"خارطة طريق" لرفع العقوبات الأوروبية عن سوريا.. فهل تكفي؟
٢٧ يناير ٢٠٢٥بعد انطلاق الثورة السورية التي واجهت قمعا شديدا من قبل نظام الأسد، فرضت عقوبات ثقيلة كانت تهدف إلى إضعاف نظام الأسد ومعاقبة انتهاكاته في مجال حقوق الإنسان، لكنها شكلت عبئا كبيرا على الشعب السوري منذ سنوات.
تؤثر إلى اليوم هذه الإجراءات العقابية التي اتخذتها العديد من الدول والمنظمات الدولية بشكل خطير على الوضع الاقتصادي والسياسي في سوريا، كما تصعب على البلاد إعادة الإعمار وبدء عجلات التنمية والتعافي.
عقب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد، قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس الاثنين (27 كانون الثاني/ يناير 2025)، إنه تم الاتفاق على خارطة طريق لتخفيف العقوبات على سوريا.
وأضافت المتحدثة أنه "بينما نهدف إلى التحرك سريعا لرفع العقوبات، يمكننا العدول عن ذلك إذا اتُخذت خطوات خاطئة"، في إشارة إلى مراقبة الاتحاد الأوروبي السياسة التي تنتهجها قيادة البلاد الجديدة.
وأعرب الاتحاد الأوروبي عن رغبته في المساعدة في إعادة إعمار الدولة التي مزقتها الحرب وبناء علاقات مع قادتها الجدد الذين يدعون بانتظام إلى رفع العقوبات.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الاثنين أن تخفيف العقوبات سيشمل "قطاع الطاقة والنقل والمؤسسات المالية". لكن بعض الدول الأعضاء أبدت تحفظاتها بشأن رفع العقوبات، وطالبت بضمانات ملموسة من الإدارة السورية الجديدة بشأن عملية الانتقال السياسي.
بالنسبة لسمير العيطة، رئيس منتدى الاقتصاديين العرب في باريس، فإن "العقوبات على سوريا معقدة كثيرا، ويقول "لا أتصور أن الاتحاد الأوروبي سيستطيع أن يخرج عن إطار العقوبات الأمريكية المفروضة لحدود الآن، والتي لم تتجاوز خطواتها لرفع هذه العقوبات قطاع الطاقة بعد".
ويضيف الخبير الاقتصادي ورئيس تحرير الطبعة العربية لصحيفة "لوموند دبلوماتيك" الفرنسية سابقا، في تصريحات لـ DW عربية، فإن "ما يُطرح أوروبيا هو ضمن هذا النهج، حتى لا تبقى أوروبا خارج اللعبة في سوريا. كما أن بعض الدول الخليجية، خاصة المملكة العربية السعودية، تدعم رفع هذه العقوبات بالحد الأدنى كما فعلت الولايات المتحدة".
هل رفع العقوبات هو مفتاح الاستقرار؟
يرى الكثير من الخبراء أن رفع العقوبات عن سوريا من شأنه أن يساهم في استقرار أوضاعها. وهو رأي عبر عنه جوليان بارنز ديسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في تصريحات إعلامية، إذ نادى بضرورة رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سوريا في أسرع وقت لضمان استقرار البلاد.
وفي حديثه لوكالة الأناضول، أكد ديسي على أنه من مصلحة أوروبا ضمان الاستقرار في سوريا، لافتا إلى أن الاتحاد الأوروبي "كان بطيئا في التصرف بخصوص هذا الملف حتى الآن".
وحسب وثيقة للاتحاد الأوروبي تحدثت عنها وكالة رويترز قبل الاجتماع، أوصى دبلوماسيون أوروبيون باتخاذ إجراءات لتعليق القيود في القطاعات الضرورية للاستقرار الاقتصادي وإعادة بناء الاقتصاد في سوريا، خاصة المتعلقة بالطاقة والنقل.
