دراسة- ثقافة الترحيب الألمانية لاتزال مفهوما حديث العهد
٣١ أغسطس ٢٠١٩تهيمن مواضيع الهجرة واللاجئين على كثير من البرامج الحوارية في الإعلام الألماني، وتركز محاور جدل الساسة والخبراء وأفراد المجتمع على الحديث عن فقدان السيطرة المزعوم من خلال إثارة أسئلة حول بلوغ المجتمع الألماني حدود الاستيعاب القصوى للمهاجرين.
وأظهرت الدراسة التي أجراها معهد "كانتار أمنيد" المتخصص، بتكليف من مؤسسة "بيرتلسمان" والتي أعلنت نتائجها اليوم الخميس، أنّ نحو 52 بالمائة من مواطني البلاد يرون أن هناك هجرة مفرطة في ألمانيا. ورأى 49 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع ضمن الدراسة أن ألمانيا لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من اللاجئين، لأنها وصلت لحدودها الاستيعابية القصوى، مقابل 54 بالمائة كانوا يرون ذلك في دراسة مشابهة عام 2017 .
وأظهرت الدراسة أن سكان مناطق شرق ألمانيا أكثر ارتيابا إزاء الهجرة، مقارنة بسكان غرب ألمانيا، ومع ذلك فإن أغلبية كبيرة من سكان شرق ألمانيا بدأوا يرون آثارا إيجابية للهجرة، على سبيل المثال بالنسبة للاقتصاد، وذلك بعد القلاقل التي شهدتها ألمانيا عام 2015 بسبب تدفق عدد كبير من المهاجرين، حسبما ظهر في تقرير وكالة الأنباء الألمانية.
هذه المعطيات مقارنة بالصور المتداولة على وسائل الإعلام عام 2015 تكشف تفاوتاً كبيراً، فقد كانت محطات القطار تكتظ بالألمان المرحبين بالورود بالمهاجرين الوافدين، ثم يساعدونهم في نقل أمتعتهم، ويعرضون عليهم مياه الشرب، ولأطفالهم دمى الحيوانات. وبات مصطلح "ثقافة الترحيب" هو المتداول في وصف سلوك الناس آنذاك.
أوركان كسيمين، أحد المشاركين في دراسة معهد "بيرتلسمان" يرى أن مشاعر الألمان ما زالت قوية تجاه سياسة الترحيب، وتسير بوتيرة عالية نسبياً. وقد أجرى معهد كانتا ايمند استطلاع رأي شمل 2025 شخصاً تناول جوانب متنوعة في قضايا الهجرة. ولم يطلب من المشاركين إبداء وجهات نظرهم الشخصية من قضية اللاجئين ومشاعرهم تجاه موضوع الهجرة، بل طلب منهم إبداء تصوراتهم عن السلوك الألماني العام تجاه اللاجئين وموضوع الهجرة.
الاقتصاد- توجهات إيجابية
على سبيل المثال، فإنّ 79 بالمائة ممن جرى سؤالهم كانوا يعتقدون أنّ السلطات كانت ترحب بالهجرة العاملة، فيما اعتبر 71 بالمائة أن الأمر نفسه ينطبق على اللاجئين. وقدر تعلق الأمر بمجمل السكان المحليين، فقد شعر 71 بالمائة أنّ الألمان يرحبون بالمهاجرين، فيما اعتبر 56 بالمائة أن الألمان يرحبون باللاجئين.
وبخصوص النقص في الأيدي العاملة الماهرة، أيّد 41 بالمائة استيراد أيدي عاملة ماهرة من خارج ألمانيا، فيما أعتبر ثلثا من جرى سؤالهم أنّ للهجرة آثارا ايجابية على الاقتصاد الألماني برمته، كما تفاعلت أغلبية واضحة ممن جرى سؤالهم ايجابيا مع عمل الشركات الأجنبية في ألمانيا.
المهاجرون إزاء اللاجئين!
