سياسي ألماني من أصول عربية: يجب أن نحدد المستقبل معاً
٢٥ يوليو ٢٠١٧يتولى رائد صالح منصب رئيس فريق الحزب الاشتراكي الديمقراطي ببرلين وسبق له أن ترشح لمنصب عمدة العاصمة الألمانية. في كتابه "أنا ألماني ـ الثقافة الرائدة الجديدة" يطرح تصوره للتعايش بين الثقافات والديانات المختلفة في ألمانيا، ونظرته للثابت والمتغير في الهوية الألمانية.
DW عربية: السيد صالح تدعو في كتابك إلى "ثقافة رائدة جديدة". لكن مفهوم "الثقافة الرائدة" يعتبره الكثير من المهاجرين في ألمانيا محاولةً لاقصائهم. فما هي دوافعك لنشر هذا الكتاب؟
رائد صالح: أعتقد أننا نحتاج في ألمانيا، هذا البلد الرائع الذي نعيش فيه، لتحديد القواعد المشتركة بشكل جماعي، بهدف أن يتمكن كل من يعيش في ألمانيا من المشاركة في من تصميم وبناء المستقبل في هذا البلد. ولحدود الآن تعرض مفهوم "الثقافة الرائدة" لسوء الاستغلال. هذا المفهوم يعود للأستاذ الجامعي بسام الطيبي ذو الأصول السورية. هو طرح قبل سنوات السؤال حول كيف يمكننا العيش في بلد متعدد الديانات والإثنيات وكيف يمكن تخطيط وبناء المستقبل المشترك معاً؟.
وفي نظري هذا السؤال مشروع وفي محله. لكن هذا المفهوم تعرض لاحقا للاستغلال وسوء التوظيف من طرف المحافظين. سواء من طرف فريدريش ميرتس، الذي كان رئيس كتلة التحالف المسيحي في البرلمان الألماني، أو مؤخراً من طرف وزير الداخلية توماس دي ميزيير. وهما في نظري تعاملا مع المفهوم بشكل خاطئ. يعني أنهما يقولان نحن وفقط نحن سنشرح ونوضح للآخرين الطريق والنهج الذي يتحتم عليهم اتباعه. وبشكل أوضح يقصدان نحن فقط هم من يحدد القواعد التي ستجمعنا.
وفي رأيي فالمسألة لا يمكن القيام بها بهذه البساطة. وأقول إنه يجب علينا أن نقوم بذلك معا ونحدد معا إلى أين نتجه، خصوصاً في بلد يزداد تنوعاً ويعيش فيه المتدينون وغير المتدينين. لهذا فمفهومي الخاص ل"الثقافة الرائدة" يركز على التعدد الديني والاثني والتسامح، ولا يقصي أحداً.
لمن تتوجه بالخطاب في هذا الكتاب إذن: للسياسيين، أم المهاجرين أم الألمان أم لهم جميعاً؟
كتابي موجه للمجتمع الألماني بشكل عام. وفي نظري يجب على الجميع الانخراط في النقاش الدائر حول الثقافة الرائدة، ويعبر عن رأيه حول الطريقة التي بنينا بها توجاتهاتنا فيما يتعلق بالعيش المشترك في ألمانيا، هل هي صحيحة أم لا. ففي ألمانيا هناك تياران يتصارعان منذ عقود. الأول يقول نحن بلد متعدد الثقافات، وكل واحد يمكن أن يفعل ما يريد. والتيار الثاني يقول يجب علينا حماية قيمنا وهويتنا. وأعتقد أنه حان الوقت للتقريب بين التيارين وتحديد المفاهيم معاً لكي لا نختلف حول محددات الهوية الألمانية فيما يتعلق بالديانة أو الأصول. ليس معقولاً الاستمرار في اعتبار أشخاص ترعرعوا في ألمانيا كمهاجرين. هم أيضا ألمان لكن من ثقافات وديانات وأصول مختلفة.
أنت هاجرت إلى ألمانيا وإلى برلين تحديداً مع عائلتك قادماً من مجتمع عربي. كان عمرك حينها خمس سنوات. فهل واجهتك مشاكل في التوجيه والاندماج. في حال نعم، كيف تعاملت معها وماذا تعلمت من تلك التجربة؟
نعم في البداية كانت لدي مشاكل وصعوبات في التوجيه كما هو حال الكثيرين الذي هاجروا للعيش في بلد جديد. لكن في حالتي استفدت من الدعم والاستقرار الذي منحته لي عائلتي والمدرسة والمربون والمحيط الذي ترعرعت فيه. كلهم منحوا لي الدعم الكافي. رغم ذلك عشت مراحل كنت فيها أبحث عن موقع لي داخل المجتمع. الأمر كان سيكون أسهل لو حصلت على تفسرات كافية حول ماذا يعني أن تكون المانيا وماهي خصوصيات الهوية الألمانية. ولا أقصد بذلك الثوابت كالقانون بل بالأشياء التي تتغير كالثقافة.
كثير من المهاجرين لا يزالون منقسمين وحائرين بين هويتين. الهوية الاصلية والهوية الألمانية. فهل الشعور والوعي بالانتماء لألمانيا بالنسبة لك أمر أساسي في هذه "الثقافة الرائدة الجديدة" كما تسميها؟
"الثقافة الرائدة الجديدة" تساعد الوافدين الجدد والمهاجرين بإيجاد موقع لهم بسرعة وسهولة في هذا البلد. يبدأ ذلك بالكف عن الإشارة اليهم بالأصابع باستمرار والالحاح عليهم باثبات وجودهم وتقديم شيء للمجتمع حتى يصيروا جزءاً منه يحظى بالاعتراف. كل من يعيش هنا فهو ألماني له نفس الواجبات والحقوق. والتنوع الثقافي والديني يجب أن يكون أمرا عادياً وطبيعاً. ويجب علينا أن نكف عن البحث عما يفرقنا ونركز عن ما يجمعنا.
لكن بعض المهاجرين يُتهمون بالولاء أكثر لبدانهم الأصلية، وينقلون الصراعات السياسية لتلك البلدان للأراضي الألماني. ومؤخرا تعرض الكثير من المهاجرين الأتراك أو الألمان من أصول تركية لانتقادات بسبب ما وُصف بولائهم الكبير للرئيس التركي طيب رجب أردوغان؟
دعوتُ الأتراك في كتابي لأن يعتبروا السيد فرانك فالتر شتاين ماير رئيسهم بدل السيد أردوغان. وأقول لهم حاولوا التركيز على حياتكم ومستقبلكم هنا في المانيا، ولا تجعلوا من أنفسكم ممثلين للصراعات السياسية التركية على الأراضي الألمانية. وذلك سيكون ممكنا عندما نعطي لهم الشعور بأنهم ألمان بدل أن نعطيهم الشعور بأنهم مختلفون بسبب أصولهم. نحن في حاجة للجميع وهذا أمر ممكن عندما نلتزم بالقواعد المعمول بها في هذا البلد.
هناك خلاف في ألمانيا حول الإسلام كجزء من هذا البلد. هناك من يعتبره كذلك وهناك من يقول: المسلمون المندمجون فقط هم جزء من ألمانيا. ما رأيك؟
النظام القانوني الألماني يصون حق المعتقد وممارسة الشعائر الدينية للذين يؤمنون. البعض يؤمنون بالدين المسيحي والبعض الأخر بالدين الإسلامي بينما آخرون يؤمنون بالدين اليهودي. عندما يعيش في ألمانيا ما بين أربعة وخمسة ملايين مسلم، فهذا يعني أنهم ينتمون أيضاً إلى هذا البلد. ودينهم ينتمي أيضا لهذا البلد. وهذا ما عبر عنه بشكل شجاع الرئيس الألماني السابق كريستيان فولف.
لكنّ هناك بعض المغالين في التدين كالسلفيين مثلا الذين يتبنون توجهات مخالفة للقوانين الألمانية ويتبنون العنف للدفاع عن قناعاتهم. ما تعليقك؟
سواء تعلق الأمر بالسلفيين أو اليمينيين المتطرفين فهم يحاولون جميعاً تحطيم نظامنا الذي شيدناه. هم خصومنا وخصوم الثقافة الرائدة.
كسياسي هل لديك أمثلة حول ما يمكن أن يقوم به السياسيون بشكل أفضل لمساعدة المهاجرين على الاندماج في ألمانيا؟
يجب منحهم الإمكانية للعمل وجعلهم ينخرطون في القضايا المشتركة كحماية البيئة. كما يجب حثهم على تربية الأطفال بدون عنف. وأنا متأكد من أنهم سيتفاعلون بشكل إيجابي مع القيم الديمقراطية.
وماذا عن المهاجرين الجدد؟
يجب عليهم قبول قواعد وقوانين ألمانيا. وأقول لهم انخرطوا في المجتمع وابحثوا لكم عن مكان وموقع في هذا البلد الرائع.
حاوره: عبد الرحمان عمار