الوثيقة ذاتها، تؤكد أن استمرار فرض عدد من العقوبات المتعلقة بنظام الأسد والاتجار غير المشروع بالمخدرات والأسلحة، فيها ضمان لاستمرار الاستقرار في البلاد.
الخبير الاقتصادي، سمير العيطة، اعتبر في تصريحه لـ DW أنه "إذا لم ترفع العقوبات على المصرف المركزي، فسيكون الأمر صعبا". مشددا على أن الأوروبيين لن يرفعوا العقوبات المركزية دون تحرك من الولايات المتحدة في هذا الصدد، مما سيعرقل حيل المتحدث الاستثمارات في سوريا، إلا ما تعلق منها ببيعا لأصول للحصول على بعض الموارد".
وربط المتحدث الأمر بتحسن معيشة السوريين، الذين يعيش أغلبهم تحت خط الفقر. ويرى الخبير أن الأمر من شأنه أن "يتسبب في حدوث انتفاضات اجتماعية، وعدم استقرار اجتماعي سيأخذ البلاد إلى مزيد من الفوضى التي تبرز بعض مظاهرها في سوريا".
وأضاف العيطة أن شروط الاستقرار الأساسية في سوريا في المرحلة القادمة تتمثل في: التعافي الاقتصادي، والنشاط الاستثماري في سوريا، وإعادة الأعمار ثم العدالة الانتقالية.
ما انعكاس رفع العقوبات على المواطن والاستثمارات في سوريا؟
يرى الخبير سمير العيطة، أن "المواطن السوري من الطبقة الوسطى والفقيرة في حالة أسوأ اليوم مما كان عليه أيام حكم وسيطرة نظام بشارة الأسد، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار، وعدم صرف الأجور خاصة لموظفي الدولة، وأيضا بسبب الركود الاقتصادي".
وأضاف المتحدث أن الوضع السيء الذي تعيشه الطبقة الشعبية للمواطنين السوريين، يجب أن يكون أكبر عامل لرفع العقوبات على البلد، إذ أن الأمر من شأنه أن يشجع على الاستثمارات في سوريا وإعادة إعمارها من جديد". مبرزا أن "تعافي الاقتصادي في سوريا سيساعد السوريين على أن يعيشوا بالحد الأدنى من الموارد".
وقد أثارت كايا كالاس نقطة تشجيع الاستثمارات في البلد ارتباطا بموضوع اتخاذ قرارات رفع العقوبات على سوريا قبل الاجتماع قائلة "إن بناء الحكومة ومؤسسات الدولة بما يجلب ثقة المستثمرين في الاقتصاد، والنظام القضائي، من شأنه أن يبعث الأمل من أجل سوريا، وذلك جنباً إلى جنب مع المساعدات الخارجية"، على حد تعبيرها.
وتابعت حديثها "في البداية سوف نرفع العقوبات السهلة التي تعيق عملية بناء الدولة، وإذا تطور الأمر في الاتجاه الصحيح ورأينا حكومة شاملة وعدم وجود تطرف أو أيا من المخاوف الموجودة لدينا، فحينها سوف نتخذ قرارات أو خطوات أخرى".
أما العيطة، فأوضح أنه "إذا لم ترفع العقوبات على المصرف المركزي، فلن تنطلق الاستثمارات ولن ينشط الاقتصاد". وأشار إلى أن هناك "شرطا آخر، هو وجود دولة قانون ووجود ثقة من المجتمع الدولي في السلطة الحاكمة".
وشدد الخبير الاقتصادي إلى أن "استمرار الأخطاء والممارسات التي تقوم بها السلطة في الآونة الأخيرة، ستُفقد المجتمع الدولي ثقته بها، مما سيسبب مخاطر كبيرة على التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار".
وختم سمير العيطة حديثه قائلا "إذا تم الإبقاء على مقولة "من حرر يقرر"، وحكومة اللون الواحد، فلا أتصور أن الأمر سينجح".