1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

سياسة ولي العهد السعودي الخارجية من المواجهة إلى البراغماتية

٢٤ مارس ٢٠٢٣

قبل سنوات قليلة، اعتبر ولي العهد السعودي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية بمثابة "هتلر الشرق الأوسط"، لكنّه أعطى الآن الضوء الأخضر لاتفاق مصالحة مفاجئ مع طهران يتماشى مع حقبة جديدة من التقارب الإقليمي.

https://p.dw.com/p/4PAaF
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
تبدو أجندة الرياض واضحة: تقليل الاضطرابات في الخارج للحفاظ على التركيز على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل.صورة من: Mandel Ngan/Pool/AFP/Getty Images

قال محلّلون إنّ الأمير محمد بن سلمان تحوّل راهنا من عنصر "عدم استقرار" إلى صاحب سلطة براغماتي بشكل غير مسبوق، حتى لو كان من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت إجراءاته لخفض التصعيد ستنجح.

وقال الخبير في السياسة الخارجية السعودية بجامعة برمنغهام عمر كريم إنّ الاتفاق مع إيران على وجه الخصوص "يمثّل تغييرا جذريا في نهجه السياسي" إلا أنّ عملية التحول لم تكتمل بعد، إذ لا يزال الاتفاق مع إيران بحاجة إلى التنفيذ، حيث من المقرر إعادة فتح السفارات بحلول الأسبوع الثاني من أيار/مايو بعد سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية.

وحين كان يبلغ 29 عاما فقط، شنّ الأمير محمد بن سلمان وكان وزير الدفاع حينها هجوما شرسا على المتمردين الحوثيين في اليمن، لكن المملكة باتت منخرطة في محادثات عبر قنوات خلفية قد تؤدي في النهاية إلى إخراج القوات السعودية من الحرب. كما عمل خلال السنوات الأخيرة على إصلاح الخلافات المريرة مع خصومه الإقليميين مثل قطر وتركيا، بل وقدّم بلاده كوسيط محتمل للحرب في أوكرانيا.

وتجري السعودية وسوريا مباحثات تتعلّق باستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين، بعد قطيعة مستمرة منذ سنوات. وكانت المملكة أغلقت سفارتها في دمشق وسحبت كل الدبلوماسيين والعاملين فيها في آذار/مارس 2012، بعد نحو عام من اندلاع النزاع في سوريا حيث دعمت الرياض الجماعات المعارضة للنظام وللرئيس السوري بشار الأسد.

وبغض النظر عما سيحدث لاحقا، تبدو أجندة الرياض واضحة: تقليل الاضطرابات في الخارج للحفاظ على التركيز على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل.

"الرؤية" تحت التهديد 

ساعدت الإصلاحات الاجتماعية في الداخل على تلميع سمعة الأمير محمد على الصعيد الدولي. ففي عهده، قامت المملكة، التي كانت مغلقة لعقود، بتهميش الشرطة الدينية وسمحت للنساء بقيادة السيارات وأعادت افتتاح دور السينما وبدأت في منح تأشيرات سياحية.

وقام صندوق الاستثمارات العامة بسلسلة من الاستثمارات المكلفة في كل القطاعات من شراء نادي نيوكاسل الإنكليزي لكرة القدم إلى الاستثمار في شركة نينتندو للألعاب الالكترونية. وسلّطت هذه الاستثمارات واسعة النطاق الضوء على كيف يمكن أنّ تحدّ أجندة "رؤية 2030" الإصلاحية من اعتماد أكبر مصدّر للخام في العالم على الوقود الأحفوري.

وكانت مخاوف واسعة قد خيمت بشأن تصعيد القمع بمواجهة المعارضين والحقوقيين، خاصة بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول عام 2018. لكن المسؤولين السعوديين أدركوا أيضًا كيف أن التهديدات الأمنية، خاصة من إيران، تهدّد خطط الأمير محمد الكبرى.

وبلغت هذه التهديدات ذروتها في أيلول/ سبتمبر 2019، مع هجمات استهدفت منشآت نفطية سعودية في شرق البلاد أدّت إلى خفض إنتاج الخام إلى النصف مؤقتًا، وقد أعلن الحوثيون المدعومون من إيران مسؤوليتهم عنها. ويقول محللون ودبلوماسيّون إن هذا الحادث غيّر من قواعد اللعبة، ما دفع السعودية إلى اتباع مسار تصالحي في شكل أكبر.

وانتاب المسؤولون السعوديون خيبة أمل شديدة بسبب الرد الفاتر من إدارة الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب. وقال دبلوماسي عربي مقيم في الرياض لفرانس برس "لقد صُدم السعوديون لأن الأميركيين لم يفعلوا شيئا لحمايتهم". وتكشّف مشهد متناقض مشابه العام الماضي في جدة، ثاني أكبر مدينة سعودية والواقعة على ساحل البحر الأحمر، حين قصف الحوثيون منشأة نفطية بالقرب من حلبة سباق الفورمولا 1 فيما كان السائقون في المضمار.

ويتذكّر الدبلوماسي قائلاً "أخبرنا المسؤولون السعوديونن أنهم  بحاجة إلى التركيز على المشاريع العملاقة"، مشيرا إلى مدينة نيوم المستقبلية الضخمة ومركز فنون ناشئ في مدينة العلا في أقصى شمال البلاد. وأضاف "إذا سقط صاروخ واحد على نيوم أو العلا فلن يكون هناك استثمار أو سياحة. الرؤية ستنهار".

خفض منسوب التوتر

في استعادة علاقته معإيران، لم يذهب الأمير محمد بمفرده، إذ أعادت الكويت والإمارات العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الجمهورية الإسلامية العام الماضي. لكن المحللين قالوا إن الصفقة السعودية الإيرانية أكثر أهمية لأن البلدين وجدا نفسيهما على طرفي نقيض من النزاعات في جميع أنحاء المنطقة، ليس في اليمن فحسب بل أيضًا في لبنان والعراق.

وتقول آنا جاكوبس من مجموعة الأزمات الدولية إنّ "خفض التوتر مع إيران طريقة ذكية لخفض التوترات في جميع أنحاء المنطقة وتخفيف حدّة بعض المعارك بالوكالة التي تحيط بالسعودية". والخطوة التالية لتنفيذ الاتفاق ستكون اجتماعا بين وزيري خارجية البلدين، لم يتم تحديد موعده بعد.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قال مسؤول إيراني إن الرئيس إبراهيم رئيسي تلقى دعوة لزيارة السعودية من الملك سلمان، والد الأمير محمد بن سلمان، إلا أنّ الرياض لم تؤكّد ذلك بعد.

وأشارت جاكوبس إلى "انعدام ثقة عميق بين السعودية وإيران"، مضيفة "سيحتاج الجانبان إلى رؤية إشارات إيجابية من الآخر قريبًا جدًا للمضي قدما في الاتفاق".

ع.أ.ج/ ع ش (أ ف ب)