كيف تستفيد الحكومة المصرية من كارثة قطاري الإسكندرية؟
١٧ أغسطس ٢٠١٧حادث تصادم قطارين على مدخل محافظة الإسكندرية شمال مصر ظهر يوم الجمعة الماضي، جاء في توقيت سيئ جداً للحكومة المصرية، وأحرجها كثيرا أمام الرأي العام، لكن وللمفارقة الشديدة فإن الحكومة المصرية - ومن غير قصد بالطبع - ربما تستفيد كثيراً من هذا الحادث لاتخاذ إجراءات لم تكن تستطيع الاقتراب منها طوال سنوات طويلة!
الحادث المأساوي أدى لمقتل حوالي 41 راكباً وإصابة 132 آخرين نتيجة تعطل قطار كان قادماً من محافظة بورسعيد قبل دخوله لمدينة الإسكندرية بمسافة بسيطة، واصطدم به قطار كان قادماً من العاصمة القاهرة.
وأثار الحادث غضباً شعبياً عارماً في وسائل الإعلام المختلفة، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي، التي شنت حملات نقد عنيفة ضد الحكومة وكبار المسؤولين إضافة إلى منظومة السكة الحديد بالكامل.
انتقادات الكتاب والصحفيين طالت كل ما يتعلق بهيئة السكة الحديد، وتحدث كثيرون عن الفساد داخلها والانفلات، الذي وصل إلى حد تناول بعض السائقين للمخدرات داخل كابينة أحد القطارات في مركز طنطا بمحافظة الغربية وهو الامر الذي فجره نشر فيديو علي اليوتيوب قبل اسبوعين.
كما وُجدت أعداد ضخمة من العمالة تصل إلى 86 ألف عامل وموظف وسائق ومهندس. وغياب الإدارة الاقتصادية القائمة على الكفاءة، الأمر الذى أدى إلى وجود خسائر سنوية تصل لخمسة مليارات جنيه، ليس فقط بسبب دعم تذاكر الركاب، ولكن لوجود مستشارين يتقاضون رواتب ضخمة.
الحكومة سارت بالتحقيق الإداري في حادث التصادم بالتوازي مع تحقيقات النيابة العامة. ووزير النقل هشام عرفات أقال رئيس هيئة السكة الحديد اللواء مدحت شوشة أو قبل استقالته في رواية أخرى. ويوم الاثنين الماضي ذهب الوزير إلى لجنة النقل في البرلمان حيث تعرض لانتقادات عنيفة من نواب اللجنة.
الوزير وصف الحادث بأنه يرقى إلى درجة القتل العمد، متعهداً بعدم تكراره مستقبلاً من دون أن يوضح كيفية تطبيق ذلك على أرض الواقع.
الوزير شكا أيضاً من ضعف الإمكانيات، وقال إن الهيئة تحتاج إلى أكثر من مائة مليار جنيه، لإنجاز التطوير المطلوب خصوصاً في ماكنة الإشارات أو تطوير المزلقانات، إضافة إلى تطوير الخطوط نفسها وإعادة تأهيل العمالة داخل الهيئة.
هذا هو الحادث الأليم ،لكن كيف يمكن أن تستفيد منه الحكومة؟!
المفارقة أن هذا الحادث المأساوي جعل الحكومة تطرح للمرة الأولى فكرة الاستعانة بالقطاع الخاص للاستثمار في مشروعات متعلقة بالسكة الحديد. هذا الأمر كان محرماً الحديث فيه تماما منذ ثورة يوليو 1952، وحتى شهور قليلة مضت، حينما بدأ البعض يتحدث عن ضرورة دخول القطاع الخاص إلى هذا المرفق الاستراتيجي، طالما أن الحوادث صارت تقع بصورة شبه دورية، وطالما أن الحكومة لم تعد قادرة على تطويره بمفردها.
