جمهورية مالي في براثن القاعدة – الطريق إلى دولة فاشلة
١٩ سبتمبر ٢٠١٢كانت جمهورية مالي تعتبر لفترة طويلة دولة ديمقراطية مثالية في غرب إفريقيا، إذ أنها تحولت في العقود الماضية من دولة يحكمها حزب واحد فقط، إلى دولة ديمقراطية تقريباً معتمدة على دستور وأحزاب عديدة وبرلمان. إلا أن ذلك تغير جذرياً، فالحكومة فقدت في الأشهر الماضية سلطتها في أجزاء واسعة من البلاد. وتسيطر الآن مجموعات إرهابية على شمالها. ويحذر بعض المراقبين من تحول مالي إلى دولة فاشلة.
معالم دولة فاشلة
تتمثل بعض هذه المعالم في انقسام البلاد وازدياد نفوذ جهاديين متشددين ووصول عدد اللاجئين في البلاد إلى مئات آلاف الأشخاص. "بالتأكيد كان الانقلاب ضد الرئيس منطلق هذا التطور"، كما يقول البروفسور بيتر هاينه، أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة هومبولدت ببرلين.
كان جيش مالي قد أطاح في آذار/ مارس الماضي بالرئيس أمادو توماني توري وتولى السلطة بنفسه، وذلك بحجة أن توري غير قادر على التحكم في الوضع في البلاد وتحدي الطوارق المتمردين في شمالها. واتخذ الجيش خطوته، رغم أن فترة رئاسة توري كانت على وشك الانتهاء، إي أنه اتخذتها قبل أسابيع قليلة من إجراء انتخابات رئاسية جديدة. إلا أن الانقلاب عاد في البداية على الأقل بالفائدة على الطوارق، ففي ظل فراغ السلطة في البلاد بعد الانقلاب تحالف الطوارق الذين اعتبروا أن الحكومة في باماكو أهملتهم منذ عقود، مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
إسلاميون براغماتيون
يقول بيتر فام الخبير في شؤون إفريقيا بمجلس الأبحاث الأطلسي في الولايات المتحدة: "إن الإسلاميين من شبكة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي مستعدون كل الاستعداد للتعاون مع مجموعات أخرى بشرط أن يخدم ذلك تنفيذ مصالحهم". إلا أن المجموعتين تسعيان إلى تحقيق أهداف مختلفة، فتنظيم القاعدة في المغرب يريد الوصول إلى أهداف كثيرة على رأسها تطبيق الشريعة. "ورغم أن دول شمال إفريقيا ومنطقة الساحل إسلامية منذ قرون، إلا أن الدين الإسلامي فيها يتسم بخصائص معينة"، كما يقول استاذ العلوم الإسلامية هاينه، "إذ أنه إسلام شعبي يشمل تقديس الأولياء أيضاً. ولا تقبل شبكة القاعدة مثل ذلك، وهذا هو سبب تدمير قبور الأولياء وغيرها من الأماكن في تمبكتو وغاو".
لكن الطوارق لا يهتمون كثيراً بتطبيق الشريعة، "فالطوارق شعب بلا بلد"، كما يقول بيتر هاينه. "ويحاولون منذ فترة طويلة تأسيس دولة خاصة بهم في المنطقة". وعليه فإن تحالف الطوارق مع تنظيم القاعدة لم يستغرق طويلاً. ونجح الإسلاميون المتشددون في هزيمة المتمردين الطوارق وطردهم من أهم المدن مثل تمبكتو وغاو وكيدال.
الاختطاف كمصدر مالي
تقوم قوة تنظيم القاعدة في منطقة الساحل على ضعف حكومات دول هذه المنطقة وعلى إستراتيجية التنظيم المتمثلة في كسب أموال طائلة عن طريق تجارة المخدرات وتنفيذ عمليات الاختطاف. "تدفع بعض الحكومات مبالغ كبيرة جداً من أجل الإفراج عن مواطنيها المختطفين"، كما يقول بيتر فام. "وعليه حصل تنظيم القاعدة في السنوات الماضية على ملايين الدولارات".
أدى إسقاط الزعيم الليبي معمر القذافي أيضاً إلى تقوية التنظيم الإرهابي، فالمرتزقة من دول منطقة الساحل الذين عملوا لفترة طويلة لصالح القذافي، عادوا إلى أوطانهم مجهزين بالأسلحة الثقيلة. "وحصل الإرهابيون منذ بداية الحرب في ليبيا على أسلحة كثيرة جداً. وهناك مقاتلون كثيرون يبحثون عن عمل لهم"، كما يقول بيتر فام الخبير في شؤون أفريقيا. من جانبه يخشى أستاذ العلوم الإسلامية بيتر هاينه من ازدياد نفوذ تنظيم القاعدة في الدول المجاورة أيضاً. "وعليه فمن المحتمل أن تنشأ هياكل خالية من أي مرجعية"، كما يقول. "ومن المحتمل أن تزداد ظاهرة أخذ الرهائن وتجارة المخدرات إلى حد كبير".
على كل حال لم يتضح بعد خمسة أشهر من احتلال المناطق الشمالية من قبل الإسلاميين المتشددين ما إذا كان من المقرر إجراء عملية عسكرية لإعادة الاستيلاء على هذه المناطق. ورغم أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عرضت على حكومة بوماكو إرسال 3000 جندي تقريباً إلى مالي، إلا أنها تصر على قيام جيشها بقيادة عملية ضد الإسلاميين في الشمال بنفسه، رغم أنه ليس مجهزاً بما هو ضروري لمثل هذه العملية