خير العراق : مع الشرق أم مع الغرب ؟
١٦ مارس ٢٠١٢مع الغرب أم مع الشرق؟ هذا السؤال يعيش مع العراقيين منذ الأزل، فالعراق عاش 500 عام تحت سلطة العثمانيين، وأكثر من 150 عام تحت سلطة البويهيين ، وسبعين عاما تحت سلطة السلاجقة، وقبلهم عاش عقودا طويلة تحت سلطة المغول، ثم صار تحت الانتداب البريطاني في القرن العشرين، وفي القرن الواحد والعشرين عاش 8 أعوام تحت سلطة الولايات المتحدة الأمريكية. كل هذا بالتأكيد أثر في وعي الناس وثقافتهم ومناهج مدارسهم وإعلامهم وقوانينهم وحتى أسواقهم. و نسأل اليوم ماذا يفضل العراقيين، صداقة مع الغرب، أم صداقة مع الشرق. الشرق يستفيد ترجيحا من الناحية الجغرافية، فهو قريب من العراق، تركيا، إيران، الصين، ماليزيا، سنغافورة، فيتنام الهند، وغيرها، لكن ثقافة العراق في الغالب غربية، حتى عقيدة الجيش العراقي هي عقيدة غربية، مناهج المدارس، قوانين المحاكم، قوانين المرور.
الاختيار بين الغرب والشرق لا يخضع للعواطف، بمعنى أن يقول أحدهم: "أنا أحب الغرب فيختاره، أو أحب الشرق فألوذ به"، الاختيار يخضع لمصالح الناس ومصالح البلد.
"المصالح الدائمة هي محور العلاقات بين الدول"
الكاتب والمحلل السياسي د. عبد الخالق حسين شارك في حوار العراق اليوم من DW عربية وعلّق على أصل موضوع الصداقة مستشهدا بتاريخ انتقال العراق إلى العلاقة مع الغرب من خلال بريطانيا التي حررته من الاحتلال العثماني عام 1917 مشيرا بالقول" ليس لبريطانيا أصدقاء دائمين ولا أعداء دائمين، بل عندها مصالح دائمة، وهذا ينطبق على جميع دول العالم، ومنها العراق، فإذا اقتضت مصلحة البلد إقامة علاقة حميمة مع الغرب، فأهلا وسهلا، وقد أثبت التاريخ أن توافق مصالح الغرب مع مصالح العراق يحتم على الأخير أن يختار الغرب صديقا". أغلب التعليقات التي وردت على سؤال البرنامج على صفحة الفيس بوك، ذهبت في نفس الاتجاه، حيث أكدت أن علاقات الدول تحددها المصالح وليس المبادئ أو المشاعر .
وأعتبر د. حسين، أن كلمة مصلحة في التداول العراقي صارت كلمة قذرة قد تدل على رذيلة من الرذائل" في حين أن المصلحة هي الدافع الذي يحرك كل الناس، بل وكل المخلوقات في علاقتهم ببعض"، وذهب د. حسين إلى اعتبار الاستعمار شكلا من التماس الحضاري النافع للشعوب المستَعمرة، مستشهدا بقيام البريطانيين مطلع القرن العشرين بإنشاء كلية الطب في العراق وبأمثلة أخرى في هذا السياق.
واعتبر د. حسين أن الغرب يمتلك خبرة تمتد إلى أربعمائة عام تؤهله لوضع حلول جذرية لمشكلات العراق، بل أن حضارة العالم برمتها اليوم مدينة إلى الغرب بتحضره، وعقد مقارنة بين شكلين من الدول العربية" علينا أن نقارن الدول التي حكمتها حكومات ثورجية، قومجية وطنجية، بدول الخليج التي كان حاكم العراق يحتقرها، ولننظر إلى ما فعله حكام الخليج بدولهم فحولوها إلى حواضر تنافس نيويورك وباريس ولندن، فيما حولت حكومة صدام الثورجية العراق بلاد السواد إلى صحراء وأنقاض وخرائب ينعق فيها البوم، فإلى متى نبقى متحصنين بعقلية أن الغرب يحاول أن يستغل بلداننا ولابد لنا من مقاومته؟
"تركيا جمعت أطراف العالم الإسلامي ولم تستعمره"
و ذهب د. علي رمضان الأوسي مدير مركز دراسات جنوب العراق وقد انضم إلى حوار العراق اليوم من DW عربية إلى أن المصالح هي التي تحكم علاقات الدول ، لكنه استدرك بالقول " إن علاقة الغرب بالشعوب لا تحكمها مبادئ، والتجربة القائمة في المنطقة الآن هي خير دليل على غلبة المصالح على المبادئ ، والغرب في تقديري يأتي إلى المنطقة ليستعمر ويستغل ويستكبر ويتسلط ولا يريد أن يفيد هذه الشعوب بالمرة ، ولابد من القول أن في العلاقة مع الغرب بعض الحسنات التي لابد من توظيفها لصالح الشعوب، لكن على المرء أن لا يفرط في التفاؤل".