وزير النقل قال إن رئيس الجمهورية وافق على فكرة الاستعانة بشركات أجنبية بالاستثمار في تطوير ورش السكة الحديد، وهو الأمر الذي يتطلب تعديلات تشريعية. وهناك تقديرات بأن وزارة النقل المصرية تتجه للاستعانة بشركة سيمنس الألمانية وشركات فرنسية وإسبانية في هذا المجال.
خطة التطوير يفترض طبقاً لوزارة النقل أن تستغرق أربع سنوات، وسوف يساهم البنك الدولي في تنفيذها. وتم التعاقد على شراء 200 جرار جديد وصيانة 181 جرار قديم بتكلفة تبلغ 8 مليارات جنيه، وهناك مفاوضات مع بلدان أوروبية لتمويل شراء ألف عربة قطار جديدة و25 عربة قوة بتكلفة تصل إلى 360 مليون جنيه.
لكن الأهم أيضاً أن هذا الحادث الاخير، سيفتح الطريق للقطاع الخاص، كي يستثمر في نقل البضائع عبر السكة الحديد، وهو الأمر الذى كان ممنوعاً تماماً، والفكرة من وراء هذا المشروع، هو أن تساهم الأرباح التي تتحقق منه، في تطوير قطاع نقل الركاب بالسكة الحديد الذى ينقل 1.4 مليون راكب يومياً عبر 936 رحلة، بأسعار تقول الحكومة إنها مدعمة، الأمر الذى يؤدي إلى تراكم الخسائر التي وصلت إلى حوالي خمسين مليار جنيه.
التطور الأبرز أيضاً نتيجة لهذا الحادث أن الهيئة قررت أخيراً أن تطبق ما كانت تحلم به سابقاً، وهو تخفيض عدد الرحلات اليومية، عبر تقليل زمن التقاطر إلى قطار كل 20 دقيقة بدلاً من قطار كل عشر دقائق، وهو الأمر الذى سيقلل كثيراً من العجز الكبير في ميزانية الهيئة والمقدر بحوالي عشرين مليار جنيه.
علماً أنه كانت هناك تقارير تتحدث عن وجود "رحلات سياسية" لبعض القطارات، بمعنى أنها كانت لإرضاء هذا المسؤول أو ذاك، رغم أنها قد تكون بلا جدوى اقتصادية.
الدعوات تتزايد أيضاً داخل وخارج هيئة السكة الحديد إلى ضرورة الشروع فعلاً في إجراءات تقشف مصحوبة بإعادة هيكلة العمالة، حيث تتردد تقارير صحفية شبه دورية عن وجود هدر في الإنفاق، وأن أموالاً كثيرة تذهب إلى موظفين كبار ومستشارين لا يؤدون أعمالاً تتناسب وهذه الرواتب الضخمة.
كما تطالب هذه التقارير بضرورة إعادة النظر بصورة جذرية في آلية الثواب والعقاب داخل الهيئة، وأن يكون هناك نظام صارم للتأهيل والتدريب، خصوصاً في زيادة ماكنة العمل إلكترونياً، وتقليل الاعتماد على العامل البشري الذى تقول تقارير متواترة إنه كان السبب الرئيسي وراء الحادث الأخير في الإسكندرية.
إذا وكما يقول المثل المصري "رب ضارة نافعة"، حيث تستطيع الحكومة المصرية استغلال هذا الحادث للبدء في إصلاحات جذرية داخل مرفق السكة الحديد، ومرافق أخرى كثيرة مماثلة تعرضت للإهمال طويلاً، ولم يعد ممكنا الانتظار بشأنها أكثر من اللازم.
والسؤال هل الحكومة ستكون جادة في الإصلاح، أم أنها تهدف فقط إلى امتصاص الغضب الشعبي من جراء الحادث الأليم الأخير؟!
الأيام والشهور المقبلة سوف تخبرنا بالإجابة.
عماد الدين حسين
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.