خطط طموحة لتحديث قطاع التعليم في السعودية وسد ثغراته
٣٠ مايو ٢٠١٠تشهد دول الخليج عموما، والسعودية وقطر والبحرين خصوصا، بذل جهود كبيرة من أجل إصلاح وتحديث قطاعات التعليم والتدريب المهني، على أساس سد الثغرات القائمة فيه على المستويين الكمي والنوعي. وقد خصصت الدول المذكورة لعملية التحديث هذه عشرات المليارات من الدولارات خلال السنوات القادمة. ويعكس ذلك إدراك حكومات الدول المعنية على ما يبدو أن تراكم المال لوحده لا يكفي. كما أدركت بأن استقدام الكفاءات العلمية والمهنية واليد العاملة من الخارج لا يُغني عن تعليم وتأهيل سكان البلد نفسه ورفع مستواهم العلمي والمعرفي، لاسيما وأن عدد السعوديين المسجَّلين في الجامعات لا يتجاوز 30 في المئة من القادرين على الدراسة العليا. لكن عملية التحول هذه لن تتم بين ليلة وضحاها، بل ستحتاج إلى سنين عديدة حسب إبراهيم الحماد، الأستاذ بكلية الهندسة في جامعة الملك سعود في حديث مع دويتشه فيله.
وأمام ارتفاع الطلب على التأهيل المهني زار وفد ألماني يضم ممثلين عن 30 شركة ألمانية تقريبا تنشط في هذا الحقل كلا من السعودية والبحرين وقطر لرصد فرص العمل وعرض الإمكانات الألمانية لإرساء تعاون مشترك. ورأس الوفد الأمين العام لغرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية (الغرفة) التي نظَّمت الرحلة أيضا، وشاركته فيها سابينه غوميرسباخ ماجورو مديرة مؤسسة "إيموف" للتعلمي المهني والتسويق الدولي التابعة لوزارة التعليم والبحوث، والبروفسور فاسيليوس إيتيماكيس رئيس مؤسسة "ديداكتا" المتخصصة بتعليم نظام تجارة السوق. وجاءت زيارة الوفد قبل أيام قليلة من الجولة الخليجية التي بدأتها المستشارة أنغيلا ميركل إلى الدول الثلاث والإمارات العربية المتحدة لإجراء محادثات سياسية واقتصادية مع كبار المسؤولين فيها. وعن أهمية الزيارة قال الحماد بأن التعاون مع الوفود الاقتصادية والتعليمية "مهم جدا لتنمية الموارد البشرية في المملكة التي تسمح للمستشارين المحليين بالإطلاع على التقنيات الخارجية الألمانية وغيرها ونقلها إلى مراكز التعليم العالي لديهم أو غيرها من المراكز".
مرحلة جديدة من الاستثمار في التعليم
بدأ الوفد الاقتصادي جولته في المملكة العربية السعودية التي استهلت مرحلة جديدة من الاستثمار في قطاعات التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي، وقد تم تخصيص 36.5 مليار يورو أو ما يعادل 25 في المائة من الموازنة العامة للسنة الحالية لمشاريع التعليم، ما يعني زيادة مقدارها 12.4 في المائة عن عام 2009.
يوجد في البلاد حاليا نحو 3200 مدرسة، وتم في العام الماضي بناء 770 مدرسة جديدة بمعدل مدرستين تقريبا كل يوم، ويقول المسؤولون أن وتيرة البناء ستكون ذاتها هذه السنة في ظل وجود خطط لبناء 3000 مدرسة وتحديث نحو 2000 على حد ما أعلنه المسئولون في قطاع التربية والتعليم. وإذا ألقى المرء نظرة على المشاريع التعليمية التي يتم تنفيذها سيلاحظ حجم النقص الموجود في النظام التعليمي الحالي لأسباب عديدة أبرزها على سبيل المثال تزايد عدد السكان البالغ عددهم حاليا 27 مليونا بمعدل 2.5 إلى 3 في المائة سنويا ونقص الكوادر العليا.
