حادث أشافنبورغ.. هل هو ثمن تقصير مؤسسات الرعاية والأمن؟
٢٤ يناير ٢٠٢٥منذ يوم الأربعاء 22 يناير/كانون الثاني 2025، تعيش ساكنة مدينة أشافنبورغ، الواقعة في ولاية بافاريا على وقع الحادث المميت الذي شهدته حديقة شونتال التي تتوسطها.
يومها، قبل الظهيرة بقليل، هاجم شاب أفغاني يبلغ من العمر 28 عاما، مجموعة أطفال بسكين، ليخلف ضحيتين توفيا في اليوم ذاته: طفل يبلغ من العمر عامين، تنحدر عائلته من المغرب، أما القتيل الثاني فهو رجل يبلغ من العمر 41 عاماً وقد كان من المارة، حاول إيقاف الجاني عن إصابة الباقين.
أما المصابين الثلاثة الآخرون، فهم فتاة سورية تبلغ من العمر عامين، ورجل يبلغ من العمر 72 عاما، ومعلم يبلغ من العمر 59 عاما، نقلوا على عجل إلى مستشفى في أشافنبورغ.
"تحرك الجميع في المدينة الهادئة للتعبير عن التضامن مع عائلات الضحايا، وتمت الدعوة لوقفة تضامنية يوم 23 يناير في مركزها، وقد شهدت الوقفة حضور أزيد من 3000 شخص، بدى عليهم التأثر والحزن لما أصاب جميع الضحايا، لكن التعاطف مع والدة الطفل الصغير كان الأبرز"، يقول عدنان كرواد، عن الجمعية الإسلامية مسجد عثمان بأشفنبورغ في تصريح لـ DW عربية.
من يكون المشتبه به؟
شاب أفغاني يبلغ من العمر 28 عاما، كان يعيش في سكن للاجئين بالقرب من أشافنبورغ. وذكرت السلطات البافارية أن الرجل كان يعاني من مرض عقلي. وبالإضافة إلى ذلك، فقد "سبق لفت انتباه الشرطة عدة مرات"، وفقًا لبيان صحفي صادر عن مقر شرطة فرانكونيا السفلى.
وقال وزير داخلية ولاية بافاريا الألمانية هيرمان إن تفتيش مسكن المشتبه به لا يشير إلى وجود دوافع سياسية لديه. "في الوقت الحالي، هناك شكوك قوية بأنه يعاني من مرض عقلي واضح." كما تم العثور على أدوية مخدرة في مسكنه.
تؤكد تقارير إعلامية حسب ما نقل عن وزير الداخلية البافاري، أن المشتبه به قد جذب الانتباه سابقا أيضا بسبب جرائم العنف والمخدرات. وفي شهر ديسمبر/كانون الأول، صدرت أوامر بمراقبته".
دخل المشتبه به إلى ألمانيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عبر بلغاريا. قبل شهرين أفصح عن رغبته في العودة طوعا إلى وطنه أفغانستان. وأُغلقت بعد ذلك إجراءات اللجوء الخاصة به، وأُلزم بمغادرة البلاد. كما أنه بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي، كان من الممكن إعادته إلى بلغاريا.
الساكنة تلوم المسؤولين!
إضافة إلى كل هذه الحيثيات المرتبطة بهوية المشتبه به، فإن عدنان كرواد، القاطن بالمدينة نفسها يقول إنه قد "ساد الخوف في المدينة فعلا، لم نتوقع يوما أن نعيش مثل هذا الحادث المأساوي. اليوم الكل يلوم الشرطة وسلطات المدينة الأمنية والصحية، لعدم اتخاذ التدابير المناسبة لحالة الشخص لحمايته أولا، وحماية المجتمع منه".
محمد عسيلة، الباحث المتخصص في قضايا الهجرة والاندماج، اعتبر أن عدم وجود سياسة إدماجية واضحة تترك مناطق رمادية وتتسبب في مثل هذه الحوادث المأساوية". مبرزا أن لوم الساكنة للمسؤولين مشروع، لأن القضية تتعلق بالخطر المحدق بأمنهم ورفاههم الاجتماعي".
ويضيف عدنان أن "المكان الذي جرى فيه الاعتداء يقع وسط المدينة، لكن معروف أنه غير آمن، فهو مرتع لأشخاص يتعاطون المخدرات، وكان تواجد الأطفال فيه خطأ".
من جهتها، اعتبرت الدكتورة صرية موقيت، باحثة في علم الاجتماع وخبيرة في قضايا التنوع، أن "التقارير التي تفيد بأن أن الشخص المشتبه به كان معروفا لدى الشرطة دون اتخاذ تدابير وقائية، تكشف عن فجوات خطيرة في التعامل مع الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية وفي آليات الاكتشاف المبكر للمخاطر".
وشددت المتحدثة على ضرورة تطوير نظام للكشف المبكر عن الأفراد المعرضين للخطر، لا سيما أولئك الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو صدمات، وذلك لمنع تكرار مثل هذه المآسي". واعتبرت السوسيولوجية أن "النقص في الرعاية الصحية لطالبي اللجوء، وخفض تمويل للمشاريع الاجتماعية يُعقد التدخل المبكر، يجب معالجة هذه الثغرات الهيكلية بشكل عاجل".
عسيلة الذي يشغل منصب أستاذ محاضر بالمدرسة العليا للوظيفة العمومية والشرطة بمدينة دويسبورغ، يتفق مع الطرح الذي أفصحت عنه موقيت، إذ قال "إن التقصير من مؤسسات الرعاية الاجتماعية والصحية بالمدينة التي يتواجد فيها مرتكب الجريمة، وأيضا المسؤولين عن ملف لجوئه والسياسيين الذين يدفعون لعدم تمويل المشاريع الاجتماعية الخاصة باللاجئين، كل هذا أصبح يهدد المشاريع الاجتماعية والصحية والتعليمية للاجئين".
