"حرية المعتقد"ركيزة اساسية في التعامل مع التلاميذ المسلمين
أخيراً، خرجت الجهات الحكومية الألمانية والمنظمات والجاليات الإسلامية عن صمتها وبدأت تتحدث علنا عن المشاكل والعقبات التي تعترض طريق اندماج أبناء الجاليات المسلمة في المدارس الألمانية وخاصة عندما يدور الحديث عن مواضيع مثل دروس التربية الرياضية وبالتحديد دروس السباحة والرحلات المدرسية وما يسمى بـ"دروس التوعية الجنسية". ومن أجل البحث عن حلول لجميع هذه المشاكل تم تأسيس "منبر الإسلام" الذي يعتبر نفسه قاعدة للحوار بين الأديان السماوية الثلاثة ويضم في عضويته مسلمين ومسيحيين ويهود وممثلين عن منظمات أهلية وحكومية. ومن أهم الأهداف التي يسعى المنبر إلى تحقيقها هي التصدي للأحكام المسبقة عن الإسلام والمسلمين، وخلق آليات لدمج أبناء الجاليات الإسلامية في المجتمع الألماني وخاصة في المدارس. ولأول مرة قدم فرع المنبر في ولاية هيسين اقتراحات لمواجهة التحديات التي تعترض طريق التلاميذ المسلمين في المدارس الألمانية.
حلول ترضي الجميع
يقول المراقبون والجهات الحكومية الألمانية المختصة إن المدارس التي يزورها تلاميذ من أصل مسلم تشهد دائما خلافات بين أولياء أمور التلاميذ المسلمين وإدارات المدارس بخصوص دروس التربية الرياضية وخاصة مشاركة التلميذات من أصل مسلم في دروس السباحة أو انضمامهن إلى رحلات جماعية مختلطة تنظمها المدرسة أو حضور حصص ما يسمى بـ" التوعية الجنسية". والآن خرج فرع المنبر في ولاية هيسين بحلول يقول إنها ترضي الجميع ويمكن التوصل من خلالها إلى إمكانيات لحل الخلافات بين أهالي التلاميذ من جهة وإدارات المدارس من جهة أخرى. وفي هذا الخصوص كشف يورغين ميكش مدير المشروع عن إمكانيات للتوصل إلى حلول للمشاكل الثلاث المشار إليها، وذلك من خلال التحدث عن هذه المشاكل مع أولياء أمور التلاميذ من جهة والخبراء والمدرسين من جهة أخرى. أما الناشط الاجتماعي والمنسق الثقافي بين العائلات العربية والجهات الألمانية المختصة قاسم شبلي فقد اشترط في لقاء خص به موقعنا ترحيبه بهذه الحلول بأن تكون مستندة إلى مبادئ الاحترام المتبادل بين الأعراق والأجناس المختلفة وإلى أن تكون هذه الحلول قابلة للتطبيق. وقال شبلي إن مشاكل مثل دروس التربية الرياضية المختلطة والرحلات المدرسية الجماعية هي مشاكل سطحية ويمكن التوصل إلى حلول لها، مؤكدا أن المعضلة الأساسية التي يعاني منها التلاميذ تكمن في العائلة بالدرجة الأولى وليس في المدرسة.
العنف مشكلة المشاكل
وفي هذا الخصوص قال شبلي إن المشاكل التي تعترض التلاميذ العرب في مدارسهم هي "ناتجة عن مشاكل في العائلة." وفنّد المسؤول هذه المشاكل بالقول إن أهمها هي عدم اهتمام الأهالي بتربية أطفالهم سواء في الأسرة أو في المدرسة وكذلك عدم سعيهم إلى الاندماج والتأقلم في المجتمع الألماني والمشاركة فيه مشاركة فعالة. وأضاف إن عدم إلمام الأهالي بالبرامج الدراسية الألمانية وعدم الالتزام بها تشكل أيضا معضلة للتلاميذ. وتطرق شبلي إلى مشاكل التغيب عن الحصص وعدم المواظبة على القيام بالواجبات المدرسية، مشيرا أيضا إلى مشكلة العنف التي يعتبرها "مشكلة المشاكل"، على حد تعبيره. وفي محاولة منا للبحث عن المذنبين، أجاب شبلي بالقول إنه يحمل الجانبين مسؤولية ما يحدث. وعلل المسؤول رأيه بالقول إنه إذا دار الحديث عن التركيز على هموم الجالية العربية ومشاكلها مثل حق الإقامة أو العمل، فإنه يحمل الجهات الألمانية المختصة المسؤولية الكاملة. أما إذا دار الحديث عن السعي إلى التأقلم والاندماج في المجتمع الألماني، فإنه يلقي بالذنب على عاتق العائلات العربية.
