زواج "الحيار" في سوريا ـ البنت لابن عمها شاءت أو رغم أنفها!
٢١ سبتمبر ٢٠٠٩تعيش عائشة من مدينة الرقة السورية أسوأ لحظات مرت في حياتها، فهي تستعد للزواج من ابن عمها "عمر" الذي تم "تحييرها" له منذ صغرها. عائشة لا تحب عمر، وهي تتمنى الموت بدلا من مهزلة إجبارها على الزواج منه. وفي مدينة الحسكة، شمال شرق سوريا، تعيش فاطمة التي زُوِجت من ابن عمها أحمد، الذي "حيّروها" له منذ الصغر أيضا.
وتواجه مئات الفتيات السوريات، مصير عائشة وفاطمة، مشكلة زواج "الحيار" الشائع في المجتمع العشائري، لاسيما في شمال وشرق سوريا. زواج "الحيار" هذا يقوم على قيام والد الفتاة عندما تولد أو تكون طفلة بتقديم وعد يتم بموجبه تزويج ابنته من ابن عمها. وغالبا ما ييتم هذا الزواج قبل سن البلوغ، أي بعد أن تدخل الفتاة سن الخامسة عشرة. والمشكلة أن الزواج يتم بالإكراه أو بغض النظر عما إذا كان الطرفين مغرمين ببعضهما.
الحفاظ على "نقاء العائلة"
"لقد ترعرعت مع ابن عمي منذ نعومة أظافري، وهو بمثابة أخ لي فكيف يمكنني تقبله كزوج"، كما تقول لاميتا من مدينة الحسكة السورية. حالياً يتم التحضير لزواج لاميتا في ظل استمرار رفضها لهذا الزواج الذي، تعتبره "رمزا لقهر المرأة وسلب حريتها" في بيئة تتحكم بها عادات بالية عفا عليها الزمن على حد تعبيرها. وعن إصرار العائلة على هذا الزواج دون أخذ رأي ابنتها، تقول والدة لاميتا: "هذه عاداتنا التي تربينا عليها ونحن جميعاً تزوجنا بهذه الطريقة، ومن لا تعجبها هذه التقاليد فستعتبر ملعونة إلى يوم الدين".
ويفسر البعض ظاهرة الحيار في رغبة العشائر بالحفاظ على روابط الدم واللحمة العائلية. ويزيد من حدة المشكلة اعتقاد الكثيرين من أفراد العشائر بأن أصولهم أعرق من أصول غيرهم وعليه لا بد من الحفاظ عليها وعلى نقاء دمها عن طريق زواج أولاد العم، على حد تعبير الكاتبة الصحفية علياء ربيعو.
جرائم قتل بسبب رفض مشروع
ومن جهة أخرى يوجد عائلات زوجت أبنائها على أساس "الحيار"، لكن ترفض تزويج بناتها بهذه الطريقة رغم تقديم وعد بها. ولا يندر أن تكون النتائج مأساوية عند رفض هذا الزواج، وخير مثال على ذلك مقتل الشابة "حمدة" من مدينة الرقة في 27 آذار/مارس 2009، على يد ابن عمها "ابراهيم". وقد وقعت الجريمة في يوم عرس أخيها عندما علم إبراهيم بأن والدها سيزوجها لغيره مع أنه سبق و"حيّرها" له. وجاء موقف الوالد بسبب عدم حب ابنته لابن عمها. رغم ذلك أخرج ابراهيم في يوم العرس مسدسه وبدلاً من رمي طلقاته في الهواء، كما تجري عادة رمي النار في الأعراس ابتهاجاً، صوبها باتجاهها، لتنهي تلك الرصاصات حياة فتاة غير مسموح لها باختيار من يهواه قلبها. ورغم إن المجتمع استنكر هذه الجريمة، إلا إنه أظهر تعاطفا مع ابن عمها، كونه أولى بها حسب رأي المتعاطفين.
وفي حالات كثيرة يتم "تحيير" شابات لأبناء عمومتهن، رغم صغر سن الشاب. وحسب تقرير لشبكة "أريج"، وهي منظمة غير حكومية مختصة في البحوث الاستقصائية، تم "تحيير" الشابة "طليعة"، (16 عاما) من ريف الميادين بدير الزور عام 1994، لابن عمها علي ( 5 سنوات) لمجرد أنها كانت باهرة الجمال، والمفارقة أن "طليعة" ظلت ترعى الطفل «علي»، حتى تزوجا عام 2006. ويفسر ذلك الباحث التراثي، محمود الذخيرة من الرقة: "أن المرأة الجميلة لا تتزوج سوى أحد أبناء العم حتى وإن كان ابن عمها لا يضاهيها في شيء، حيث يجرونها إليه جراً".
"الحيار" فوق القانون السوري
ورغم إن القانون السوري قادر على التدخل في أية قضية، إلا إن تدخله في المجتمعات البدوية والعشائرية صعب للغاية خاصة فيما يتعلق بزواج كهذا. في هذا السياق تقول هالة العلي، قانونية في محاكم حلب، إن معظم مناطق شمال وشرق سوريا تتبع عادة زواج "الحيار"، التي لا يمنعها القانون السوري كون إجراءات هذا الزواج في الدوائر الرسمية نفس إجراءات الزواج الإسلامي من ناحية تسجيل الفتاة بحضور أهلها.
وأيضاً القانون السوري لا يتدخل لأنه ينص على احترام عادات الزواج السائدة، إلى جانب الزواج المدني، على حد قول العلي. وعن إمكانية تدخل المحاكم تقول العلي إن ذلك ممكن في حال عدم موافقة أحد الطرفين على إتمامه. في هذا الإطار يمكن من الناحية النظرية توفير حماية قانونية للفتاة في حال قيامها برفض ابن عمها. غير أنه لا يمكنها الزواج من غيره من الناحية العملية بسبب الخوف من عواقب وخيمة عليها وعلى عائلتها. "هناك مشكلة انتشار عادة الثأر في المجتمعات العشائرية، وهي عادة يذهب ضحيتها أفضل أبناء الجهات المتصارعة"، حسب العلي التي ترى بأن الفتيات يفضلن عادة الزواج القسري بدلا من تحمل مخاطر جلب الولايات لعائلاتهن.
"زواج لا أساس له في النظم الإنسانية"
وفي المقابل يعتبر هذا الزواج، في نظر علماء الشريعة الإسلامية، باطلا، فالزواج في قوامه الإيجاب والقبول بين الطرفين، كما إنه يخدش الحرية التي أعطاها الدين الإسلامي للمرأة. في هذا السياق يقول الدكتور محمود عكام، مفتي حلب ومستشار وزير الأوقاف في سوريا: "يعتبر هذا الزواج باطل كونه يعطي حق الوصاية لإنسان غير عاقل على آخر عاقل، كما إنه لم يخلق أحد من اجل أن يكون محجوز لهذا أو ذاك". ويضيف: "هذا الزواج لا أصل له في النظم الإنسانية، لكن له أساس في النظام القبلي الذي فيه الكثير من الطغيان والذي يكرس لمبادئ المجتمع الذكوري، بحيث تكون المرأة مجرد بضاعة أو كتلة تحجز لإنسان متسلط استمد تسلطه من مبادئه الخاطئة".
الكاتبة: عفراء محمد ـ سوريا
مراجعة: عبده جميل المخلافي