1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

غزة: الحصار والحرب يؤسسان لجيل ذي توجهات عنيفة

٢٥ أغسطس ٢٠١٠

حصار قطاع غزة هو الأطول والأشد في التاريخ المعاصر, فهو مستمر منذ نحو أربع سنوات وتخللته حرب مدمرة. ورغم جهود إعادة التأهيل النفسي لأبناء القطاع, يؤكد المختصون على وجود كوارث إنسانية ونفسية أسست لجيل ذي تطلعات انتقامية.

https://p.dw.com/p/OuZQ
آلاف الأطفال وذويهم باتوا بلا مأوى وأصيبوا بصدمات وأمراض نفسية جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة في غزةصورة من: DW/S.Al-Farra

"أربع سنوات هم وغم، والحال كما هو: وعود بإعمار القطاع وفك الحصار وفتح المعابر، كلها وعود بتنا نسمعها ليل نهار وأصبحنا لا نعطيها أي اهتمام، فالكلام ببلاش مش بفلوس".

كلمات حزينة ويائسة قالها لدويتشه فيله أحد المترددين على مراكز الصحة النفسية في مدينة غزة، الذي رفض نشر اسمه قائلا :"بلاش اسمي ينشر, لكن أؤكد لك أنك ستقابل في جولاتك نسبه كبيرة جدا من الأشخاص وضعهم أتعس من حالتي بكثير".

الرجل ملتح وهو في العقد الخامس من العمر، ورغم الهدوء الغالب عليه ولباقته في الحديث، إلا أنه سرعان ما بدأ ينفعل ويتحدث بشكل أشعرني وكأنني أمام فوهة بركان قابل للانفجار.

روايات مأساويه حيه كثيرة قابلناها من قبل ومازلنا نقابلها نتيجة الحرب والحصار، فعائلة السمونى من جنوب شرق غزة، سقط مهنا نحو ستين شخصا مدنيا في الحرب الأخيرة على غزة. والطفلة إسراء السموني، فقدت القدرة على النطق لعدة أشهر من شدة الفزع، بعد أن شاهدت والدتها وهي تنزف حتى الموت وهي في حضنها. إسراء لم تفقد أمها فقط، بل فقدت أمها وأبيها وأخيها في وقت واحد .

قصة أخرى هي قصة يحيي الفرا وأخته عُلا، وقد تعرضا لإصابات بالغة نتيجة إطلاق مروحية إسرائيلية صاروخا تجاه دراجة نارية لأحد الناشطين بالقرب منهما أثناء خروجهما من المدرسة، فكتب الله لهما النجاة بأعجوبة، رغم الجراح التي أصيبوا بها والآثار النفسية التي عانوا منها. وتقول أم يحيى والدة الطفلين:" لن أنسى ايش صار لأولادى وعلامات الإصابة في جسديهما الصغيرين، والحصار زاد من المعاناة، فبعد جهود كثيرة وانتظار طويل عالجنا يحيى من الإصابة في مستشفيات مصر". أما الطفلة علا، والتي حال الحصار دون علاجها في مصر فتقول:" لِسّه الشظايا في جسمي وبتألمني وبتعالج لهلقيت(حتى الآن)، وكل ما أسمع صوت أي طيارة بفكر إنها حتقصفنا".

الاونروا تحذر من كوارث إنسانية

منظمة العفو الدولية أقرت وفق تقارير لها بأن الحصار الإسرائيلي المفروض على نحو مليون ونصف المليون مدني في قطاع غزة، يمثل شكلاً من أشكال العقاب الجماعي ويعد انتهاكا صارخاً للقانون الدولي.

Amal Zentrum in Gaza Gazastreifen
أخصائية في الصحة النفسية من مركز الأمل للرعاية والاستشارات النفسية تلتقي المواطنين لتقديم المشورة إليهم.صورة من: DW/S.Al-Farra

عدنان أبو حسنة، المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الاونروا، قال لدويتشه فيله :"الحصار على مدار الأربع سنوات الماضية دمر كافة البنى التحتية للاقتصاد في القطاع، ورفع نسبة البطالة إلى نحو 60% والفقر إلى 80% ، و تضاعف عدد اللاجئين الذين يعيشون تحت نير الفقر المدقع ثلاث مرات منذ بدء الحصار، ولا تملك هذه العائلات الوسائل التي تساعدها على شراء الاحتياجات الأساسية الأشد إلحاحاً، وأكثر من 60 % من الأسر تفتقر إلى الأمن الغذائي".

كما أكد أبو حسنه أن نظام الرصد الوبائي الذي تديره الأونروا والذي يغطي كل سكان قطاع غزة، سجل زيادة في انتشار أمراض عديدة من بينها أمراض التهاب الكبد الوبائي والإسهال والجفاف وسوء التغذية، خصوصا عند الأطفال بسبب تلوث المياه الجوفية ومياه الشفة والتصريف الغير سليم للنفايات السائلة والصلبة.

ويضيف أبو حسنة:" أن قطاع غزة عانى ومازال من نقص المعدات الطبية، وتعذر إعادة بناء المستشفيات والمؤسسات والمراكز الصحية المدمرة بسبب استمرار الحصار حيث تمنع إسرائيل دخول مستلزمات الحد من تفاقم تلك الكوارث الصحية والبيئية ". وما يعزز ذلك القول زيارة ممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون إلى القطاع في التاسع عشر من الشهر الماضي وتأكيدها على أن الأوضاع في القطاع "كارثية" لم تتغير, وتشديدها على ضرورة فتح المعابر بشكل كامل.

