1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عندما تغير طائرات المجاهدين على الجنود الألمان

مروة مهدي٢٩ يوليو ٢٠٠٧

مسرحية ألمانية تطرح إشكالية الحرب ومعاناة ومساهمة الإنسانية فيها في الوقت ذاته، كما انها تسلط الضوء على فداحة الخسارة التي تمنى بها الإنسانية مع كل حرب، ولا تستثني توجيه النقد للمجتمع الألماني.

https://p.dw.com/p/BJG3
برج بابل كما تخيله الفنان لوكاس فان فالكنبورشصورة من: presse

في أحد المواقع العسكرية للجيش الألماني يتجمع مجموعة من الجنود في انتظار ضربات جوية من الأعداء، عُلم بتوجهها للموقع من جهات أمنية، ولتمضية الوقت يدخن الجنود الحشيش ويشربون الكحول ويتسامرون مع بعضهم. هكذا تبدأ أحداث مسرحية "لا بد أن تسقط بابل"، والتي عُرضت على خشبة مسرح الشعب ببرلين في نهاية الموسم المسرحي الحالي.

تقنيات المسرح الملحمي في العرض

تتطور أحداث المسرحية من خلال ما يدور على الخشبة بين الجنود أثناء انتظار لحظة الهجوم من العدو وبين الفرقة الموسيقية الموجودة بآلاتها الموسيقية أيضا على الخشبة، وبين الحين والأخر يتدخل المخرج جاك بالمينجر للتعليق أو للمشاركة في الأحداث، هادفا لكسر الإيهام لدى الجمهور، والذي يتوجه إليه مباشرة بالحديث في الكثير من الأحيان، متأثرا في ذلك بتقنيات المسرح الملحمي التي أوجدها برتولت بريشت من خلال التوجه إلى عقل المتلقي و ليس إلى وجدانه، كي يستطيع أن يفكر بعقلانية في حياته.

يبدأ الجنود في تبادل أطراف الحديث تحت تأثير المخدر، ليحكوا عن مخاوفهم وتجاربهم الخاصة، ورغم إستمرار الحوار المتبادل بين الشخصيات إلا أنهم يبدون منفصلين نفسيا عن بعضهم البعض. فكل منهم غارق في عالمه محاولا إيجاد مبرر لتعاطيه الدائم للمخدرات ومبرر أخر لوجوده داخل هذا العالم القاسي: عالم الحرب.

ازدواجية الوجود الإنساني

Indische Soldaten im Zweiten Weltkrieg Burma
لقطة من الحرب العالمية الثانيةصورة من: AP

توجد على جانبي خشبة المسرح شاشتان للعرض، تعرضان بين الحين والأخر مشاهد من الحربين العالميتين الأولى والثانية ومشاهد أخرى للجنود الألمان في أفغانستان، مشاهد متفرقة، تبدو منفصلة أحيانا عن أحداث المسرحية وأحيانا أخرى تكملة لها.

يضع العرض علامات استفهام حول الحرب ومغزاها، فالإنسانية نفسها هي من تخلق الحرب، وهي نفسها التي ترفضها وتندد بها. أن هذه الازدواجية لدى البشر هي التي تدفعهم في الكثير من الأوقات إلى الهروب من الواقع سواء عن طريق المخدرات أو العنف.

من هو العدو؟

وتنتقل المسرحية بعد ذلك الى طرح التساؤل عن هوية العدو المنتظر وسبب قتله. فالجنود يشعرون في قرارة أنفسهم بعبثية حربهم هذه. وبعد معركة دارت رُحاها على شاشة العرض يدخل إلى خشبة المسرح جندي أسود يحمل مظلة. فيبدأ الجنود الألمان في تعذيب الأسير محاولين قتله وكأنه دمية بلا روح، حتى يقررون قبل موته أن يتعرفون على هويته ويأخذ الجندي في تقديم نفسه للجنود متوجها إلى الجمهور بحوار مباشر. فيعرف نفسه على أنه إنسان قد يكون من المجاهدين أو من المقاومين في دارفور... المسألة غير مهمة فليس هناك فرق كبير، فهو في النهاية إنسان، سواء نال النصر أم ابتلي بالهزيمة فأن خسارة البشرية مؤكدة.

نقد للمجتمع الألماني

Anti-Kriegs-Demonstration in London
الحرب مبعث دمار للإنسانيةصورة من: AP

وضمنيا ينتقد العرض المجتمع الألماني و الحياة الآلية التي يعيشها الكثيرون. في الوقت الذي يغيب فيه تحقيق الذات ومعنى للحياة يندفع البعض إلى العنف أو الإدمان أو المشاركة في الحروب. فأحد جنود المسرحية يبرر مشاركته في الحرب قائلاً: "كل شيء سيء، المرأة غير المناسبة، العمل غير المناسب، السيارة غير المناسبة، كل شئ سيء... ماذا بعد؟ فلننضم إذن إلى بقية مرضى الخوف في طائرة مروحية ولنحيا شيئاً حقيقياً و لو لمرة واحدة فحسب!! نعود بثلاث رصاصات في البندقية فقط. تحويل الشعور الذاتي بالضياع إلى موعد عالمي.. تلك هي المسألة. لقد قتلت ثلاثة أشخاص في الحرب، لهذه الجملة صدى يختلف عن القول أن سيارتي معطلة... أنكم في الطريق إلى تدمير أنفسكم".

لابد أن تسقط بابل

يكشف العرض الجوانب السلبية في النفس الإنسانية، والتي أطلق عليها بابل والتي يجب أن تسقط ليصبح العالم أفضل. بابل هي مدينة الخطايا في الرمز الإنجيلي، وهي المدينة التي عاقب الله سكانها بنسيان اللغة، فلم يعودوا قادرين على التواصل، وهذه هي صورة العالم اليوم كما يراها بالمينجر، عالم خالي من التواصل.

الجدير بالذكر أن بالمينجر اهتم دائما في عروضه بكشف أخطاء هذا العالم، حالما في الوقت نفسه بعالم أفضل خاليا من الحروب. ويتجسد هذا الحلم بوضوح في الأغاني و الموسيقى المصاحبة للعرض، ليؤكد في النهاية أن سقوط بابل أو خلاص الإنسان من خطاياه التي تتجسد في أبشع صورها في الحروب هو الخلاص الوحيد للبشرية.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد