عندما تصبح الموسيقى عقيدة للنجوم وللمعجبين أيضا
١٩ يوليو ٢٠١٣تصف المغنية الإيطالية المشهورة جيانا نانيني الغناء في مقابلة معها بأنه "تعويذة شافية"، وقالت: "عندما أغني، أشعر وكأنني في حالة نشوة. فهو يسعدني ويغير من وعيي. لذلك أريد أن أنقل هذا الشعور إلى العالم بأسره". وتستدرك نانيني وتضيف: "لكن هذا لا يعني أنني متدينة".
يتوافق موقف المغنية الإيطالية هذا مع رؤية عدد من زملائها عند الحديث عن الغناء مثل جيمي هندريكس وسانتانا وغيرهماز فهم يغوصون في أعماق موسيقاهم ويخرجون منها بمشاعر منتشية. المعجبون بهؤلاء يؤكدون ذلك أيضاً، إذ أن الألحان تؤثر على المستوى اللاشعوري.
وتعتبر أستاذة الدراسات الموسيقية والنفسية في جامعة فرانكفورت الألمانية، ماريا شبوشيغر، بأن للموسيقى وللدين جذورا متشابهة، و تقول: "كلاهما قادر على إثارة المشاعر التي لا يمكن وصفها بالكلمات وحدها. وقد يؤدي لك إلى انبعاث مشاعر روحانية جديدة تتجاوز الروتين اليومي".
"ملاك يعزف البيانو"
إن القدرة الروحانية للموسيقى تعود إلى تأثيرات تمتد إلى بداية التاريخ البشري. وحتى في القرن الحادي والعشرين، لازال الكهنة يستخدمون في طقوسهم الطبل أوالمزمار. فلم يكن عنصر الترفيه هو الهدف من الموسيقى لدى القبائل البدائية، بل كانت الموسيقى وسيلة للاتصال مع الآلهة.
وفي المسيحية أيضاً تلعب الموسيقى منذ زمن طويل دوراً هاماً. فابتداء من الأناشيد الدينية الغريغوريانية مروراً بمقطوعات كانتاتا الأرغن لباخ وانتهاء بأغاني الغوسبل الدينية، هناك للموسيقى لغة خاصة بها، لإظهار مشاعرالفرحة أو الحسرة أو للتأمل أو للنشوة.
ويصف أستاذ علم النفس والموسيقى بجامعة بادابورن الألمانية هاينر غيمبريس ذلك بالقول: "الموسيقى تشبه عزف الملاك على البيانو، فهي تلامس أحاسيسنا وتجعلنا نشعر بوجود كيان أكبر يأخذنا خارج الحدود التي تقيد عالمنا".
روحانيات دون عنصر التدين
في العالم الغربي العلماني، تراجع العنصر الديني في الموسيقى بقوة. وكما كان الأجداد يقدسون سابقا السيدة العذراء أو القديسين، فإن شباب اليوم أصبحوا يقدسون نجوم الموسيقى موازاة بذلك. فالمشاعر التي كان المرء يحياها خلال الصلوات أو ممارسة الطقوس الدينية، يعيشها الشباب الآن في الحفلات الموسيقية، حيث يبحثون عن السعادة أو المواساة.
حول ذلك توضح ماريا شبوشيغر بالقول: "إن الجانب الروحاني لا يخرج من المرء في حد ذاته بل ينطلق من مخزون ثقافي معين. فمستوى قيمة الموسيقى عال جدا بالنسبة لكثير من الناس، لأنهم يجدون فيها معنى لحياتهم ولكينونيتهم. وبعضهم يستخدم الموسيقى كوسيط في إرضاء احتياجاته الدينية".
نشوة الألحان
وهذا ما يؤكده أيضا المعجبون بالنجوم، مثل إليزابيث ديك، التي تبلغ من العمر 36 عاماً، وتقول: "في السابق كنت أستمع دائماً إلى موسيقى فرقة ’إنيغما’. ألحانها الهادئة كانت بالنسبة لي روحانية للغاية وكنت أشعر بأنني أطفو في عوالم أخرى".
أما اليوم، فتفضل إليزابيث حضور حفلات الروك الصاخبة، مضيفة أن "على المرء ألا يربط ذلك بالروحانيات. غير أنه عندما يحتفل المئات من المعجبين، ينجر المرء إلى تلك المشاعر بسهولة، وعندها أشعر بالنشوة".
هذا ما يمكن ملاحظته أيضاً في حفلات موسيقى "تكنو"، إذ يتمايل الكثير من الشباب وكأنهم سكارى على أنغام نابضة. كما تشير دراسات إلى أن هذه الأنغام تؤثر على الجهاز العصبي الذاتي، الذي يؤثر بدوره على الجسم بأكمله. يستغل منظمو حفلات دي جي هذه المعلومات، إذ يقومون أثناء الحفلات باختيار أغان لها نفس عدد دقات (بت) في الدقيقة. وعلى مدى ساعات من عزف هذه القطع الموسيقية، ينجرف الراقصون إلى حالة شبيهة بشعور النشوة.
الموسيقى والدين
وبذلك يتحول نجوم الموسيقى ومنسق الموسيقى (دي جي) أيضاً إلى شخص ذي قدوة دينية. كما يسعى الشباب الذي يعيش في مرحلة البحث عن الذات إلى تقليد هؤلاء. وهذا ما تشير إليه المغنية الأمريكية "بينك" في أغنيتها الشهيرة بعنوان "الرب هو دي جي".
خلال الحفلات الموسيقية، يتكون لدى المعجبين والمستمعين شعورا بالانتماء الجماعي. ومن تم تسعى مجموعات المعجبين المختلفة إلى فصل نفسها عن بقية المعجبين عبر التمركز على أنماط موسيقية معينة ومن خلال ممارسة طقوس معينة أو ارتداء ملابس ومجوهرات مميزة.
وتلعب إحاطة النجم الموسيقي بهالة من الغموض دوراً كبيراً في تسويقه، كما تبذل صناعة الإعلانات جهداً كبيراً لتقديم النجوم على أنهم أشخاص خارقون. ويزداد شغف المعجبين وأملهم في التحول ايضا الى "شخص خارق" مثل هؤلاء النجوم في العديد من البرامج التلفزيونية التي تبحث عن نجوم متلألقة، مثل "آراب أيدول"، التي تجذب آلاف الشباب بحثا عن التألق والشهرة في عالم الموسيقى.
الدين والاستفزاز
يلعب الدين دوراً مختلفا بالنسبة للنجوم، فبعضهم متدين مثل مغني البوب الألماني كسافيير نايدو، الذي يظهر إيمانه كمسيحي بشكل علني من خلال كلمات أغانيه ومن خلال ممارساته، حيث يصلي، مرتين في اليوم، حسب قوله.
وهناك مغنون يستخدمون رموزاً دينية بهدف الاستفزاز، مثل مادونا، التي نقشت جروح الصليب على يديها واستخدمت رموز الصليب في حفلاتها الموسيقية، الأمر الذي تسبب في إغضاب الفاتيكان. غير أن مادونا ترى في ذلك نوعاً من التحرر. فليس من الغريب إذن أن يستخدم النجوم مثل هذه الإثارات بهدف تسويق أعمالهم الفنية بشكل أكبر.
بالنسبة لبعض النجوم، مثل مايكل جاكسون، فإنهم يودون الظهور خلال عروضاتهم الموسيقية وسيناريوهات الأضواء وعروض الليزر وكأنهم مرسلون منزلون من السماء الى القوم. فالحفلة الموسيقية تتحول بذلك إلى عرض موسيقي مهيب وتستغل رموزاً تذكر بقصص العهد القديم، الذي كان المرء فيه يلتقي شخصياً بربه.
لا يولي المعجبون لتحليلات علماء النفس هذه أهمية كبيرة، فالأهم بالنسبة لهم هو شعور الاستمتاع، كما تقول إحدى الشابات في التاسعة عشر من العمر: "عندما أذهب مع أصدقائي إلى حفلة روك، فإني أشعر بالحرية. فنحن نخرج عن ذاتنا، وننسى عناء الأسبوع وخلافاتنا. كل ذلك يختفي فجأة ويصبح بدون أهمية. أشعر وكأنني وصلت إلى ما أنشده، أي إلى عالمي الشخصي ".