجوء".
ويضيف "ما أنا قلق حياله الآن هو نقلي وعائلتي إلى مخيم آخر يبعد عن مدينة هالمستاد 25 كلم. المخيم موصوم بمشاكله الكثيرة، الإعلام السويدي أضاء على واقع الحياة هناك أكثر من مرة، عصابات ومخدرات وتحرش، كيف يمكن أن أطمئن لمستقبل أطفالي هناك؟".
لا يملك منتصر الكثير من الخيارات، فهو مجبر على الاستجابة لطلب السلطات بالانتقال إلى ذلك المخيم، ولن يتمكن من المطالبة بأي تغيير بذلك الشأن أو إعادة طلب اللجوء قبل سنة ونصف، بعد مضي أربع سنوات على طلبه الأول.
يقول "إحدى المنظمات السويدية أصدرت تقريرا قالت فيه إن أكثر من 27 ألفا في السويد يعانون من نفس وضعي، معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين والبدون. أنا شخصيا أعرف ست عائلات من اللاجئين الفلسطينيين القادمين من لبنان وسوريا وغزة، جميعهم رفضت طلبات لجوئهم لأسباب مبهمة".
"أشباح في بلد لا نعرفه"
أما سلمى وعائلتها فقصتها مختلفة بعض الشيء" جاءت سلمى وعائلتها إلى السويد من لبنان، بعد أن كانت قد لجأت إليه في 2016 أثناء قصف مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق. اعتبرت الأم لعائلة من أربعة أطفال أن حظوظهم بالحصول على اللجوء مرتفعة كونهم قادمون من منطقة حرب.
مفاجأة سلمى كانت العكس، "وصلتني رسالة تفيد برفض طلب لجوئي وعائلتي بحجة أننا قادمون من بلد آمن حينها، لبنان. قالوا لي إنه علي العودة إلى لبنان. حاولت ما بوسعي، تقدمت بطلب نقض لقرار الرفض وأحضرت لهم إثباتات تفيد بأن السلطات اللبنانية ترفض استقبال اللاجئين الفلسطينيين من سوريا على أراضيها لكن ما من مجيب".
تسترسل الأم العازبة في حديثها وتواصل "في البداية شعرت وكأنني وأطفالي بتنا أشباحا في بلد لا نعرفه. رويدا رويدا تأقلمت مع هذا الوضع الجديد، أولادي تعلموا اللغة بشكل جيد جدا وأنا بات لي بعض الأصدقاء، لكننا لا نملك أوراق لجوء هنا. قالوا لي إنه سيتم إعادة دراسة وضعي في 2022، على أمل أن يغيروا وجهة نظرهم".
الأمثلة السابقة تتكرر في الكثير من الدول الأوروبية، دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية لوضع اللاجئين الفلسطينيين. فهؤلاء خضعوا لتعريف مختلف عن تعريف مفوضية اللاجئين، واقترن بإنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين، وبالتالي باتوا مقترنين بمنطقة جغرافية محددة لم تعد موجودة على خرائط العالم السياسية.
وبالتالي، فإن ما ينطبق على السواد الأعظم من اللاجئين لا ينطبق على الفلسطينيين منهم، الذين يتم التعامل معهم على أنهم بلا وطن (َApatride أو Stateless) وذلك حسب القانون الدولي الذي ينص على أن عديم الجنسية هو "الشخص الذي لا تعتبره أي دولة مواطنا فيها حسب تشريعاتها".