جدل واسع حول الاختلاط في التعليم
وفي مجال التعليم العالي يجري العمل حاليا على إنجاز أربع جامعات جديدة في أربعة مدن سعودية بعد إنجاز جامعة الأميرة نورا بنت عبد الرحمن للإناث بطاقة استيعابية تصل لنحو 40 ألف طالبة. كما تم افتتاح جامعة الملك عبدالله بن عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا بالقرب من جدَّة كأول جامعة مختلطة في السعودية لتشكل أحد أهم معالم التوجه الجديد في مجال التعليم. وأثارت خطوة فتح الجامعة أمام الشباب والفتيات نقاشا واسعا بين المحافظين في البلاد الذين يرفضون مبدأ الاختلاط في المدارس والجامعات كما في العمل، وبين الليبراليين الذين أيدوا الخطوة ودافعوا عنها.
وعن الضجة التي حصلت بسبب السماح للفتيات بالدراسة في الجامعة إلى جانب الشباب قال إبراهيم الحماد إن هذا الأمر "يشكّل بداية جديدة، ولا يوجد مجتمع يقبل التغيير في يوم وليلة علما أن وتيرة التغيير تأخذ بعدا اجتماعيا ودينيا وأسريا". وأضاف أن الاختلاط "يتطلّب وجود ضوابط، وهو موجود مثلا في الكليات العلمية مثل الطب والتمريض، إضافة إلى بعض الدروس أحيانا التي يجري فيها اختلاط بين الجنسين". وتابع أن قبول هذا الأمر من المحافظين سيأخذ بعض الوقت مشيرا إلى تعيين أول امرأة سعودية مديرة لجامعة في المملكة، ودخول أول امرأة غرفة التجارة والصناعة في جدَّة، وأخرى إلى هيئة المهندسين التي ينتمي إليها أيضا.
"علينا كألمان استغلال فرص التعاون بشكل أفضل"
وفي إطار عمليتي التحديث والإصلاح تم أيضا إقامة عدد من المؤسسات التي تقوم بتنظيم وتنسيق عمليتي التعليم والتدريب. ويبرز من بينها مؤسسة التعاون المهني والتقني (TVTC) التي تشرف بموجب مرسوم ملكي على المعاهد التقنية التابعة لوزارتي العمل والتعليم. وهو الأمر الذي مكَّنها من رفع عدد الدارسين والمتخرجين خلال السنوات الماضية. وفي زيارة قام بها الوفد الألماني إلى مقر المؤسسة لبحث إمكانات التعاون المشترك ذكر المسؤولون عنها أن عدد الخريجين بلغ عام 150 ألفا في عام 2007، وسيرتفع إلى 500 ألف سنويا عام 2017، ما يفتح فرصا واسعة للمؤسسات الأجنبية العاملة في حقلي التدريب المهني والتقني.
وعن التطور الحاصل في السعودية ودول منطقة الخليج الأخرى وفرص التعاون مع ألمانيا قالت سابينه غومرسباخ ماجورو مديرة مؤسسة "إيموف" لتسويق التعليم المهني التابعة لوزارة التعليم والبحوث الألمانية الاتحادية إن ما يحدث يشكل "تطورا موزونا يعطي انطباعا في غاية الإيجابية، ويستند إلى رؤى إستراتيجية موجهة نحو المستقبل، وأضافت ماجورو في حديث خصت به دويتشه فيله: "صحيح أن ليس كل ما يتقرر يتحقق، ويمكن لهذا المشروع أو ذاك أن يفشل، وهذا أمر طبيعي"، وتابعت أن التطور في الخليج "يتم بمساعدة من الخارج، وهذه هي النقطة التي تفتح أمامنا كألمان فرصا ضخمة علينا استغلالها، الأمر الذي لا يحصل كفاية من وجهة نظري في الوقت الحاضر".
الكاتب: اسكندر الديك
مراجعة: ابراهيم محمد