الفصل بين الجنسين هو الحل
ومن بين الحلول والاقتراحات التي يقدمها المنبر هي الفصل بين التلاميذ والتلميذات في حصص التربية الرياضية، وخاصة دروس السباحة وفي دروس "التوعية الجنسية". أما بخصوص الرحلات الجماعية فيقترح المنبر أن يرافق أهالي التلاميذ المسلمين أولادهم في هذه الرحلات، وذلك من أجل تلافي نشوب خلافات بين التلاميذ. وعزا المنبر تفضيله لهذه الاقتراحات بالقول انها أثبت جدارتها مرارا في الواقع. ووفقا للمشرفين على إدارة جلسات النقاش في المنبر، فإن مشكلة الاستحمام الجماعي في نهاية دروس الرياضة هي من أهم المشاكل التي تشغل بال أهالي التلاميذ المسلمين. وفي هذا الخصوص يقول ميكيش إن هذه الممارسة غير مقبولة بالنسبة لعدد كبير من أهالي التلاميذ المسلمين وإن المهتمين بحل هذه المشكلة استغرقوا وقتا طويلا للبحث عن حل لها. ويلخص المسئول اقتراحات المنبر بالقول :في الحمامات المختلطة يكفي قيام إدارة المدارس بتعليق ستائر لفصل التلاميذ عن بعضهم بعضا. وفي هذا الشأن قال ناصر (ج) وهو فلسطيني مسلم وأب لأربعة أطفال إنه لا يعتبر دروس التربية الرياضية المختلطة إجحافا بحق الدين الإسلامي أو العادات والتقاليد العربية، رافضا إسقاط هذه الدروس كما يطالب بعض أهالي التلاميذ المسلمين. أما بالنسبة للرحلات الجماعية فقد قال الموظف الإعلامي إن هذه الرحلات يجب أن تخضع لإشراف ورعاية ومراقبة إدارات المدارس وفي هذه الحالة "يمكن تفادي المشاكل التي قد تحدث بين التلاميذ المسلمين وزملائهم، على حد تعبيره. أما اللبناني المسلم علي (س) وهو أب لثلاثة أطفال فإنه يرى أن هناك فرق بين المشاكل التي تتعرض لها الفتيات وأخرى يتعرض لها الذكور، قائلا إن المشاكل الأساسية تواجه الفتيات، وذلك بحكم العادات والتقاليد العربية. كما تطرق علي (س) إلى الفروق بين عائلة عربية وأخرى، مشيرا إلى أن بعض العائلات العربية متزمته في تربيتها لأطفالها، في حين هناك عائلات تربي أطفالها على الانفتاح والتسامح. وأشار إلى أن الجهات الألمانية المختصة بدأت الآن في مراعاة الفصل بين التلاميذ والتلميذات، سواء في دروس التربية الرياضية أو في الرحلات الجماعية.
صيانة حرية المعتقد
يستقي المنبر اقتراحاته هذه من مبدأ حرية المعتقد في ألمانيا ومن إمكانية التوفيق بين مهام المدرسة كجهة تربوية من ناحية وحق الأهالي في تربية أطفالهم وفقا للمعايير الدينية والأخلاقية من ناحية أخرى. وفي الوقت ذاته يقول المسؤولون في المنبر إن أسباب رفض الأهالي لمشاركة أولادهم في رحلات جماعية لا يمكن دائما إرجاعها إلى الدين، بل إلى صعوبات مالية تعاني منها عائلاتهم. وتابع المسؤول بالقول إن الأهالي يتخوفون كذلك من احتمال تعاطي أولادهم للمخدرات أو من تناول المشروبات الروحية.
تقرير: ناصر جبارة