شرعية التحرير أم الانتخابات؟ مخاض الدولة المدنية في مصر
٣ ديسمبر ٢٠١١بعد تسعة أشهر من الإطاحة بالرئيس المصري محمد حسني مبارك تدفق ملايين المصريين للإدلاء بأصواتهم، في المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية لاختيار برلمان جديد يتوقع أن يحظى بتفويض شعبي لم تعرفه مصر من قبل. هذا الإقبال الكثيف على التصويت فاق توقعات كثير من المحللين السياسيين والأحزاب السياسية في مصر، ومن بينهم عصام شيحة، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، الذي قال في برنامج "مع الحدث" على قناة دويتشه فيله عربية: "سبب الاندهاش هو حالة الانفلات الأمني والإعلامي الموجودة في الشارع المصري، وحالة الضبابية فيما يخص مستقبل الحياة السياسية في مصر".
ورغم "بعض الانتهاكات وأمراض الحياة السياسية" التي ذكرها شيحة، مثل "شراء الأصوات أو القيام بدعاية انتخابية على أبواب اللجان أو وجود بعض البطاقات المختومة في الشارع"، إلا أنه يرى أن الشعب المصري أعطى رسالة إيجابية لكل القوى السياسية موضحاً أنه "خرج من قمقمه وأنه سوف يشارك في صناعة مستقبل مصر في المرحلة القادمة".
"الشعب المصري عبر عن رغبته في الإمساك بزمام الأمور"
لكن هذه النسبة العالية للمشاركة لم تفاجئ راينر شتينر، عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الألماني عن الحزب الليبرالي، الذي قال في مداخلته في البرنامج: "منذ بداية هذا العام، كانت هناك مشاركة شعبية واضحة، والمصريون عبروا عن إرادتهم أن يمسكوا زمام الأمور بأيديهم". إلا أنه أبدى تحفظه من تقسيم عملية الاقتراع على ثلاث مراحل تفصل بينهما مدة زمنية كبيرة نسبياً وتعلن النتيجة بعد كل مدة لأن هذا في رأيه يمكن أن يؤثر على الناخبين في المرحلتين التاليتين.
ووافقه الرأي شيحة مضيفاً أن تخوفه الأكبر هو من ألا توجد إرادة سياسية لفرض الأمن في الفترة المقبلة قائلاً: "المجلس العسكري ووزارة الداخلية كان بإمكانهما أن يحققا حالة من الانضباط وحالة من التأمين في الشارع المصري قبل الانتخابات، لكن يبدو أنه لم تكن هناك إرادة سياسية لتوفير هذا الأمن، وعندما ذهبنا للانتخابات توافرت الإرادة السياسية أن يكون هناك انضباط وأمن". ويخشى شيحة ألا تتوافر الإرادة السياسية لتحقيق الأمن في المرحلتين القادمتين، خاصة وأن هناك الكثير من الأسلحة التي تم تهريبها من ليبيا إلى صعيد مصر.
تساؤلات حول نزاهة العملية الانتخابية
من ناحية أخرى يرى شيحة أن هناك تخوف "في عملية مبيت الصناديق نظراً لعملية غياب الثقة بين المواطن المصري والجهات الإدارية التي مازالت أحد أطراف العملية الانتخابية". أما الإعلامية والمرشحة المحتملة لرئاسة الجمهورية بثينة كامل، فقد أشارت في مداخلتها مع برنامج "ضيف الأسبوع" إلى أن "نزاهة العملية الانتخابية ليست مرتبطة فقط بيوم العملية الانتخابية". وتضيف: "عندما تحاكم 16 ألف مدني محاكمات عسكرية في أعقاب الثورة، إذا أنت تقتل الثورة وتركع الشعب. وعندما تحدث أزمات مفتعلة في السلع الغذائية وتترك الانفلات الأمي المتعمد إذا أنت تسعى لأن يرفض ويكره ثورته". وتعجبت كامل من هؤلاء الذين ذهبوا ليدلوا بأصواتهم وهم يسبون شباب الثورة "الذين منحوهم هذا الحق في التصويت!".
تعددت الطرق والهدف واحد
تأتي الانتخابات في ظل استمرار الاعتصامات في ميدان التحرير في القاهرة ضد المجلس العسكري، الحاكم الفعلي في البلاد، وبعد مواجهات عنيفة أسفرت في الأيام القليلة الماضية عن سقوط عشرات الضحايا، ما دعا بعض الناشطين من الشباب للمطالبة بمقاطعة الانتخابات معتبرين أنها تعطي شرعية للمجلس العسكري.
لكن أحمد بهاء شعبان، وكيل مؤسسي الحزب اليساري المصري لا يرى تناقضاً بين المشاركة في الانتخابات والمشاركة في اعتصامات التحرير، موضحاً في برنامج مع الحدث: "ما حدث خلال الشهور العشرة الأخيرة وانفلات الأمن وتردي الأوضاع الاقتصادية جعل الشعب المصري يطمح إلى انتخابات تنهي هذه المرحلة القلقة وتنقله للاستقرار واستعادة ما فقد". ويضيف أنه يعتقد في نهاية الأمر أن الفضل في هذا الإقبال الجماهيري العظيم يعود لشباب ميدان التحرير، وإلى الشعارات التي طرحتها الثورة وشعور المصريين "بالكرامة والعزة والإحساس بقيمة الرأي والصوت الذي دفع هذه الجموع الغفيرة للوقوف في طوابير هائلة".