وعلّق د. علي الأوسي على ما ذهب إليه د. حسين باعتبار الاستعمار مفيدا للشعوب، مبديا احترامه لهذا الرأي ومخالفته له في نفس الوقت " الاستعمار لم يكن ضرورة للعراق ولا لأية دولة أخرى، وأشير هنا إلى أن كلمة الاستعمار كمصطلح لغوي تستعمل مجازا في هذا المعنى المتداول، لأن معناها اللغوي هو الأعمار ." واعتبر الأوسي أن العراقيين" إذا ما تخلصوا من عقدة التبعية للرجل الأبيض فسوف يفكرون بشكل آخر". وفي مجال المقارنة، رفض الأوسي اعتبار الاحتلال العثماني للعراق شكلا من أشكال الاستعمار". فمن الناحية الإسلامية، كانت الدولة العثمانية دولة الإسلام، وكان العراق جزءا من دولة الخلافة الموجودة في تركيا آنذاك، ولو كانت تركيا قد احتلت فرنسا مثلا لأمكن القول إنها استعمرت بريطانيا، لكنها في الواقع كانت تربط أطراف العالم الإسلامي، وهذا لا يسمى استعمارا".
واعتبر د. الأوسي أن أمريكا هي المسؤولة عن الطائفية في العراق وعن خرابه، واعترض على رأي د.حسين بشأن تطور دول الخليج، معتبرا " أن الغرب قد امتص خيرات دول الخليج، وصارت دول الخليج الصغيرة تنفق مليارات الدولارات على شراء أسلحة من الغرب، والبنايات العملاقة التي نراها في دبي وغيرها لا تمثل تطورا حقيقيا، فالتطور الحقيقي هو أن يكون هناك مواطن حقيقي يحقق الاكتفاء والتطوير الذاتي".
"رافق الغني القوي فتكون غنيا قويا"
في اتصال من الموصل، ذهب حسين إلى أن الغرب ينظر ابتداء إلى مصلحة الشعوب الغربية، معتبرا أن ساسة الغرب أذكياء لأنهم يحمون مصالح شعوبهم، ولا يمكن اعتبار الغرب صديقا كما لا يمكن اعتباره عدوا.
وفي اتصال من السويد، اعتبر عقيل أن الغرب صديق للعراق، لكنه لفت الأنظار إلى أن الغرب ليس كتلة واحدة، كما أن مصالحه مع العراق ليست في اتجاه واحد، معتبرا أن "تقسيم العالم القديم الى معسكر شرقي ومعسكر غربي قد انتهى بسقوط الشيوعية، والدول الأوروبية تمتلك مواقف متباينة تجاه قضايا المنطقة، فلسطين، إسرائيل، العراق ، وعلينا ألا ننسى أن ألمانيا هي التي قادت الحملة ضد التدخل الأمريكي لإسقاط نظام صدام حسين عام 2003 " وذهب عقيل إلى القول" نعم مصالح العراق هي في وقوفه مع الغرب المتطور، والعراق اليوم بحاجة لمستوى تطور القيم الأخلاقية السائدة في الغرب" ، ثم رد على إدعاءات من قالوا أن الغرب يبحث عن مصالحه فقط مشيرا" علينا أن نسأل : ماذا كانت مصلحة الغرب في التدخل في البوسنة الهرسك إلى جانب البوسنيين، مع انه من الناحية الدينية – إذا فكرنا بشكل عنصري- كان يجب أن يقف إلى جانب الصرب المسيحيين؟ وجواب ذلك أن الغرب التزم الجانب الأخلاقي في تعامله مع تلك الأزمة".
حسين المالكي في اتصال من البصرة أشار إلى ما قدمه الرسول من تنازلات لتحقيق صلح الحديبية ، معتبرا ذلك نموذجا ينبغي تبنيه في التعامل مع الغرب باعتباره حليفا يجب اتخاذه صديقا بما يخدم مصلحة العراق وشعبه.
وفي مداخلة من البصرة، ذهب ماجد إلى القول " إذا رافقت القوي تكون قويا، وإن رافقت الضعيف تكون ضعيفا، وإن رافقت الفقير تكون فقيرا وإذا رافقت الغني تكون غنيا، والغرب هو الغني القوي، فصداقته إذا تجعل العراق غنيا قويا".
ملهم الملائكة
مراجعة: هبة الله إسماعيل