وأبرز المتحدث أنه "في مجتمع عالي التعدد كالمجتمع الألماني، عندما لا تكون الوقاية والاستباق، فإن مثل هذه الحوادث المأساوية ستتكرر للأسف".
تضامن ومؤازرة لأسرة الطفل المكلومة!
كان الجميع خائفا ومذهولا عند سماع خبر الحادث في ألمانيا، لكن في أشافنبورغ، "زاد خوف الآباء عندما علموا أن أحد الضحايا طفل صغير، والمغاربة بشكل خاص. كان الجميع يسأل عن هوية الطفل والكل يفكر في حال أسرته، وحالما عُرفت هويته، سارعت كل النساء لزيارة الأم المكلومة"، يحكي عدنان.
وفي وصفه لحالتها قال "لقد صدمت للغاية وحالتها النفسية صعبة أكثر من الجميع، طفلها الأكبر يبلغ من العمر 4 سنوات، يفتقد أخاه لكنه لم يفهم ما يجري".
أما عن باقي السكان، فالكل حسب المتحدث "صار يرافق أبناءه للمدارس ورياض الأطفال، وكل المؤسسات صارت تفكر في إلغاء الخرجات للأطفال خوفا". كما تشهد مواقع التواصل الاجتماعي حملة تضامنية كبيرة مع الضحايا من كل أطياف المجتمع، خاصة مع أسرة الطفل الصغير.
السوسيولوجية صرية موقيت، ترى أن حادث أشافنبورغ يوضح أن أعمال العنف تؤثر على الجميع في المجتمع، بغض النظر عن أصل مرتكبها أو دينه، وأصل الضحايا وديانتهم". وأبرزت المتحدثة أن "التضامن الذي شهدته أشافنبورغ يثبت أن الإنسانية لا تعرف الحدود".
استغلال المأساة لأهداف الحملة الانتخابية!
أعرب سياسيون من مختلف الأحزاب الرئيسية عن استيائهم من الحادث، لكن وبما أن ألمانيا على بعد شهر واحد من انتخابات جديدة، فقد اختار البعض استغلال الحادث في حملته الانتخابية.
ومن بين التصريحات حول الموضوع، ما أعلنه زعيم المعارضة فريدريش ميرتس عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي وعد بـ "حظر فعلي لدخول جميع الأشخاص الذين لا يحملون وثائق صالحة للبلد"، مؤكدا أنه سيصدر تعليمات بهذا الشأن لوزارة الداخلية الاتحادية في يومه الأول كرئيس للحكومة إن نجح في الانتخابات.
أما أليس فايدل، مرشحة حزب البديل من اجل ألمانيا لمنصب المستشار، فكتبت على موقع X: "تفكيري في الأقارب والمصابين.. إنها الهجرة مرة أخرى".
السوسيولوجية صرية موقيت، ترى أن "المقترح الذي يدعمه المرشح لمنصب المستشار عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والمدعوم من قبل حزب البديل من أجل ألمانيا، والذي يدعو إلى اتخاذ تدابير مشددة، ليس سوى خطوة شعبوية تُساهم في زيادة الاستقطاب. وقد رفضت نقابة الشرطة هذا التوجه، لأنه يصرف النظر عن المشكلات الحقيقية".
أما الخبير عسيلة، فيرى أن استغلال مثل هذه الأحداث في الحملات الانتخابية يجعل الفكر الألماني القومي يستفحل، هذه العقد التي يحييها اليمين في البلد لها فاتورة سيدفعها المجتمع الألماني برمته. وقرارات التهجير واللهجة المتطرفة ودعم الإسلاموفوبيا كل هذا سيهدم صرح الديمقراطية في ألمانيا".
في ظل الانحياز والشعبوية.. ما الحل؟
بدلاً من الشعارات الشعبوية، ترى الدكتورة موقيت أن ألمانيا في حاجة إلى سياسات استباقية قائمة على الحقائق وتقديم حلول حقيقية وفعالة، بدل الدعوات الشعبوية لترحيل الأشخاص أو فرض إجراءات أكثر صرامة ضد المهاجرين".
فالخبيرة في قضايا التنوع، ترى أن المخاوف والأحكام المسبقة، تغذي وتُقوض الحقوق والحريات الأساسية التي يجب أن تضمنها دولة الحق والقانون".
وفي حديثها عن الحلول اعتبرت المتحدثة أنه "من الضروري ألا نقع في فخ الأحكام المسبقة الشعبوية التي تضع الهجرة أو الأشخاص ذوي الخلفيات المهاجرة في بؤرة الاستهداف بشكل عام. إن ربط مثل هذه الجرائم بالانتماء العرقي أو الديني، خطير ويؤدي إلى انقسام المجتمع".
ومن وجهة نظر الخبير في شؤون الهجرة والاندماح، محمد عسيلة، فإن "ما علينا القيام به هو تحويل هذا الحدث رغم مأساويته إلى محطة لإعادة النظر في المقاربة الأمنية، ونتساءل: من قصّر وكيف نتعامل مع ذلك؟".
ويضيف المتحدث أنه على "كل المؤسسات أن تعمل على إعادة الثقة للمواطنين، عبر مقاربة مبنية على العمل الاجتماعي والثقافي مع استحضار المقاربة الدينية". وأنهى المتحدث كلامه بالإشارة إلى أن "كل هذه الأحداث لها أثر على المجتمع برمته والتركيز على تحميل الذنب فقط للأجانب هو في الحقيقة نظرة قاصرة".