وتظهر الدراسة أن تصورات الناس عن المهاجرين تؤثر في ثقافة الترحيب، وفي ألمانيا بالذات، ليس هذا الأمر ايجابيا بشكل سائد، فنحو 45 بالمائة ممن جرى سؤالهم كانوا مؤمنين بآن مساهمات المهاجرين في المجتمع ملحوظة، ما يؤشر نزولا عن المعدل الذي سجل عام 2012. وطبقا للدراسة، فإنّ سبب هذا قد يكون وفود اللاجئين إلى ألمانيا بشكل متزايد مؤخراً. اندماج اللاجئين في سوق العمل بالبلد المضيف لا تظهر آثاره إلا في المدى المتوسط أو البعيد عادة، علاوة على أنّ مساهمة ما كان يسمى بجيل "العمال الضيوف" تبدو قد طواها النسيان، وفي هذا السياق يقول كسيمين إن الهجرة ليست قضية بالأبيض والأسود مضيفاً "إنها مزيج من الفرص والمجازفات، وهكذا يراها الناس".
أغلبية بلغت نسبتها 52 بالمائة أعربوا عن اعتقادهم بوجود إفراط في الهجرة، وبدوا منقسمين بشان قدرة ألمانيا على استيعاب المزيد من الوافدين الجدد. فيما اعتبر 49 بالمائة أن البلاد ما عادت تتسع لمزيد من اللاجئين، مسجلين بذلك ارتفاعا عن النسبة المسجلة في عام 2017. في الجانب الآخر، أعتبر 37 بالمائة أن على ألمانيا، طبقا لالتزامها الإنساني، استقبال المزيد من اللاجئين .
تناقص مستوى التشكيك
وبشكل عام، تدنى مستوى التشكيك عن مستوياته التي كان عليها عام 2017، لكن تأثيرات سلوك صد اللاجئين مازالت تظهر بشكل لاحق، ومع ذلك فإن 71بالمائة ممن جرى استبيان آرائهم يرون أن الهجرة تؤثر على مستويات إعانة الدولة الاجتماعية، فيما يرى 69 بالمائة وجود صراعات بين الألمان وبين المهاجرين، ويرى 64 بالمائة المشكلات في التعليم والمدارس، أما نسبة 90 بالمائة السائدة في الاستطلاع فترى أنّ مشكلة اللغة لدى المهاجرين هي عائق حاسم في قضية الاندماج، وفي هذه المنطقة يُجمع الذين استطلعت آرائهم على ضرورة اتخاذ المزيد من المبادرات في هذا الخصوص.
سياسة الترحيب ما زالت فتية
رغم أن ألمانيا ما برحت لعقود دولة يقصدها المهاجرون، فإن "ثقافة الترحيب" ما زالت فتية فيها كما يقول كسيمين مبينا: "ألمانيا بلد جديد على الهجرة، وما زالت ثقافة الترحيب أيضا فتية فيها، وذلك على مستويين: فمن جانب، بدأ الألمان يرون بلدهم مقصداً للهجرة والمهاجرين منذ 10 إلى 15 سنة فحسب، وفي الجانب الآخر، فإنّ الجيل الأصغر سناً في ألمانيا، يبدو أكثر ايجابية تجاه قضية الهجرة بشكل ملحوظ من الجيل الأكبر سناً".
وفي الحقيقة فإن جيل الشباب في ألمانيا ممن هم تحت سن الثلاثين، يختلف جذرياً عن الجيل الأكبر سناً وخاصة في مجال تقييم الهجرة وتقييمهم لمسألة الاندماج. فالناس الأصغر عمراً يفترضون أنّ للهجرة تأثيراً قليلاً جداً على المساعدات الاجتماعية وعلى مشكلة الإسكان، مركزين اهتمامهم على قضية الفرص.
وتمضي الدراسة إلى القول" ولهذا مسبباته أيضاً، فنسبة الشباب من أصول مهاجرة ترتفع إلى 30 بالمائة بين الشباب من تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 30 سنة، وتنخفض لمستوى 20 بالمائة بين من هم أكبر سناً، وهكذا يكون التعامل مع الوافدين والهجرة جزءاً من مفردات الحياة اليومية لدى جيل الشباب".
لكن التصورات الإيجابية ليست حكراً على الشباب، إذ يعتقد 67 بالمائة ممن استطلعت آراءهم أن الهجرة تجعل الحياة في ألمانيا أكثر متعة، فيما يرى 64 بالمائة في الهجرة وسيلة لمحاربة شيخوخة المجتمع.
ديانا هودالي/ م.م