حين يتعرض صحفيون في ألمانيا للهجوم والإهانة
٢٣ أغسطس ٢٠١٨كيف هو وضع الصحافة في ألمانيا؟ هذا التساؤل يثير غضبا ملموسا في ألمانيا. في دريسدن على هامش مظاهرة لحركة "بيغيدا" اليمينية حصلت حادثة ماتزال تثير جدلا. فريق مصورين من قناة التلفزة الثانية تعرض للشتم من قبل متظاهرين لحركة "بيغيدا" لتعتقلهم في النهاية الشرطة طوال 45 دقيقة، وذلك للتعرف على الهويات. مدير قناة التلفزة الثانية بيتر فراي تحدث عن "تقويض واضح للتغطية الإعلامية الحرة".
هذا وقد طالبت وزيرة العدل كاترين بارلي بتوضيح ملابسات القضية المثيرة للقلق "على وجه السرعة". كلام الوزيرة جاء بعد أن تبين أن أحد المتظاهرين الشاتمين للفريق التلفزيوني يعمل في "مكتب مكافحة الجريمة". واتضح أن الشرطي كان في إجازة من عمله حين وقعت الحادثة، وأنه على ما يبدو يتعاطف مع حركة "بيغيدا".
الوضع القانوني: من حق الصحفيين تصوير المظاهرات
وماتزال التحقيقات جارية. وتفيد الشرطة بأن مواطنا ومتظاهرا قدما إلى الشرطة شكوى ضد صحفي من الفريق التلفزيوني بتهمة الإهانة. ونشب خلاف بين المتظاهر والصحفي حول ما إذا كان من حق فريق التلفزة تصوير المشاركين في المظاهرة عن قرب. المتظاهر نقى هذا الشيء وقدم شكوى ضد الصحفي الذي قدم هو الآخر شكوى بتهمة الإهانة. والشرطة تقول اليوم بأنها فرقت الطرفين لنزع فتيل التصعيد. وهذا الوصف مثير للجدل. رئيس ولاية ساكسونيا ميشاييل كريتشمر دافع عن تصرف موظفي الشرطة ضد الصحفيين بأن "إثبات هوية المشاركين" لا مفر منه لإجراء تحقيقات في حال ارتكاب جنحة. ونفى رئيس شرطة دريسدن الاتهام بوجود تعاون مع المتظاهرين من حركة بيغيدا. وتطالب اتحادات الصحفيين بتوضيح تام. وإلى حين معرفة التفاصيل في الخلاف بين الصحفي والمتظاهر والسلطات في دريسدن سيتطلب ذلك وقتا طويلا.
لكن نظرة في الوضع القانوني تكشف حق الصحفيين في تصوير المظاهرات وأخذ صور. ويفيد النص القانوني أن لدى الصحفيين أثناء التظاهرات العامة الحق في التصوير، فهذا جزء من عملهم. فمن يشارك في مظاهرة يوافق بصفة غير مباشرة على تصوير هذه التظاهرة. وهل من حق الصحفي نشر الصور، فهذا يخضع لقوانين أخرى. ويتضح مبدئيا أنه إذا كان التعرف على شخص سهلا، فهذا يحتاج إلى موافقة الشخص المعني. إلا أنه توجد استثناءات في هذه القاعدة، لاسيما فيما يخص التظاهرات العامة. لكن من يسمح بتصويره بدون معارضة، فإن موافقته تكون واردة. وحتى فيما يرتبط بالحالات الحالية في دريسدن حيث يريد أشخاص معارضة النشر، ينطبق مبدأ أن نشر المعلومة أهم من حق الشخص الواحد في الصورة المأخوذة منه. ولا ينفع شتم الصحفيين في شيء.
تجاوزات أكثر
لكن هذا ما يحصل بالتحديد، وذلك بصورة متكررة مثلا من خلال تجاوزات كلامية وجسدية ضد صحفيين. وأثارت هجمات في بداية العام ضد لاجئين وصحفيين في بلدة كوتبوس عناوين الصحافة. وقام أعضاء في نادي "مستقبل الوطن" اليميني بشحن الأجواء ضد مراسلين لقناة التلفزة برلين براندنبورغ. وتم شتم الصحفيين حتى من قبل نساء "كخونة"، وتمت مضايقة بعض الصحفيين وإلحاق الضرر بأدوات عملهم.
وحتى في أوساط حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي لا تكون التجاوزات نادرة. ففي يونيو تعرض صحفيان خلال لقاء للجناح اليميني لحزب البديل من أجل ألمانيا في قرية للهجوم تكسرت خلاله كاميرا الصحفيين من بريمن.
الضرب بمفتاح ونسيان من العدالة
وتم التعبير في الآونة الأخيرة عن شكوك حول وقوف الشرطة وسلطات العدل إلى جنب صحفيين لحماية حرية الصحافة. حالة في قرية فريتروده تبين هذا الوضع. صحفيان من غوتنغن أرادا في نيسان/أبريل من هذا العام معاينة تحركات الزوار في بيت زعيم الحزب القومي الألماني، تورستن هايزه، أحد النازيين الجدد المشهورين في ألمانيا. ولاحظ النازيون الجدد وجود الصحفيين اللذين حاولا الهرب بسيارتهما التي تم وقفها في مخرج القرية. وهاجم النازيون بمفاتيح انجليزية وعصي السيارة، وبعد مطاردة توقفت السيارة في جنب الطريق. وتم كسر الزجاج وانهال الجناة المشتبه بهم ضربا على الصحفيين.
وتعرض أحد الصحفيين لجرح عميق في رأسه، والآخر أصيب بسكين في فخضه. ورغم أن الصحفيين تمكنا من أخذ صور واضحة للجناة والتعرف على أحد أعضاء الحزب القومي الألماني، لا تتقدم التحقيقات بشأن الجنحة. ومازال النازيون الجدد بعد مرور مائة يوم ينعمون بالحرية. "ويتم الحديث عن عقوبة تصل إلى سنتين سجنا على الأقل"، يقول محامي الضحايا سفين آدم من غوتنغن. وعوض ذلك ماتزال الشرطة تتحقق ما إذا تم التلاعب بالصور التي أخذها الصحفيان. وقال محامي الضحايا بأن الرسالة التي تبعث بها العدالة للجناة اليمينيين وخيمة العواقب أي بمعني " يمكنكم مهاجمة الصحافة دون الخوف من الملاحقة"، يعلق آدم.
وماتزال ألمانيا تحتل المرتبة 15 في قائمة حرية الصحافة التابعة لمراسلين بلا حدود. لكن بسبب الحوادث الأخيرة يعتبر الكثيرون أن حرية الصحافة حتى في ألمانيا في خطر.
ريشارد فوكس/ م.أ.م