جدل حول إعادة نشر كتاب أدولف هتلر " كفاحي" المحظور
٢٨ يناير ٢٠١٢في11 من نوفمبر/ تشرين الثاني1923 دخل أدولف هتلر إلى السجن بتهمة الخيانة العظمى للدولة. فمحاولة الانقلاب التي وقف وراءها النازيون في مدينة ميونخ انتهت بحمام من الدم. وكان الجميع يعتقد أنها ستكون نهاية الزعيم النازي هتلر. لكن ظهر أن السجن بالنسبة لهتلر فرصة من أجل الاستراحة والتخطيط للمستقبل. فخارج السجن، كانت تسود آنذاك حالة من الرعب والفوضى. وكان الاقتصاد الألماني حينها في الحضيض فيما كانت نسبة البطالة مرتفعة بشكل مهول. أضف إلى ذلك شراسة المعارك بين أتباع التيارات السياسية اليمينية واليسارية.
ومن داخل السجن دون هتلر رؤيته السياسية وأفكاره النازية. وتمكن خلال بضعة أشهر فقط من كتبة مؤلفه الشهير "كفاحي" الذي يجمع بين عناصر السيرة الذاتية والشرح التفصيلي لنظريات هتلر النازية، إضافة إلى مقتطفات من كتب ومؤلفات سياسية أخرى. الكتاب يتضمن إيديولوجية هتلر العنصرية المعادية للسامية وكذلك الحرب والثورة النازية التي يريد قيادتها. ونشر المجلد الأول من كتابه عام 1925 والمجلد الثاني عام 1926، أي سنتين بعد كتابته. وحينها أطلق صراح هتلر ليلتقي مباشرة بعدها مع أنصاره في محاولة لإعادة تأسيس الحزب النازي“NSDA“.
كتاب تحريضي بمبيعات هائلة
إلى غاية سنة 1933 بيع ما يزيد عن 300.000 نسخة من "كفاحي" وبثمن بخس، ولكن بعد ذلك قفزت المبيعات إلى مستوى قياسي وصلت إلى الملايين، كما كان أيضا من الهدايا التي تقدم في اللقاءات الدولية الثنائية وحتى في الأعراس. ولكن المؤرخين يشككون فيما إذا كان الملايين قد قرؤوا الكتاب بالفعل. ولكن على الأقل من المنظور التجاري كان للكتاب نجاح كبير، حيث عاد بأرباح كبيرة على الحزب النازي وعلى دار النشر التابعة له وكذلك على الزعيم النازي نفسه أدولف هتلر. وعلاوة على ذلك تمت ترجمة الكتاب إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية وغيرها من اللغات الأخرى، ليصبح في متناول القراء في الخارج أيضا. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية أصبح هذا الكتاب وصمة عار في بيوت العديد من الألمان، الذين حاولوا التخلص منه بسرعة. إلا أن هناك من احتفظ بالكتاب سواء في ألمانيا أو دول أوربية أخرى. ففي إنجلترا على سبيل المثال تم اكتشاف نسخ أصلية عليها الإمضاء الشخصي لهتلر، تم بيعها في المزاد العلني سنة 2005و2009 بأثمان باهظة.
"كتاب كريه الرائحة"
ويجمع المؤرخون منذ عدة عقود على رأي واحد في شأن " كفاحي" وهو أن الكتاب دون المستوى قلبا وقالبا، كتاب وقح غير عقلاني بأفكار خاطئة مزورة وأنانية. وفي هذا الصدد يقول يواخيم.س في كتابه منتقدا لهتلر "القارئ يتلقى رائحة كريهة تنبعث من هذا الكتاب لمجرد فتحه". فالكتاب تحليل خاطئ يصور إيديولوجية خاطئة. أما المؤرخة النمساوية بريغيته هامان فتجد الكتاب مملا للغاية، كما صرحت في حوار لها مع أسبوعية "دي تسايت" die Zeitالألمانية "هتلر لم يأت في كتابه بأي شيء جديد من نفسه، بل نقل معظم كتابه من بعض الكتابات السياسة الهامشية."