تلك الأمور خلقت مشاكل نفسية لكثير من الآباء العاطلين عن العمل، والذين لا يستطيعون توفير احتياجات أسرهم، مما أصابهم بحالات الاكتئاب والاضطرابات العصبية والتوتر.

كذلك أدى تفاقم البطالة إلى تأخر سن الزواج لدى الشباب وإلى ارتفاع نسبة الطلاق بسبب الاضطرابات النفسية، ووفق دراسة مشتركة لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية التابعتين للأمم المتحدة، فإن الحصار والبطالة، تحت مسمى سنوات العجز وعدم الإنتاج، خلقا أمراضا نفسية كثيرة وقياسية في القطاع.

جهود محلية ودولية لدرء الآثار النفسية

شهد قطاع غزة حملات محلية ودولية مكثفة أطلقتها مراكز الصحة النفسية المختلفة لإزالة الآثار النفسية الناجمة عن الحرب والحصار على السكان. وشملت هذه الحملات التوعية والإرشاد النفسي وتقديم الخدمات العلاجية وتقديم مهارات تساعد على إدارة الضغوط النفسية في شتى المواقف والظروف.

للاطلاع عن كثب على برامج الرعاية والعلاج والتأهيل النفسي، قامت دويتشه فيله بزيارة ميدانية لمركز الأمل للرعاية والاستشارات النفسية. مدير المركز الدكتور أنور العبادسة قال لنا " إن أكثر الخاضعين لبرامج المركز هم من الأطفال الذين يعانون من الفزع الليلي و التبول اللاإرادى واضطراب ما بعد الصدمة " وقد أظهر مسح ميداني أجراه المركز:" أن لدى الأطفال ردات فعل سلبيه وعنيفة تجاه الاحتلال، تؤسس لجيل عنيف ".

وفي تعليقها على نتائج هذا المسح الميداني قالت الأخصائية النفسية في مركز الأمل فاتن النجار: " أظهرت نتيجة المسح الميداني أن المشكلات السلوكية للأطفال تمثلت في العدوان والتخريب والتدمير وحب الإيذاء الشخصي والكوابيس وقضم الأظافر والتبول اللاإرادى والخبرة الصادمة".

ولدى الاستيضاح عن معنى "الخبرة الصادمة" أشارت الأخصائية فاتن النجار :" أنها تكرار الحدث المسبب للصدمه مثل القصف أو ما شابهه، فلا يُشترط المواجهة بصورة مباشرة لحدوث صدمة جديدة، فينتج عن ذلك الحلم الدائم للصدمة وعقدة الخوف من التواجد في أماكن الحدث، وهذا منتشر بشكل كبير جدا بين الأطفال في القطاع ".

Amal Zentrum in Gaza Gazastreifen
ثلاثة أرباع الأمهات في قطاع غزة يعانين من اضطرابات نفسية.صورة من: DW/S.Al-Farra

وقد خلصت دراسة مسحية إحصائية لمركز الأمل إلى أن : "(70%) تعرضوا لخبرة صادمة، أما نسبة الانفعال فسجلت(66.2%) لدى الذكور و(67.9%) عند الإناث وسجل الانطواء على الذات لدى الأطفال (88.8%) والعدوان (70.9%) والرغبة في إيذاء الذات (93.1%) والأرق والقلق والتوتر(80%) ونوبات الغضب(86.3%) وتجنب الحدث الصادم(97.4%) ".

تقدم المراكز النفسية والصحية المحلية في القطاع خدماتها مجانا، وتشمل البرامج تأهيلا وعلاجا نفسيا للأطفال عن طريق الرسم و"السايكو دراما" وهو تمثيل الحدث تلقائيا من المريض دون توجيه، كذلك علاج تسكين العين وخفض الحساسية التدريجي وتجنب كل ما يذكرهم بالأحداث المسببة لصدماتهم النفسية.

كما أقامت الاونروا مخيمات صيفية في القطاع لآلاف الأطفال تخللها نشاطات ثقافية وألعاب استطاعوا من خلالها دخول موسوعة جينس في "طبطبة" كرات السلة. وهدفت الاونروا من خلال هذه الفعاليات إلى لفت الأنظار للمعاناة التي يعيشها أطفال غزة بفعل الحصار الإسرائيلي.

وقامت وفود أوروبية وأمريكية في الأشهر القليلة الماضية، وبشكل مكثف، بزيارات للقطاع لتقديم العلاجات النفسية للمواطنين. وكان آخرها الزيارة الثالثة لوفد ألماني مكون من أحد عشر ناشطا من مؤسسة "فيلت دورف" الألمانية لفن تربية الأطفال. وقد التقى الوفد خلال زيارته، التي استغرقت عشرة أيام وانتهت مطلع الشهر الجاري، بعائلات تعرضت للقصف بالفسفور الأبيض. كما زار الوفد الألماني عائلات أخرى ما زالت تقطن في خيام بعد أن دمر القصف الإسرائيلي منازلها لتقديم العلاج النفسي للأطفال.

و تشير إحصائيات دولية في مجال الصحة وحقوق الإنسان إلى أن 59 % من الآباء و75 % من الأمهات يعانون نفسيا من الأوضاع الصعبة السائدة في قطاع غزة، فيما يعاني 92 % من الأطفال من الصدمة النفسية ويعيش 99 % منهم في أوضاع غير آمنة.

شوقي الفرا- غزة

مراجعة: عبدالرحمن عثمان

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد