1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

سلامة ـ من "أفضل رئيس بنك في العالم" إلى متهم بالفساد والفشل

٣١ يوليو ٢٠٢٣

كان سلامة على مدى سنوات عرّاب استقرار الليرة اللبنانية، لكن حاكم مصرف لبنان ينهي ولاية من ثلاثة عقود مكروها من شريحة واسعة من اللبنانيين ومستهدفا بتحقيقات قضائية تهم فساد، ينفيها سلامة ويقول إنه حُوِّل إلى "كبش محرقة".

https://p.dw.com/p/4UaOb
Libanon Beirut | Riad Salameh, Zentralbankpräsident
رياض سلامة حاكم مصرف لبنان المنتهية ولايته. صورة من: MOHAMED AZAKIR/REUTERS

تنتهي الاثنين (31 يوليو/ تموز 2023)، ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المستهدف بتحقيقات أوروبية عدة حول مصدر ثروته وأدائه على رأس البنك المركزي منذ ثلاثة عقود، من دون تعيين خلف له بسبب انقسامات بين القوى السياسية وشلل مؤسساتي في البلاد. 

وكم المقرر أن يتسلّم النائب الأول وسيم منصوري مسؤوليات الحاكم بالوكالة، وفقاً لما ينص عليه القانون، بانتظار أن تجد القوى السياسية حلاً في بلد يقوم نظامه على المحاصصة الطائفية والسياسية، ويتطلب فيه تعيين موظفين من الدرجة الأولى توافقاً سياسياً يبدو من الصعب توافره في الوقت الراهن على وقع الانقسامات الحادة. 

وبحسب قانون النقد والتسليف، يُعيّن الحاكم لولاية من ست سنوات، بموجب مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية. ويتعين على الحاكم الجديد أن يؤدي القسم أمام رئيس الجمهورية.

مهندس اقتصاد ما بعد الحرب الأهلية

 كان رياض سلامة (73 عاما) ولعقود عرّاب استقرار الليرة، قبل أن يحمَّل مسؤولية انهيارها. وقد شغل منصبه منذ العام 1993، ليصبح أحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم. كما أنه كان مهندس السياسات المالية في مرحلة تعافي الاقتصاد لما بعد الحرب الأهلية (1975-1990). ومنذ تعيينه، تم التجديد لسلامة أربع مرات نال خلالها في العام 2006 جائزة "أفضل حاكم مصرف مركزي في العالم" من مجلة "يورو موني"، ثم من مجلة "بانكر" عام 2009، وحاز أوسمة شرف فرنسية.

لكن على وقع الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي يشهده لبنان منذ 2019، حمل كثرٌ أركان الطبقة الحاكمة، بينهم سلامة، مسؤولية الفشل في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة وينتقدون بشكل حاد السياسات النقدية التي اعتمدها الأخير طيلة السنوات الماضية، باعتبارها راكمت الديون وسرّعت الأزمة. بيد أن حاكم مصرف لبنان المنتهية ولايته دافع مراراً عن نفسه بتأكيده أن المصرف المركزي "موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال"، مشددا في أكثر من مناسبة أن السياسة النقدية المعتمدة، عملت على "التخفيف من وطأة الأزمة". 

وقال خلال مقابلة مع قناة محلية قبل أيام من انتهاء ولايته، "سأطوي صفحة من حياتي واعتقد انه بين الثلاثين عاماً، 27 (عاماً) ساهم خلالها البنك المركزي بسياساته النقدية بارساء الاستقرار والنمو الاقتصادي"، معتبراً أنه تحول إلى "كبش محرقة" منذ بدء الانهيار وأن الطبقة السياسية نفضت يدها منه "منذ زمن".

وتمكّن لبنان بالفعل طيلة سنوات من جذب رؤوس أموال من الخارج، مقابل منح فوائد مرتفعة للغاية للمودعين. وبات القطاع المصرفي ركيزة رئيسية في الاقتصاد اللبناني. ومنذ توليه منصبه، حافظت الليرة على استقرارها بعدما ثبّت سلامة سعر صرفها على 1507 ليرات، وهو ما كان يبرّره بوجود "احتياطات مهمة بالدولار الأميركي" لدى المصرف المركزي سرعان ما نضبت منذ بدء الأزمة التي برزت مع امتناع الحكومة اللبنانية عن دفع ديونها المستحقة. فبدأ الانهيار وشحّت السيولة.

 ومع اندلاع الحرب في سوريا المجاورة بدءاً من العام 2011، وبغطاء سياسي، انخرط سلامة منذ العام 2016 في هندسات مالية هدفت إلى الحفاظ على قيمة الليرة ورفع احتياطي المصرف المركزي ورسملة المصارف، لكن خبراء اقتصاديين يعتبرونها من بين الأسباب الرئيسية التي ساهمت في تعميق أزمة البلاد المالية. ومع بدء أزمة شحّ السيولة وفرض المصارف قيوداً مشددة على سحب الودائع خصوصاً بالدولار في خريف 2019، أصرّ في الأشهر الأولى على أن "الليرة بخير". اليوم وبعد أكثر من ثلاث سنوات على انهيار صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، فقدت العملة المحلية أكثر من 98 في المئة من قيمتها أمام الدولار.

تحقيقات أوروبية

منذ عامين، يشكّل سلامة محور تحقيقات أوروبية تشتبه بأنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية عبر مخطط مالي معقّد، فضلاً عن إساءة استخدامه أموالاً عامة لبنانية على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان. وبناء على التحقيقات، أصدرت قاضية فرنسية في باريس والمدعية العامة في ميونيخ مذكرتي توقيف في حق سلامة جرى تعميمهما عبر الانتربول، وقرر القضاء اللبناني بناء عليهما منعه من السفر وصادر جوازي سفره اللبناني والفرنسي. وبالتوازي مع التحقيقات الأوروبية، يقود القضاء اللبناني تحقيقاً محلياً حول ثروة سلامة، وقد فرض قبل أسبوعين حجزاً احتياطياً على ممتلكاته. بينما رجح مصدر دبلوماسي أوروبي في تصريح لوكالة فرانس برس أن تنطلق محاكمته في باريس خلال الفترة المقبلة بعد توافر المعطيات الكافة أمام المحققين. 

في المقابل يرفض الرجل الذي كان أول حاكم مصرف مركزي عربي يُقرَع له جرس افتتاح بورصة نيويورك، الاتهامات الموجهة إليه مشددا على أنه جمع ثروته من عمله السابق طيلة عقدين في مؤسسة "ميريل لينش" المالية العالمية ومن استثمارات في مجالات عدة بعيدا عن عمله على رأس حاكمية مصرف لبنان، متحدثا عن "بيانات مزورة" وخلفيات "سياسية".

 ويقول اقتصادي مخضرم وخبير في الأسواق المالية، متحفظاً عن ذكر اسمه، لفرانس برس "لقد كان تاجراً ووسيطاً طيلة حياته، وهذه هي المشكلة. هناك حاجة الى شخصية اقتصادية لإدارة مصرف مركزي، لا الى شخص مقرّب من النظام المصرفي ويودّ حمايته". 

ورغم الانتقادات وشبهات الاختلاس وغسل الأموال والإثراء غير المشروع التي تلاحقه في لبنان والخارج، بقي سلامة في منصبه حتى االلحظات الأخيرة، مستفيداً من حماية سياسية توفّرها له قوى رئيسية في البلاد. ويرى البعض إنه كان طامحا للوصول الى رئاسة الجمهورية، ما يبرّر "عدم رفضه أي طلب من الطبقة السياسية". ولا تعني انتهاء ولاية سلامة أنه سيغيب عن الأضواء، إذ إن التحقيقات بشأنه لن تهدأ قريباً.

وفي أول تصريح له أكد وسيم منصوري، الذي من المقرر أن يتولى مؤقتا منصب حاكم مصرف لبنان المركزي، أنه سيقيد إقراض البنك المركزي للدولة المثقلة بالديون. وصف منصوري سياسة إقراض الدولة في السابق بأنه سياسة غير مستدامة، وذلكـ وقال إن القيادة الجديدة للبنك المركزي تخطط لفرض قيود صارمة على متى يمكن للبنك المركزي إقراض الحكومة، وإن هذا التمويل يجب أن يتوقف تدريجيا. وقال إن اقراض الدولة يجب ان يكون مشروطا بالسداد للمصرف. 

وقال في مؤتمر صحفي عقده بمقر مصرف لبنان "أؤكد لكم... لن يتم توقيع على أي صرف بتمويل الحكومة إطلاقا خارج قناعاتي وخارج الإطار القانوني المناسب لذلك". فهل سينحج في ذلك؟

و.ب/ع.ج.م (أ ف ب، د ب أ)