تحريض على الكراهية
ويعتر نشر هذا الكتاب في ألمانيا أمرا ممنوعا بحكم القانون، لأن أفكاره تتنافى مع القيم الديمقراطية للبلاد، حيث يعتبر الكتاب مجرد دعاية زائفة ووسيلة للتحريض ونشر الكراهية والعداء. ولهذا قررت الدولة الألمانية منع ترويج هذا الكتاب من أجل حماية مواطنيها من التأثيرات السلبية التي يحملها هذا الكتاب. ولكن من جهة أخرى هناك من يعتبر أن هذا التعليل لم يعد صالحا في الوقت الحالي، وذلك لأن الديمقراطية أصبحت متجذرة في المجتمع الأماني، وبالتالي ليس هناك سبب لمنع نشر هذا الكتاب أو بعض أجزائه. بالإضافة إلى ذلك فإن منع الكتاب لا يعني عدم إمكانية الحصول عليه بوسائل أخرى آخر. وفي هذا السياق يقول المؤرخ البريطاني إيان كيرشاو إنه في عصر الإنترنيت أصبح من الصعب منع القراء من الحصول على الكتب الممنوعة. كما يمكن الحصول على الكتاب أو مقتطفات منه في بعض المعارض والأرشيفات أو خارج ألمانيا، فكتاب " كفاحي" يباع بشكل عادي في الهند وروسيا وتركيا وكرواتيا وغيرها من الدول الأخرى.
نزاع حول حقوق الطبع والنشر
وسبب اندلاع الجدل الراهن هو النزاع القائم حول نشر بعض المقتطفات من الكتاب في سلسلة "شهداء على الصحافة" التي تريد إصدارها دار نشر بيتر ماكغي البريطانية. حيث أن نشر هذه المقتطفات يصطدم مع قانون حقوق الطبع والنشر الألماني، حيث تنازل الحلفاء بعد نهاية الحرب عن حقوق نشر "كفاحي" لصالح ولاية بافاريا الألمانية، وذلك لأن ميونيخ كانت هي آخر مكان يقطن فيه الديكتاتور. ولحد الآن خرجت ولاية بفاريا منتصرة في جميع النزاعات القانونية المتعلقة بنشر وطبع هذا الكتاب. والجدير بالذكر هو أنه بعد 70 سنة من موت الكاتب تنتهي حقوق النشر أيضا. هذا يعني أنه بعد مرور 7 عقود على انتحار الزعيم النازي سنة 1945 سيصبح بالإمكان وابتداء من سنة 2015 نشر الكتاب دون إذن من ولاية بافاريا.
صاحب دار النشر البريطاني ماكغي كان قد صرح لمجلة "دير شبيغل" الألمانية أنه حان الوقت لإعطاء فئة كبيرة من المجتمع حق قراءة النسخة الأصلية للكتاب دون تحفظ. ولكن بعض الناقدين يرون أن الربح المادي هو الذي يقف وراء اهتمام ماكغي المفرط بنشر الكتاب.
تحليل علمي للكتاب
تهتم مؤسسة ميونخ للأبحاث في الشؤون التاريخية بإعادة تقييم وتحليل كتاب " كفاحي" من أجل الخروج بنسخة جديدة تتضمن تعليقات مرافقة. وهي تسعى لإخراج هذه النسخة قبل دور النشر التي ستتهافت على نشر الكتاب لأغراض مالية محضة. ولكن المؤرخة النمساوية بريغيته هامان تنظر إلى الأمر بشيء من الشك، حيث ترى أن نشر الكتاب بهذا الشكل قد يكون له وقع سلبي:" هذا سيكون تكريما لهذا الكتاب أكثر مما هو تبخس له". وهي تنصح بتجنب إعطاءه قيمة كبيرة. علاوة على ذلك فإن وزيرة الأسرة الألمانية كريستينا شرودر تقف أيضا ضد بيع مقتطفات من الكتاب في ألمانيا. وترى أن ألمانيا أصبحت فيها العديد من المنشئات والمرافق التي ترمز إلى خطورة الجرائم النازية والمناهضة للعنصرية في ألمانيا. من جهته عبر رئيس المجلس الأعلى لليهود في ألمانيا ديتر غراومان عن استيائه من محاولة إعادة نشر الكتاب أو مقتطفات منه، وهو يتابع الموضوع بترقب كبير.
أمين بنضريف/كورنيليا رابيتس
مراجعة: حسن زنيند