داليا زيادة، المرشحة عن حزب العدل في وسط القاهرة تتفق مع هذا الرأي، وتعتبر أن الانتخابات لا تقل أهمية عن الاعتصامات الموجودة في ميدان التحرير، وتضيف في مداخلتها في برنامج شباب توك: "أعتبر أن نجاحي الحقيقي كناشطة حقوقية يظهر فيما شهدته خلال يومي التصويت من إقبال شديد من الناس على لجان الانتخابات وإصرارهم على الإدلاء بصوتهم وممارسة حقهم الديمقراطي".
ويوافقها الرأي الكاتب والمحلل السياسي المنتمي للحزب الليبرالي الألماني كليمنز راكر، الذي يعتبر أن الانتخابات تضع مصر أمام خيارين؛ إما نجاح الثورة أو فشلها، مشيراً في البرنامج نفسه إلى أن الشعب المصري نجح من خلال ثورته في إسقاط النظام القديم، "لكن الانتقال إلى نظام جديد أصعب من إسقاط نظام قديم. والانتخابات خطوة هامة في هذا الانتقال".
من ناحية أخرى ترى زيادة أن الكل متفق على هدف واحد وهو إنهاء الحكم العسكري وإقامة دولة مدنية تحترم كرامة الإنسان وتقوم على أسس ديمقراطية، "لكن هناك فريق يرى أن طريقة تحقيق ذلك تتم عن طريق النزول إلى الميادين والاعتصامات بينما يرى البعض الآخر أن الطريق هو الانتخابات، ورغم المشاركة الكثيفة في الانتخابات كانت هناك اعتصامات مستمرة".
النظر بواقعية للأمور
إلا أن المدون والصحفي المصري أحمد ناجي يرى أن "القوى الثورية" لم يكن لديها الآن رفاهية مقاطعة الانتخابات ويضيف: "الانتخابات معركة مثلما التحرير معركة يجب خوضها من أجل تحقيق أهداف الثورة في النهاية". ويعتبر ناجي أن التعامل "الرومانسي" من قبل بعض الناشطين لن يؤدي إلى شيء. ويرى أنه بغض النظر عن الموقف من الانتخابات فهي باتت واقعاً، والمشاعر الفياضة والنوايا الطيبة لا تصنع شيئا سواء أوجلت الانتخابات أم لا، "فهذا لن يعيد من ماتوا أو يشفي من أصيبوا" وبالتالي "فالمهم هو كيف يمكن السيطرة على المشاعر والاحتفاظ بالعقلانية للوصول إلى نتيجة".
ناجي يعتقد أن الانتخابات ستنجح فقط عندما يتمكن البرلمان من انتزاع السلطة من المجلس العسكري، الذي يريد أن يحتكر السلطة التنفيذية والتشريعية. ويضيف: "أعتقد أن هذا مرتبط بطبيعة القوى السياسية التي ستفوز في البرلمان وهل لديها القدرة والرغبة فعلاً في الدخول في صراع مع المجلس العسكري لانتزاع سلطته أم أنها ستقوم بالتحالف معه بشكل أو بآخر". ويشير ناجي إلى أن بعض القوى مثل حزب العدالة والحرية، قد أخذت مواقف بها كثير من المماطلة وتشير إلى المحاباة وإلى وجود شكل ما من التوافق بين الجبهتين.
في سياق مشابه قال الصحفي هاني درويش في مداخلته في برنامج "نادي الصحافة": "لا أعتقد أن ثمة صدام بين المجلس العسكري والإخوان بعد الانتخابات لأن ثمة في الأفق صفقة تلوح بين الطرفين على أساسها ينفرد الإخوان المسلمين بتشكيل الدستور مع الإبقاء على بعض المواد الإشكالية الخاصة بالمؤسسة العسكرية".
تحديات مرحلة ما بعد الانتخابات
وعن فترة ما بعد الانتخابات تساءل البرلماني الألماني شتينر في برنامج "مع الحدث" قائلاً: "السؤال الذي يفرض نفسه هو هل المجلس العسكري قادر ويريد أن يسلم السلطة إلى دولة مدنية وحكومة مدنية؟" وتعقيباً على هذا السؤال قال أحمد بهاء شعبان، وكيل مؤسسي الحزب اليساري المصري، أن مرحلة ما بعد الانتخابات ستشهد عدة مشكلات على رأسها ما أسماه "تناقض البرلمان والميدان"، حيث يعتقد أن هناك فجوة بين مطالب شباب ميدان التحرير بسقفها العالي، وبين قدرات البرلمان الذي سيلعب فيه الإخوان المسلمون والسلفيون وفلول الحزب الوطني السابق ورجال المال والأعمال الدور الأساسي. والمشكلة الثانية في رأيه تكمن في التناقض بين البرلمان والمجلس العسكري والذي يرجع إلى غياب الدستور في الدرجة الأولى. أما المشكلة الثالثة في رأيه فهي توقعات الشعب المصري، الذي أقبل بهذه الملايين الغفيرة في أعلى نسبة تصويت في تاريخه، آملاً في أن تحقق له نتائج الانتخابات أهدافه في حياة حرة كريمة وأن تحل كل مشلكات المجتمع على كل المستويات، خاصة الأمني، لكنه لا يعتقد أن تحل المشكلات في مصر بسهولة.
سمر كرم
مراجعة: عبده جميل المخلافي