شبح النعرة الطائفية يهدد النظام الإيراني من الداخل
١٥ ديسمبر ٢٠١٠عاد شبح الاقتتال الطائفي ليخيم على الإيرانيين أثناء احتفالاتهم بذكرى عاشوراء صباح اليوم، ليتحول اتشاحهم بالسواد للإمام "علي"، إلى تأبين لعشرات الضحايا الذين لقوا حتفهم في تفجيرات إرهابية تبنتها جماعة "جند الله" السنية، إذ ضرب تفجير إرهابي مزدوج محيط مسجد الإمام "الحسين بن علي" في مدينة جابهار، جنوب شرق البلاد، قرب المثلث الحدودي الساخن المتاخم لباكستان وأفغانستان، وهو ما أدى إلى سقوط 40 قتيلا حتى الآن، وإصابة نحو 100 آخرين.
ووصفت جماعة "جند الله" السنية ضحايا الهجوم بأنهم "مرتزقة" من حرس الثورة الإيرانية، وذلك في سياق بيان نشرته على موقعها الإلكتروني وأعلنت فيه مسؤوليتها عن التفجيرات. وتتهمها طهران بتلقي دعم لوجيستي وتقني من تنظيم "القاعدة" ومن قوى إقليمية وغربية، على رأسها الاستخبارات الباكستانية والبريطانية والأمريكية. وجاءت الاتهامات الإيرانية لتلك الجهات الثلاث مع سلسلة التفجيرات التي شهدتها البلاد في الأشهر القليلة الماضية، وتبنتها جماعة "جند الله"، التي أعدم زعيمها عبد الملك ريجي في يونيو/ حزيران الماضي بسجن "إيفين" في طهران. واستهدفت غالبية هذه الهجمات إقليم "سيستان" الفقير بالقرب من منطقة الحدود الملتهبة، والتي تشهد حركة تمرد دامية مستمرة منذ عشر سنوات يقودها انفصاليون سنة من إثنية "البلوش" التي تشكل نسبة مهمة من سكان المحافظة.
"حجم التفجيرات يؤكد وجود أياد خارجية"
وحول رؤيته للدوافع المعلنة والخفية لتلك التفجيرات، قال الدكتور مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية في القاهرة، والمتخصص في الشؤون الإيرانية، "المفارقة أن تفجيرات مماثلة وقعت في نفس المنطقة في ديسمبر 2009، ودائما ما تبرر جماعة جند الله عملياتها الإرهابية بأنها تعاني من اضطهاد ومظلومية في إيران، لكنها تعتمد أسلوب العنف الذي يودي بحياة العشرات، وتعتقد أن مظلوميتها تشفع لها للقيام بمثل هذه الأعمال الإرهابية".
ورأى اللباد في حديثه مع دويتشه فيله أن حجم التفجيرات واستهداف تلك المناطق الحدودية الحساسية تؤكد أن هناك أياد خارجية. وأوضح "تقديري أن عمليات كبيرة بهذا الحجم من المتفجرات لا يمكن الحصول عليه بسهولة من داخل إيران، وأن هناك أطراف خارجية سواء من باكستان أو غيرها تساعدها على خلفيات متباينة، ربما لانتزاع تنازلات إيرانية في قضايا معينة مثل الملف النووي، أو محاولة حجب تأثيرها الإقليمي عبر انهماكها في القضايا الداخلية".
وأشار اللباد إلى أن طهران "دأبت على اتهام بريطانيا تحديدا بالوقوف وراء هذه التفجيرات ودعم منفذيها، نظرا لدورها الكبير في ترسيم الحدود بين باكستان وأفغانستان وإيران، ولأنها تعلم بوجود مجموعات البلوش على هذا المثلث الحدودي". وبينما قال إنه لا يمكن القطع بمسؤولية هذه الجهة أو تلك، لفت إلى أن إيران ترى أن "ضخامة التفجيرات تقول إنه لا يمكن لمنظمة محلية مثل جند الله أن تحصل عليها بالوسائل الذاتية والتقليدية".
من عادة إيران اتهام الغرب
في المقابل، اعتبر دكتور فولكر بيرتس، مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، أنه "من الطبيعي في هذه الظروف أن تتهم دول مثل إيران قوى غربية بالوقوف وراء تلك الجماعات الإرهابية"، لكنه أضاف "أحيانا يكون هناك شيء من الحقيقة في هذه الاتهامات، لأن هذه الجماعات كان لها اتصالات ببعض أجهزة الاستخبارات الغربية، ولكن ما علينا التركيز عليه هنا هو أنه لو لم يكن هناك تهميش وعنصرية في مناطق مثل بلوشستان، لم يكن ليكون هذا الحجم من الإرهاب".
وردا على الاتهامات الإيرانية لقوى غربية بدعم جماعة "جند الله" السنية، قال بيرتس "لا أستطيع اتهام الولايات المتحدة بالتعاون مع هذه الجماعات لكني لا أستبعد وجود اتصالات في الماضي، وقد تكون هذه الاتصالات مستمرة حتى الآن. لكني لا أعتقد أن إدارة أوباما مهتمة باستخدام الإرهاب للضغط على إيران في الملف النووي، هناك وسائل أخرى مباشرة مثل العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن".
لم تكن هذه نقطة الاختلاف الوحيدة في الرؤى بين الخبيرين. ففي حين استبعد بيرتس إمكانية تحول إيران إلى ميدان للاقتتال الطائفي مثل العراق، قال اللباد إن إيران تتخوف من انتقال عدوى الاقتتال الطائفي إليها، مشيرا إلى أن مقاطعتي "سيستان" و"بلوشستان" تختلفان مع النظام الإيراني مذهبيا وقوميا، كونهما أقلية سنية مقابل أكثرية شيعية، وفي الوقت نفسه أقلية بلوشية مقابل أكثرية فارسية.
وأضاف اللباد أنه لذلك فإن إيران "تتخوف من هذه العمليات، وتحاول منعها، لكن الخبرة التاريخية القصيرة تقول إنه حتى مع اعتقال زعيم المنظمة عبد الملك ريجي، لم تتوقف العمليات، بل ومازالت هناك كوادر مستمرة وقادرة على الإضرار بالشعب الإيراني والقوات النظامية".
أميرة محمد
مراجعة: حسن زنيند